كيف أصبح شي جينبينغ الزعيم الأقوى في العالم؟

الساعة 2518 أكتوبر 2022آخر تحديث :
شي جينبينغ

“الصين انتقلت في عهد شي من قوة إقليمية صاعدة إلى قوة عظمى، وكان انتقالها أسرع وأكثر حزماً مما يمكن توقعه”.

السنوات التي أمضاها شي في العمل في الأرض الصفراء عنصراً حاسماً في أسطورته الشخصية. وكان صريحاً بشأن مصاعب ذلك الوقت والطريقة التي شكلت بها شخصيته. وقال: “كخادم للشعب، جذوري تعود إلى هضبة شنشي الشمالية”.

المثير للدهشة أن الرجل الذي عانى شخصياً من تجاوزات تلك الحقبة، أعاد إحياء الاحترام لماو، الذي كان معجباً به بسبب بساطته وانضباطه الثوري وإصراره على منح الأولوية للحزب الشيوعي الصيني.

ليست أهم سياسة ينتهجها شي تعبيراً عن الفكر السياسي بقدر ما هي طموح يتمثل بـ”الحلم الصيني” بإعادة البلاد إلى الازدهار والعظمة الدولية.

في النتيجة، وجد شي نفسه في المكان المناسب في اللحظة التاريخية المناسبة، وأثبت تصميمه وموهبته وحتى استمتاعه في مواجهة الصعاب.

* * * *

أصبح الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال عقد الزعيم الأقوى في العالم، والأهم أن الجدل حول سلطته محدود. فهو غير مقيد بمساءلة ديموقراطية أو مدة محدودة، بل يسيطر على بلد يبلغ عدد سكانه 1.4 مليار نسمة، ويقود أكبر القوات المسلحة في العالم، ويوجه الاقتصاد الذي قد ينتقل في السنوات القليلة المقبلة إلى المركز الأول في العالم ليتفوق على الولايات المتحدة.

وتقول صحيفة “التايمز” البريطانية في تقرير مطول إن الصين انتقلت في عهد شي من قوة إقليمية صاعدة إلى قوة عظمى، وكان انتقالها أسرع وأكثر حزماً مما يمكن توقعه. ورسم شي صورة أكثر إثارة للدهشة من موقع رئيس صيني: تميز داخلياً وخارجياً.

وبعد الزعيم الإصلاحي دينغ شياو بينغ، قاد الحزب الشيوعي الصيني رجال مقيدون ومُحبطون. في المقابل، تمتع شي بشخصية متميزة وقوية، كما أنه نجح في الدفاع عن الصين الحديثة.

وفي وقت لا يزال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، صاحب الابتسامة الكئيبة، مألوفاً أكثر للغرب من حيث الشكل، أصبح شي على مر السنين، إحدى الشخصيات المميزة في هذا العصر: فهو سمين ومستقيم، وغالباً ما يشبّه عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشخصية “ويني ذا بوه”.

وعزز شي موقع الحزب الشيوعي الصيني في قلب سياسة دولته. وتحت رعايته، اتهمت الصين بتقييد معارضي حكومتها ومنتقديها، وقمع الحريات السياسية في هونغ كونغ، واحتجاز مليون مسلم من الأويغور في معسكرات اعتقال. وحول جيش التحرير الشعبي الصيني الصخور المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي إلى قواعد عسكرية صينية، كما كثف تهديده بغزو مناطق أخرى تطالب بها بكين، منها تايوان.

وألغى شي مدة ولايته، تاركاً الطريق مفتوحاً أمامه ليقود الصين مدى الحياة. وفي المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني المقرر عقده اليوم الأحد، أصبح من المؤكد أنه سيمدد ولايته لمدة خمس سنوات إضافية.

تكفي هذه الممارسات لتسمية الرئيس الصيني سلطوياً، لكن معلقين غريين كثيرين يعتبرونه ديكتاتوراً مطلقاً. مع ذلك، لم يأتِ شي من العدم ليفرض نفسه على السلطة، ومهما كانت التغييرات التي أدخلها إلى حزبه وشعبه، فهو وصل إلى السلطة بسبب شعبه وماضيه، الذي كان مؤلماً أحياناً.

كتب الأستاذ في الدراسات الصينية كيري براون: “يبدو أن شي نفسه يجسد القوة… مع اقتراب الصين من كونها أعظم دولة في العالم ، يرمز شي إلى هذا الطموح”.

لم يكن هذا المشهد حتمياً قبل عشر سنوات، ولم يكن أحد يعرف شي ليتوقع صعوده إلى السلطة العليا. وُلد شي عام 1953 في الطبقة الأرستقراطية الشيوعية، وهو ابن القائد الثوري شي تشونغ شون، الذي أصبح نائباً لرئيس الوزراء في عهد مؤسس جمهورية الصين الشعبية ماو تسي تونغ. وعام 1962، اتُهم والده بالتآمر ضد الحزب، ليمضي سنوات في السجن وتحت الرقابة المشددة، إلى حين وفاة ماو عام 1976.

وخلّف هذا الزوال السياسي عواقب وخيمة على الابن، الذي تحول بين ليلة وضحاها من “أمير” إلى معارض للثورة. ونهب الحرس الأحمر منزل عائلته وشتتها، ودفع التوتر الذي ترافق مع هذه الأحداث شقيقته إلى الانتحار. وفي سن الخامسة عشرة، خرج شي من المدرسة، ونُقل بشاحنة من بكين إلى الريف للعمل في الحقول.

وتطوع شي للذهاب إلى مدينة يانان في مقاطعة شنشي الشمالية. وكانت هذه المنطقة، المعروفة باسم “الأرض الصفراء”، فقيرة، لكنها مشهورة وموطن الإمبراطور الأصفر الأسطوري هاون جي دي، ومعقل ماو قبل انتصاره على القوميين عام 1949. وأمضى شي سبع سنوات في قرية غامضة، حيث تحمل الأوساخ والبراغيث والعمل اليدوي الشاق. لكن كسياسي المستقبل، كان هذا ما صنع شخصيته.

وأصبحت السنوات التي أمضاها شي في العمل في الأرض الصفراء عنصراً حاسماً في أسطورته الشخصية. وكان صريحاً بشأن مصاعب ذلك الوقت والطريقة التي شكلت بها شخصيته. وقال: “كخادم للشعب، جذوري تعود إلى هضبة شنشي الشمالية”.

وبعيداً عن غرس كراهية النظام في داخله، تقدم شي بطلب لعضوية الحزب تسع مرات ورُفض، ليعود وينضم إليه في المرة العاشرة. وكتب كاتب سيرة حياته الفرنسي فرانسوا بوغون: “عندما يوبخون الأب، تظهر فئتان من الأبناء: من ينتقم منهم، ومن يكفّر عنهم… وشي ينتمي إلى الفئة الثانية”.

وأصبح شي في يانان قارئاً نهماً، وقرأ لماركس وفردريك إنجلز وجورج هيغل وهنري كيسنجر بين الماعز. وسار ذات مرة 20 ميلاً لاستعارة نسخة من كتاب “فاوست” للكاتب المسرحي الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته. ولطالما تميزت خطاباته بأسماء مفكرين بارزين. لكن في جامعة تسينغهوا في بكين، اختار شي دراسة الهندسة بدلاً من الأدب. وأمضى ثلاث سنوات كمساعد لجنرال في الجيش، ثم انتقل إلى سلسلة من المناصب المدنية في المناطق. وعام 1987، تزود مرة ثانية من بنغ ليوان، المغنية الشعبية الوطنية، التي كانت في حينه أكثر شهرة من زوجها.

ومنحت السنوات الأولى المؤلمة شي صلابة أصبحت واضحة اليوم، لكنه اكتسب أيضاً مهارة البقاء بعيداً من المشاكل في عالم سياسي صيني كان متورطاً في العمق، وفساد في الأعمال التجارية. وكانت مقاطعة فوجيان، حيث أصبح شي حاكماً، أسوأ من غيرها. وفي مطلع القرن، تورطت بفضيحة ضخمة تركزت على لاي تشانغشينغ، رجل الأعمال الملياردير والمهرب الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة على خلفية رشاوى بقيمة 5 مليارات دولار سنغافوري، أي ما يعادل 3.1 مليار جنيه إسترليني. ودين 300 شخص، وحُكم على 14 آخرين بالإعدام، منهم مسؤولون بارزون في الحكومة والحزب. ومع ذلك، عبر شي الفضيحة سالماً، لتظهر أمامه إحدى مقاطعات الصين الأكثر أهمية ليحكمها.

وضع شي قاعدة تمنع أفراد عائلته من القيام بأعمال تجارية في المقاطعات التي كان يعمل فيها، وهي خطوة لافتة في بلد غالباً ما كان فيه المنصب السياسي الرفيع وسيلة لإثراء العشائر بأكملها. وبعدما استسلم رئيس حزب في شنغهاي المجاورة لفضيحة فساد، ظهر شي للتخلص من الفوضى.

وبحلول عام 2007 كان شي نائب الرئيس ومسؤولاً عن الإشراف على “أولمبياد بكين” في العام التالي. وبعد أربع سنوات، خلف هو جينتاو كزعيم للحزب، وسرعان ما عين نفسه رئيساً. وأدت فضيحة غامضة تتعلق بمقتل رجل الأعمال البريطاني نيل هيوود إلى مقتل أحد منافسيه بو زيلاي، ووضعت حملة مكافحة الفساد التي أطلقتها الحادثة الكثير من المنافسين المحتملين في موقف دفاعي.

ولم يضطر شي إلى إجراء عملية تطهير تقليدية داخل الحزب، لكن الذين أحرجوا الحكومة أو تحدوها سجنوا أو أرغموا على الخروج من المشهد السياسي.

والمثير للدهشة أن الرجل الذي عانى شخصياً من تجاوزات تلك الحقبة، أعاد إحياء الاحترام لماو، الذي كان معجباً به بسبب بساطته وانضباطه الثوري وإصراره على منح الأولوية للحزب الشيوعي الصيني.

في المقابل، كان معجباً أيضاً بشخصية يحتقرها ماو، وهي الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، حكيم القرن السادس قبل الميلاد الذي تشدد تعاليمه على التسلسل الهرمي والطاعة واحترام كبار السن. والواقع أن وضع القائد العظيم بيد والحكيم العظيم بأخرى يبدو هراء من الناحية النظرية، لكنهما عملا معاً على تبرير استبداد قمعي.

ولمزيد من التشويش على الصورة الفكرية، دافع شي عن الرأسمالية العالمية ومعاهدة باريس بشأن تغير المناخ. وليست أهم سياسة ينتهجها شي تعبيراً عن الفكر السياسي بقدر ما هي طموح يتمثل بـ”الحلم الصيني” بإعادة البلاد إلى الازدهار والعظمة الدولية بحلول مئوية صعود الحزب الشيوعي الصيني إلى السلطة.

وعلى عكس العديد من شعارات بناء الأمة، يمكن تحقيق هذا الطموح، بفضل أربعة عقود من الإدارة الاقتصادية الحذرة. وأظهر شي قيادة قوية في قلب الأزمة الصحية التي تسبب بها تفشي جائحة كورونا.

في النتيجة، وجد شي نفسه في المكان المناسب في اللحظة التاريخية المناسبة، وأثبت تصميمه وموهبته وحتى استمتاعه في مواجهة الصعاب.

المصدر: النهار العربي

موضوعات تهمك:

الطريق الذي لم تسلكه الصين

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة