طارق البشري علم الوطنية المصرية وعقلها النابض

سلام ناجي حداد27 فبراير 2021آخر تحديث :
طارق البشري علم الوطنية المصرية وعقلها النابض

رحل عن عالمنا أمس الجمعة، قيمة وقامة بقدر المستشار طارق البشري مما أثار موجة كبيرة من الحزن في الاوساط السياسية والثقافية المصرية، وقد شيع جثمان الفقيد من مسجد مصطفى محمود في منطقة المهندسين بالجيزة، في العاصمة المصرية القاهرة، راحلا عنا عن عمر ناهز 88 عاما متأثرا بإصابته بفيروس كورونا.

اقتصر العزاء في الفقيد على الجنازة فقط وفقا لما أعلنت اسرته، كما أكدت الأسرة أن السيدة حرمه خرجت من المستشفى وتتماثل حاليا للشفاء من فيروس كورونا المستجد.

ترك السيد المستشار طارق البشري وراءه فكر رصين وكتبا عظيمة أثرت في الوجدان المصري ككل، بالإضافة لكونه أفضل من نظر حول القومية المصرية والعربية، والتاريخ السياسي والقضائي المصري، كما كان له إسهامات قانونية كانت بمثابة قواعد مؤسس لذلك الحقل الكبير.

طارق البشري

المحتويات

طارق البشري أصوله وفروعه

الراحل إلى جانب كونه مفكرا عبقريا كان له من المناصب التي جعلته فاعلا في فترات هامة من التاريخ المصري الحديث، حيث شغل منصب النائب الأول لرئيس مجلس الدولة في مصر سابقا، ورئيس لجنة تعديلات الدستور بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.

ولد السيد طارق البشري الأول من نوفمبر عام 1933، في حي الحلمية بالقاهرة وتعود أصوله لقرية محلة بشر في مركز شبراخيت بمحافظة البحيرة.

جده كان الشيخ سليم البشري أحد من تولوا منصب شيخ الأزهر الشريف، ويذكره التاريخ كونه ضمن الأفضل ممن تولوا هذا المنصب الشريف، بينما والده كان المستشار عبدالفتاح البشري، وقد تولى رئاسة محكمة الاستئناف حتى وفاته عام 1951.

تزوج المستشار طارق البشري من السيدة عايدة العزب موسى وله ولدان هما المستشار عماد البشري رئيس هيئة المفوضين في المحكمة الدستورية العليا، وزياد البشري ويعمل مهندسا.

طارق البشري حياة واسعة الأفق

تخرج المستشار طارق البشري من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1953، عين بعدها في مجلس الدولة، وعمل بها متدرجا في الدرجات والمناصب حتى تقاعد عن العمل في سن 65 عاما، وكان وقتها على درجة نائب أول لرئيس مجلس الدولة، كما كان وقتها رئيسا للجمعية العمومية للفتوى والتشريع.

بعد نكسة عام 1967 تخلى المستشار البشري عن الفكر الاشتراكي الناصري، وانتكس هذا الفكر في عقله كما انتكس بمصر كلها، ليبدأ بعدها رحلة جديدة نحو الوطنية المصرية الخالصة بمقومتها القومية والاسلامية ككل، وبنطاق أوسع وأرحب من كل التيارات، وكتب وقتها مقاله الأشهر “رحلة التجديد في التشريع الإسلامي”.

طارق البشري

كان هذا المقال أول ما بدأ به المستشار طارق البشري في فكره السياسي الجديد، وأصبح محسوبا على الفكر الإسلامي وإن كان الرجل مؤسس للفكر الوطني، ومتأثرا بشقيه العربي والإسلامي ليكون الفكر الوطني المصري الفريد لديه، وقد كتب في حقول كثيرة ومتشعبة بدءا من القانون للتاريخ للفكر الإسلامي وتشريعاته.

تناول السيد البشري في كتاباته الكثير والكثير، وكانت رحلته غنية للغاية، وبوعي شديد تمكن أن يضع السيد طارق البشري نفسه في مكانة فكرية ضخمة وعظيمة متفردة لم تكن لمثله من قبل، حيث استطاع أن يشق طريقا جديدا بين الفرق العلمانية والتيارات الإسلامية واستطاع أن يضع فكره في الوسط من كل ذلك فلم يكن من الإسلام السياسي كليا ولم يكن علمانيا قحا، وإنما الرجل كان إلى هذا وإلى هذا ما اقتضت مصالح الشعب في نظره، واستطع صناعة توليفا فكريا لما وصف بالجامع للمصرية والوطنية في آن.

ووسط كل انشغالاته بفكره القومي المصري، لم ينسى البشري عدوه الأول وعدو الشعب المصري والعرب، العدو الإسرائيلي قد كان له جانبا من كتبه، وكانت أفكاره ملهمة في توجه القومية المصرية ضد عدوها، وكتب ما يمكن الرضى عنه فيما يخص مواجهة العدو.

طارق البشري

مواقف من حياة طارق البشري

للسيد طارق البشري مواقف مشرفة، ضد النظام القائم، كان مستقلا كما يجب أن يكون الاستقلال أن يكون، وكان متفاهما وتوافقيا كما يجب أن تكون التوافقية، كان له كلمة الحق كما هو قاض، وكما هو مفكر وقاض سابق، فعندما كان قاضيا كان له الحكم الأشهر، بمنع رئيس مصر وقتها حسني مبارك عن إحالة بعض القضايا للقضاء العسكري وهي تلك الموجة التي اتخذها النظام في البطش بمعارضيه وغيرهم، بينما وعلى الرغم من تحوله من الناصرية للوطنية الإسلامية، إلا أن الرجل حكم بدستورية تأسيس حزب ناصري في عهد مبارك، وذلك بتحويل لفهم تعديل دستوري من يحظر الأحزاب المعارضة للصلح مع دولة الاحتلال، ليسمح بتأسيس ذلك الحزب بروح الدستور وقيمه.

من أبرز مواقف السيد طارق البشري كان بما يخص أقباط مصر، ودعوتها للمساوة ومشاركتهم في الحياة العامة من خلال تنظيره الأشهر في كتابه عن الاقباط والجماعة الوطنية الذي يؤسس به فصل جديد من علاقة الأقباط بالحياة السياسية المصرية، وهو ما جعل الكثير من الاقباط يقدرونه ويحبونه “للمزيد تابع القراءة: طارق البشري والاقباط: هذا سر حب البابا شنودة للعلامة الراحل“.

البشري كان ديمقراطيا إلى أبعد حد، لم يتوقف عن انتقاد ما يراه غير ملائم ولم يحسب يوما على أحد، فقد انتقد الاسلاميين كما انتقد الرئيس الذي جاء منهم (محمد مرسي رحمه الله)، ولعل أبرزها مواقفها من التعديلات الدستورية التي أجرها الرئيس وقتها وأكد أنها ليست دستورية وفي الوقت نفسه انتقد بنودها وتوجهاتها ودعا إلى وقفها، كما انتقد اقالة النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود.

ولكن على الرغم من انتقاده لتجربة الإخوان وأخطائها، إلا أنه في الوقت ذاته رفض الانقلاب العسكري الذي اعتبره ضد التجربة السياسية الثورية برمتها، وقد قال بعد الانقلاب مباشرة: “وقع الإخوان فى أخطاء، خاصة بعدما وصلوا إلى الحكم، ورأينا فصائل من التيار العلمانى تتربص بهم، وترفضهم من الأساس، واستغلت قوى الدولة الاستبدادية كل هذه العوامل، لإنهاء التجربة الديمقراطية القصيرة لهذه الثورة؛ ليعود الاستبداد كأشد ما يكون، ولا تستطيع تبرئة أحد مما جرى، الإخوان لم يقدروا الظروف السياسية؛ خاصة وأن هناك من عمل على إفشالهم والقوى المدنية تحالفت مع الاستبداد للإطاحة بالإخوان”.

المستشار طارق البشري كان من المغضوب عليهم من قبل النظام الحالي، وعلى مدار سبع سنوات، ظل حبيسا عن الإعلام والصحافة هو ومقالاته التي لم يكن ليرضى عنها النظام القائم، إلا أنه وبعد وفاة البشري، نعته جميع الصحف المحلية القريبة من السلطة، وكذلك الإعلاميين والكثير من الشخصيات السياسية والفكرية المحسوبة على النظام أو على غيره.

لعل أبرز كلماته فيما يتعلق بتحولاته الفكرية حينما قال: “قادمًا من القاهرة في هذه الأيام العصيبة، لا شيء غير الإسلام حفظ عروبة المصري أو بكلمات أخرى، لا غنى عن الإسلام ليحافظ المصري على عروبته”، وبتلك الكلمات كان طارق البشري يعلنها صراحة، أن الإسلام والمجتمع المصري لا يمكن الفصل بينهم.

ولكن ما أخذ عليه بالفعل من التيارات المدنية إبان الثورة وبعدها، كان بما يتعلق بالتمسك الشديد إبان تعديل الدستور بالشريعة كمصدر للقوانين، وهو ما انتقده البعض لكن الإسلاميون أخذوه كمصدر للقوة وكأداة يحاولون فيها السيطرة على السلطة، على حد قولهم، فالرجل كان يرى أن الدستور يجب أن يظل إسلاميا، وإن كان لم يوضح هل هو كما كان في عهد حسني مبارك، أم ستختلف الأمور وتزيد من إمكانية الاستسقاء من الشريعة، واختلفت الأطراف على ما هي الشريعة، وهل ستكون مصدرا للتشريع فقط، أم ستكون متلبسة الدولة المصرية، وكان السؤال الأبرز هل ستكون أساسيات الشريعة وثوابتها والآراء المجمع عليها فقيها هي من ستتولى المهمة أم ستتوسع أكثر بحيث تتلبس مصر عباءة الدولة الدينية، فكان ذلك كله مصدرا للخلاف والفرقة وطريقا لشق الصف بدلا من التفرغ لأشياء أكثر أهمية.

وعلى الرغم من تلك المآخذ يظل السيد طارق البشري علما من أعلام الفكر المصري الحديث ويظل فكره وكتبه نورا يمكن أن يفتح طريقا لغد أفضل في مصر.

طارق البشري والنحاس باشا

طارق البشري

ولعل أبرز ما يمكن الحديث عنه في كتابات السيد البشري رحمه الله، كان ما تناوله في كتابه “شخصيات تاريخية”، والتي اعطت نموذجا من الزعيم المصري مصطفى النحاس باشا كأحد أهم السياسيين المصريين قبل قيام دولة يوليو،

وقد تناول المستشار البشري في كتابه أربع شخصيات تاريخية أثروا في تاريخ واجتماع وفكر مصر خلال النصف الأول من القرن الماضي، وكان أبرزهم الزعيم مصطفى النحاس باشا، حيث حلل الخلفية الفكرية للرجل وأثره ودوره ككل في الحركة الوطنية المصرية، وفيما كتب عنه روى البشري حياة الزعيم الذي عاش وتربى في عهد الاحتلال وتعلم في الكتاب وحفظ القرءان وتخرج من كلية الحقوق واشتغل في المحاماة، بينما انضم لحزب الوفد وشارك في المفاوضات والمباحثات بين مصر وبريطانيا حول الاستقلال المصري.

وأكد البشري أن النحاس على قدر حجمه لم يكن لديه الحظ الوافر الذي توفر لسلفه سعد زغلول الذي مات في مجده وعز حزبه ورجالاته بينما مات النحاس بعد أن أقصاه الضباط عن الحياة السياسية واغتيل حزبه وتجاوزت الأحداث الحركة ومات في مجد خصومه.

وفي الكتاب أكد البشري على أهمية ما أعده محمد كامل البنا من مذكرات الزعيم مصطفى النحاس، والتي حملت اسم: “ربع قرن في السياسة المصرية 1927-1952″، مؤكدا وجوب عمل الباحثين عليها لاستخراج شهادة وفكر ورؤية الرجل الذي ملأ مصر كلها وشغل شعبها طوال ربع قرن.

لم يكن النحاس باشا من تناول فكره الراحل طارق البشري فقد كان له كتاب عن سعد زغلول تحت اسم “سعد زغلول يفاوض الاستعمار”، وله أيضا كتاب “الديمقراطية والناصرية”، وله كتاب “الديمقراطية المصرية بين الإسلام والعروبة”، وله كتاب “المسلمون الأقباط في إطار الجماعة الوطنية”، و”الديمقراطية ونظام 23 يوليو 1952- 1970”.

كما أن للراحل دراسات في القانون، وله مؤلف “منهج النظر في النظم السياسية المعاصرة للبلدان الإسلامية” وله أيضا: “نحو تيار أساسي للأمة”.

طارق البشري

طارق البشري

موضوعات تهمك:

شمس بدران وجه عبدالناصر القبيح.. “قاهر الإخوان”؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة