مواجهة الكيان الصهيوني لن تتم إلا بمواجهة ثقافية وحضارية وعلمية

أحمد عزت سليم5 سبتمبر 2018آخر تحديث :
فى إطار

(المقال الثالث من سلسلة مقالات وعددها 4، للمفكر في الشؤون اليهودية والصهيونية، أحمد عزت سليم، في نقده لقانون “القومية اليهودي”)، لقراءة المقال الأول من هنا، وقراءة المقال الثاني من هنا.

أن مواجهة هذا العداء الوحشى الذى تتميز به العنصرية الصهيونية وهو ممثل ومتجلى فى “الدولة الإسرائيلية” لن تتم إلا بمواجهة ثقافية وحضارية وعلمية لا تستند إلى فراغ أو عدم، ولكن تستند بالضرورة إلى مرتكزات القوة فى الذات العربية بتراثها النضالى العميق والتى تؤسس لحركة مقاومة دائمة، هذا التراث الذى يتهم بالتخلف وأنه السبب الرئيس الذى يكمن وراء المساوئ التى تعم العالم العربى – بل والعالم كله، هذا الاتهام الذى يمثل إحدى منطلقات الدعاية الصهيونية العالمية المضادة والموجهة ضدنا والتى أستأنسها الصهاينة العرب ووكلاء الغرب الأمريكى الصهيونى، ومنها ينطلق الغرب، بناء على ميراث تاريخى من الخوف والكراهية لكل ما هو عربى وإسلامى ، للغزو والاعتداء منذ الحروب الصليبية الأولى والتى دامت قرنين من الاعتداءات الوحشية على المسلمين وذبح نحو سبعين ألفاً من المسلمين عند دخولهم القدس ، ومروراً بحركة الاستعمار الحديث التى وضعت العالم العربى تحت سيطرته وانتهبت فيها ثروته ثم امتداداً للحملة الصليبية بقيادة جورج بوش حيث تم غزو أفغانستان وغزو العراق وتكررغزو لبنان وتهديد سوريا وتفتيت السودان وتدمير غزة وإشعال حروب الفتنة والغزو فى الصومال ولبنان وفلسطين ومحاربة التقدم العلمى الإيرانى، ومع أنه لم تقم أية دولة عربية وإسلامية بالاعتداء على العالم الغربى، لكنه الهدف الغربى الأزلى الذى عبر عنه إرنست رينان عام 1862 ، إن الشرط الأساسى لانتشار الحضارة الغربية هو تحطيم الإسلامية، وتلك الحرب الدائمة ، حرب لن تضع أوزارها إلا بعد أن يموت بؤساً آخر حفيد لإسماعيل أو يرد على عقبيه إلى أعماق الصحراء، لأن الإسلام هو أكبر نفى لأوربا ، ستفتح أوربا العالم وتنشر دينها المتمثل فى القانون ، فى الحرية ، فى احترام الإنسان.
ولا شك أن هذا هو الذى نراه يتحقق فى العراق وفلسطين وفى العديد من المناطق العربية أمام أعيننا جميعاً الآن !! ورآه آباؤنا وأجدادنا مع حركة الاستعمار القديم ، والحديث الماثل أمامنا الآن بكل قـوة وعنفوان.

الانسلاخ عن التراث هو أحد أهم الأهداف الاستعمارية الغربية الأمريكية الصهيونية والتى تسعى إلى تحقيقها إما بالتهديد والحصار والعقوبات أو القوات الدولية أو المتعددة الجنسيات أو بقوات الأمم المتحدة التى أصبحت إحدى أدوات الغزو الاستعمارى فى النظام العالمى الجديد التى تم توظيفها لخدمة المخططات الاستعمارية ، أو بالغزو المباشر أو بالغزو الثقافى تحت شروط المساعدات وبمعونة وكلاء الغرب من الأفراد والأنظمة داخل المنطقة والتى ساهمت مع العدو الصهيونى فى المحاولات الجارية لتصفية الثورة الفلسطينية وحولتها من ثورة حتى النصر إلى سلطة ذات وظيفة استخبارتية لا تملك أرضاً ولا سماء ولا بحراً ولا مصادر طاقة وكهرباء ومدنها محاصرة وطرقها يحكمها العدو وفصائلها متناخرة ومدخلاتها الاقتصادية تمر بقنواته المالية ، ولا يخرج أحد منها ولا يدخل إليها إلا بموافقته ، ولا قيمة لها سوى أنها أداة قهر ضد مواطنيها وحارس بوابة أو سجن ضد الثائرين عليه ، فيتم ضرب عناصر المقاومة واعتقالها وتصفيتها بالتوافق مع إخلاء الأرض من البيوت والسكان وتدميرهم بشكل منهجى من الآلة الصهيونية الاستعمارية ” دولة إسرائيل”، تحت سمع وبصر هذه السلطة ووكلاء العدو من الأفراد والأنظمة والذين ساعدوا وأمدوا الآلة العسكرية الصهيونية بالأسمنت والطوب والحديد لبناء المستوطنات والجدار العازل وتوجهت قذائفه الإجرامية من قواعده التى سمح بها هؤلاء الوكلاء بإقامتها على أراضى شعوبها لتقتل الأبرياء فى غزة وكل فلسطين.

وأصبحت المناداة بوقف أعمال العنف بين الطرفين هى أسمى الأمانى التى يسعى إليها الوكلاء لتحقيقها ، بينما العدو الصهيونى يمعن فى العنف والذبح حتى تتحقق مخططاته بالاستيلاء على الأرض كاملة خالية من ساكنيها الأصليين ، وحتى يكون مطلب هؤلاء فى مرحلة لاحقة هو السلام مقابل أن تتوقف الآلة الصهيونية ” دولة إسرائيل ” عن غزو بلادها ، ولينادى المنادى أنه كلما خطت “إسرائيل” خطوة إلى الأمام نحو السلام فإنه سوف يخطو خطوتين كما قال ولى عهد البحرين ، ولتتحقق دعوة هرتزل – تحت تهديد الغزو ومسارعة الوكلاء- بإقامة كومنولث عربى يهودى بين “الدولة” الصهيونية والاقتصاديات العربية، ويتحقق فيه جنة عدن التى دعا إليها الملك الحسن الثانى باشتراك العبقرية اليهودية والمال العربى أو على حد تعبير السادات … هكذا نرى الجنة أيضاً تتحقق الأن فى العراق وفلسطين والسودان والصومال وأفغانستان تحت رايات التعاون المستمر والبناء والحكمة والاستثمار!

ومن ثم فإن إحياء نواحى القوة والمقاومة فى التراث العربى الإسلامى العميق ضرورة تحتمها طبيعة الصراع مع العدو الصهيونى بمستوياته المختلفة ، ” الإسرائيلية ” والأمريكية والعالمية ومع العناصر الصهيونية الداخلية ، وهذا الأحياء لا يمكن أن نستثنى منه القيم الروحية كمصدر من مصادر الطاقة الفاعلة والحركة الحيوية والإرادة القوية التى تشكلت ماهيتها منذ أزمنة سحيقة ضد العنصرية والانغلاق ، ومع التفتح والتحضر وضد الجمود، ومع التسامح المرتبط بالشجاعة والإيمان ضد الخضوع والاستسلام ومع احترام الفرد والجماعة وضد التفتيت والتناحر، وذلك فى كل متماسك يدعو لمقاومة الظلم ومحاربة الخراب ومقاومة المعتدى وطرد الغاصب وإعمال العقل والنقد لا النقل والاتباع والوصول إلى أعلى مراحل العلم وتطبيق الديمقراطية التى يتجدد بها الوجود العربى وتزداد قدرته على المقاومة والبقاء فى مواجهة المحو والفناء.

فى هذا الإطار يأتى كتاب ” مملكة داود وسليمان العبرية أوهام لا نهاية لها ـ دراسة فى لاهوت العنصرية الإسرائيلية ” ليقدم المجال الحيوى الذى تدور فيه عقلية الآلة الصهيونية ” دولة إسرائيل” أفراداً وجماعات وكياناً وتستمد منه إدراكها وتنطلق منه سلوكياتها وحركتها وتدفعها نحو الفاعلية والتحقق وتكتسب جماعاتها الاستيطانية تقاليدها وتتشرب منه أعرافها وتتشكل العناصر السياسية المؤلفة لهذه الـ “دولة ” وتتحدد مستويات ومجالات التفكير ومنطلقات السلوك والتبنى والولاء لنظام قيمى ينبع من أيديولوجيا محددة ومتبلورة وتشكل نسق من الأفكار والآراء الدينية والأخلاقية لكونها جزءاً من الوعى الذى يتحدد بظروف المجتمع الاستيطانى الإحلالى والثقافة الموروثة من نظام الجيتو وفى تفاعلهما مع القيم الدينية التوراتية والتلمودية وما يشمل كل هذا النظام من علاقات تعاقدية نفعية مادية باردة وشعائر وقوانين دينية انعزالية ضد الآخر ومقدسة يحتفظ فيها الإله بالقبيلة الذهبية التى هى مملكة الأنبياء، حتى العودة ……” هو ذا شعب وحده يسكن بين الشعوب لا يسكن ” مولعا بالإبادة والقتل ومنغلقا بداخل يهوديته الأرثوذكسية معتمدا ـ كما بين إسرائيل شاحاك ـ على الاعتراف بوجود الشوفينية اليهودية والاقتصادية والفحص الأمين لمواقف اليهود من غير اليهود . لتصبح فيه الـ ” دولة ” الصهيونية كإرادة إلاهية لإقامة المملكة العبرية مرة أخرى كضرورة مقدسة قررها الإله.

هكذا يعيش هذا ” الشعب ” كما يدعى هذا النظام تاريخ واحد ممتد هو تاريخ الأسلاف والأجداد والأبناء والأحفاد ، وفى كل هذا فإن انفعالات هذه الآلة الصهيونية بمستوياتها المتعددة تتطابق مع المعرفة الإدراكية لها كنظام متطابق معها يقف خلف النشاط ويجمعهما فى كل واحد يفسر به العالم والمجتمع والفرد وقد توحد فيهم الإله وقد أحالها هذا النظام القيمى إلى حقائق على الأرض حية نشطة ودينامية ملموسة فى نظام كلى متكامل انخلقت منه هذه الدولة الصهيونية وانبثقت معه القيم والتقاليد والممارسات التى أصبحت محور ومرتكز حياة الصهيونية كحركة و”دولة” وكجماعات وكأفراد وكامتياز تدافع عنه هذه المستويات المتعددة، وليصير هذا النظام الكلى المتكامل تمثيلاً صريحاً لثقافة جماعية مترسبة فى الوعى عبر تاريخ مزعوم موسوم بالتوحد ، وبكونه منبعاً لذلك كله يستهدف أول ما يستهدف أن تتحقق مقولاته العنصرية القائمة على التمييز بين البشر اليهود ، والأغيار الخنازير ، وجعل اليهود ذوى خصائص أنثروبولوجية وجسمانية وبيولوجية وثقافية وتراثية وقدرات عقلية وأخلاقية موروثة أرقى وأفضل وأكثر قدرة على البقاء وعلى الإبداع من الأغيار.

وهذه الأفضلية استمدت ذاتها ـ كما تدعى ـ مما حباها الإله واختصها بها دون سائر الأغيار ، فصار السلوك الإدراكى جمعياً وقولياً وفعلياً منخلقاً من روح الإله ، فأضحى السلوك مقدساً قداسة التعاليم والأوامر الإلهية ، واستمدت من ذلك كله النقاء العنصرى ـ المزعوم ـ وحتمية البقاء كديمومة الإله ذاته والتفوق والقوة كفضائل طبيعية اختص بها الإله اليهود وغير قابلة للتغيير أو الانتقال إلى جنس آخر ، فالدم على حد تعبير مارتن بوبر هو الذى يحدد المستويات العميقة للوجود اليهودى ، هو عالم الجوهر ويصبغ هذا الوجود وإرادته بلونه ، والعالم من حوله إن هو إلا آثار وانطباعات بينما الدم اليهودى هو عالم الجوهر ، وكذلك عرف لويس برانديز اليهودية بأنها مسألة تتعلق بالدم، ووصف صهيونى آخر هو إغناتز زولتشان اليهود بأنهم : ” أمة من الدم الخالص ” لا تشوبها أمراض التطرف أو الانحلال الأخلاقى ورأى موسى هس مؤسس الفكرة الصهيونية أن اليهودية حافظت على نقاوتها عبر العصور “.

ومن هذا ” التعصب العنصرى كحالة خاصة من تعصب المعتقدات ” ومن هذا الزعم بالنقاء العنصرى والبقاء العنصرى والتفوق العنصرى تكون الصهيونية هى رسول الغرب الاستعمارى فى تبرير دعاوى الغزو لتطهير العالم من دناسة الشعوب الأخرى المتخلفة وكما يقول هرتزل ” فإن اليهود عندما يعودون إلى وطنهم التاريخى سيفعلون ذلك بوصفهم ممثلين للحضارة الأوربية ، وأن الإمبريالية بوصفها نشاطاً نبيلاً يهدف إلى جلب الحضارة إلى الأجناس الأخرى التى تعيش فى ظلام البدائية والجهل ، كذلك عودة اليهود ، ولذلك فالعودة الصهيونية العنصرية هى عودة استعمارية غربية لأمة نقية عرقياً وأخلاقياً وهذا يمنحها حقوقاً أكسبها لهم الإله أبدياً وحصرياً وتاريخياً ككل متجانس دون سائر الأغيار ، وذو نمط واحد هو الجوهر اليهودى الذى يتحقق فى “يسرائيل الشعب” التى هى “يسرائيل التوراة ” ، وكلاهما فى عقل الإله من قبل الخلق ، وأن “إسرائيل” وحدها هى التى سوف تحقق التوراة وهى شريكة الإله فى عملية إدارة الكون وإدارة حركة التاريخ وتوجيههما ، والتى يتدخل فيهما الإله لصالح ” شعب يسرائيل” بحيث يتجه التاريخ نحو نهايته المسيانية الحتمية المطلقة التى يتحكم فيها اليهود فى مصير البشر والعالم ، وعندها يقهقه الإله على عرشه وهو يرى الماسيح قد وصل وقضى لتوه على الشعوب الأخرى ، وهذا القضاء وهذه الإبادة المسيانية الجماعية لشعوب العالم هى المرحلة الحتمية التى يستهدفها البقاء اليهودى كمرحلة نهائية للعداوة والكراهية للأغيار ، ويصير التزاوج بين الخالق والشعب فى القبالاة (طبقاً للتجلى العاشر ضمن التجليات التوراتية العشرة- سيفروت) توحداً كاملاً ويقوم هذا “الشعب” بتوزيع رحمة الإله على العالمين بالتخلص منهم!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة