هل ثمة علاقة بين الإرهاب والانتخابات في تركيا؟

الساعة 2524 نوفمبر 2022آخر تحديث :
الإرهاب

لقد ثبت علمياً مدى تأثير الأعمال الإرهابية في الجماهير. ولكن المشكلة الكبرى هي أن بعض القادة والسياسيين الانتهازيين يوظفون هذه البيئة النفسية – الاجتماعية التي يخلقها الخوف في سبيل تحقيق أهدافهم السياسية.

رغم أن حزب العمال الكردستاني لم يتحمل المسؤولية عن الحادثة، إلا أن الحكومة حاولت بإصرار إسقاطها على الأكراد.

رغم حقيقة أن تركيا تعاني أعمق أزمة اقتصادية في تاريخها، فإن حزب العدالة والتنمية فاز دائماً بالانتخابات. والآن بعد هجوم الجيش في سوريا، دعونا نرى متى ستنزل القوات على جزيرة يونانية غير مأهولة. كل ذلك لتهييج المشاعر القومية والدينية لدى الناخبين الأتراك.

* * * *

بقلم: تورغوت اوغلو

أعاد الهجوم المتطرف في إسطنبول إلى أذهان عديد من الذين يتابعون تركيا جيداً التفجيرات التي نفذتها المنظمات الإرهابية في عامي 2015 و2016. وقد لعب تصاعد الأحداث التي نشبت بين هاتين الفترتين الانتخابيتين دوراً رئيساً في نتائج الانتخابات، إذ إن حزب العدالة والتنمية خسر أغلبيته البرلمانية في الانتخابات التي أجريت خلال يونيو (حزيران) 2015، ولكن عندما أعيدت الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه فاز هذه المرة بنسبة نجاح تصل إلى 50 في المئة.

بالنظر إلى التسعينيات في تركيا نشهد أنها مرت بفترة مأسوية بسبب تهديدات كل من الإرهاب والأزمات الاقتصادية والمافيا والدولة العميقة. ويمكننا القول إنه حتى في السنوات العشر الأولى من حكم حزب العدالة والتنمية كانت تركيا تشهد أعمالاً إرهابية، إلا أن تصرف الحزب والحكومة حينذاك بالعقل الجمعي كان يساعدها في تخطي تلك المرحلة العصيبة، فقد كان الاقتصاد بحال جيدة وكان الناس بشكل عام في سلام مع بعضهم بعضاً.

لكن في السنوات العشر الأخيرة من حكم حزب العدالة والتنمية، واجه الشعب التركي مآسي أكثر خطورة مما مر به في الماضي، وكان الهجوم الإرهابي الذي أودى بحياة ستة أشخاص في الأسبوع الماضي آخر مثال على مأساتنا طويلة الأمد.

وتراكمت في أذهان الشعب التركي ذكريات مريرة من هذا النوع من العمليات الإرهابية. وبالأخص فإن “البيئة الفوضوية” خلال السبعينيات والاغتيالات التي شهدناها خلال السنوات اللاحقة كانت دائماً ماثلة في ذاكرتنا الجماعية. فكان من الحري به كمجتمع عانى الإرهاب والعنف لفترة طويلة أن نكون على معرفة وخبرة بكيفية التعامل مع مثل الأحداث ومعالجة الجروح التي تصيب النفوس لكننا للأسف بعيدون عن تلك النقطة.

إن الجميع يعلم أن الغرض الرئيس من الإرهاب هو خلق الخوف، ويعرف ما يفعله الخوف بالإنسان، فهو هو أحد المشاعر الأساسية لدينا، وعندما نواجه أي خطر فإن ردود أفعالنا تكون إما على شكل الهرب أو القتال أو البقاء صامتين.

في مثل هذه الحالة نبدأ في تصور الأشياء التي لا تشكل عادة مخاطرة على أنها خطرة. وبغض النظر عن مدى قوة احتمال حدوث هجمات إرهابية أخرى، نبدأ في التفكير في أنها ستحدث لأحبائنا وأنفسنا، لذلك على سبيل المثال، نبدأ في تجنب الأماكن المزدحمة ونلجأ إلى المنازل وهو ما تريده بعض السلطات. وحتى مع دوي أي صوت نصبح حساسين لدرجة أننا نلقي بأنفسنا على الأرض، وهذا ما يهدف إليه الإرهاب على أية حال لإفراغ الشوارع.

وبالنسبة إلى حكومة حزب العدالة والتنمية فإنها بما تتسلط عليه من القوة الإعلامية تضخ في المجتمع مشاعر: الوطنية والدين للمجتمع كملاذ آمن لهم. ثم عندما نواجه الإرهاب تضعف لدينا مشاعر التسامح تجاه أولئك الذين لا يشاركوننا الأفكار والمشاعر والقيم والأيديولوجيات نفسها، ونصبح أقرب إلى تهميشهم ببناء حواجز نفسية بيننا وبينهم. ولسوء الحظ، تعاني تركيا هذا بالضبط في الوقت الحالي.

نعم، لقد ثبت علمياً مدى تأثير الأعمال الإرهابية في الجماهير. ولكن المشكلة الكبرى هي أن بعض القادة والسياسيين الانتهازيين يوظفون هذه البيئة النفسية – الاجتماعية التي يخلقها الخوف في سبيل تحقيق أهدافهم السياسية. وفي مقدمة هؤلاء الرئيس رجب طيب أردوغان الذي لا يتوانى عن استغلال هذه الأدوات.

قبل أسبوعين فقط، قدم أردوغان عرضاً لحزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) ولم يحصل على النتيجة التي يريدها. ثم وقع الانفجار في إسطنبول. وعلى رغم أن حزب العمال الكردستاني لم يتحمل المسؤولية عن الحادثة، إلا أن الحكومة حاولت بإصرار إسقاطها على الأكراد.

بعد هذه العملية الإرهابية، قدم الرئيس أردوغان عرضاً للحزب الجيد (ذي الميول القومية)، المعارض لحزب الشعوب الديمقراطي، وتلقى الرفض هذه المرة أيضاً. وباستخدام ذريعة هجوم إسطنبول شنت القوات المسلحة التركية عملية على العين (كوباني) شمال سوريا حيث يتركز الأكراد.

وكان أردوغان لعب السيناريو نفسه عندما خسر انتخابات 2015، حيث اندلعت حينذاك أيضاً انفجارات، ثم جرت محاولة لشن الحرب في سوريا.

أجل، كان التوقيت مريباً جداً، حيث إن أحمد داود أوغلو الذي كان رئيس الوزراء آنذاك ثم انفصل عن حزبه وأسس لنفسه حزب المستقبل، هدد أخيراً الرئيس أردوغان بعبارة، “إذا فتحت الملفات عن خلفيات الحرب ضد الإرهاب، فلن يتمكن كثير من الناس من الظهور أمام الجمهور”، في إشارة إلى الهجمات التي وقعت بين عامي 2015 و2016.

حسناً، اسمحوا لي أن أسرد بالترتيب الزمني ما حدث في تلك المرحلة بإيجاز:

– في 20 يوليو (تموز) 2015 قتل 33 مواطناً كردياً نتيجة هجوم تنظيم داعش في بلدة سروج.

– في 22 يوليو 2015 قتل شرطيان في أورفا وأعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن الحادثة.

– في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2015 قتل 103 أشخاص إثر عملية انفجار نظمها داعش في محطة أنقرة.

– في 12 يناير (كانون الثاني) 2016 قتل 13 شخصاً في الحادثة التي وقعت بمنطقة جامع السلطان أحمد وتبناها داعش.

– في 13 يناير 2016 قتل خمسة أشخاص بهجوم نفذه حزب العمال الكردستاني في ديار بكر.

– في 17 فبراير (شباط) 2016 لقي 28 شخصاً مصرعهم في هجوم على مركبة عسكرية بأنقرة. وتبنت الهجوم مجموعة متعاونة مع حزب العمال الكردستاني.

– 13 مارس (آذار) 2016 قتل 36 شخصاً في أنقرة، إثر هجوم أعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عنه.

– في 19 مارس 2016 قتل أربعة أشخاص في هجوم شارع الاستقلال الذي تبناه تنظيم داعش.

– في 31 مارس 2016 أسفر الهجوم على جهاز شرطة ديار بكر عن مقتل سبعة أشخاص، وأعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن الهجوم.

– في 2 أبريل (نيسان) 2016 أسفر هجوم بورصة عن مقتل شخص واحد وأعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن الهجوم.

– في 1 مايو (أيار) 2016 قتل ثلاثة من رجال الشرطة في هجوم على قسم شرطة غازي عنتاب، وأعلن داعش مسؤوليته عن الهجوم.

– في 12 مايو 2016 قتل 16 شخصاً إثر هجوم ديار بكر وأعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن الهجوم.

– في 7 يونيو 2016، أسفر هجوم إسطنبول – فزنجيلر عن مقتل خمسة مدنيين، وأعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن الهجوم.

– في يونيو 2016 هوجمت إدارة شرطة منطقة مديات بسيارة مفخخة. ولقي أربعة أشخاص مصرعهم اثنان منهم من ضباط الشرطة، وأعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن العملية.

– في 28 يونيو 2016 هجوم مطار إسطنبول أتاتورك أسفر عن مقتل 45 شخصاً، وتبنى داعش المسؤولية.

– في 1 أغسطس (آب) 2016 هجوم بينغول قتل سبعة أشخاص في هذا الهجوم على الشرطة، وأعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته.

– في 10 أغسطس 2016، فقد ثمانية أشخاص حياتهم بهجومين في ديار بكر وماردين، أعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عنهما.

– 15 أغسطس 2016 هجوم ديار بكر تشينار نفذ حزب العمال الكردستاني هجوماً بسيارة مفخخة، مما أسفر عن مقتل خمسة من ضباط الشرطة.

– 17 أغسطس 2016 أسفر هجوم في محافظة (فان) عن مقتل أربعة أشخاص، اثنان منهم من ضباط الشرطة. وأعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن الهجوم.

– في 18 أغسطس 2016، تعرض قسم شرطة محافظة ألازيغ لهجوم بسيارة مفخخة من قبل حزب العمال الكردستاني. مات فيه خمسة أشخاص.

– في 20 أغسطس 2016 وقع هجوم على حفل زفاف في غازي عنتاب، لقي 52 شخصاً مصرعهم وتبنى داعش مسؤوليته عن الهجوم.

– في 20 أغسطس 2016 في بلدة الجزيرة التركية قتل 11 ضابط شرطة بهجوم بسيارة مفخخة على مقر شرطة مكافحة الشغب، وأعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن الهجوم.

– في 9 أكتوبر 2016 تم تنفيذ هجوم بالقنابل على محطة الدرك في شمدينلي. ولقي 15 شخصاً، بينهم 10 جنود، حتفهم، وتولى حزب العمال الكردستاني المسؤولية.

– في 4 نوفمبر 2016، قتل 11 شخصاً، اثنان منهم من ضباط الشرطة في ديار بكر باغلار أثناء هجوم نفذه حزب العمال الكردستاني.

– في 11 نوفمبر 2016، تم تفجير مكتب محافظ مديرية ديريك في ماردين. ولقي محافظ المنطقة مصرعه في الهجوم. وأعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن الهجوم.

استنتاج

كان حزب العدالة والتنمية حصل بالانتخابات التي خسرها في 7 يونيو 2015 على ما يقرب من 19 مليون صوت. ولكن في 1 نوفمبر 2015 أي بعد أشهر من ذلك وعقب سلسلة من التفجيرات وأعمال العنف في البلاد، أعيدت الانتخابات التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية، وزاد عدد أصواته بمقدار خمسة ملايين وبلغ 24 مليوناً. ومن الملاحظ أنه يفوز بالانتخابات في الأجواء التي يتعرض فيها للهجوم وعلى رغم فوزه بها تستمر العمليات.

مع مسرح الانقلاب في 2016، الذي تم إعداده مسبقاً تغير النظام. ومنذ ذلك الحين وعلى رغم حقيقة أن تركيا تعاني أعمق أزمة اقتصادية في تاريخها، فإن حزب العدالة والتنمية فاز دائماً بالانتخابات. والآن بعد هجوم الجيش في سوريا، دعونا نرى متى ستنزل القوات على جزيرة يونانية غير مأهولة. كل ذلك لتهييج المشاعر القومية والدينية لدى الناخبين الأتراك. هذه هي الطريقة التي يجري بها حزب العدالة والتنمية عملياته الانتخابية.

*تورغوت اوغلو محلل سياسي تركي

المصدر: إندبندنت عربية

موضوعات تهمك:

عودة العلاقات بين تركيا و”إسرائيل”: ما الجديد هذه المرة؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة