الجزائر… التاريخ والسياسة

محمود زين الدين28 مارس 2022آخر تحديث :
الجزائر

التاريخ لا يزال يحكم علاقات الجزائر مع فرنسا
الانقطاع السياسي الطويل للدولة الجزائرية خلال فترة الاستعمار (132 عاماً) لم تمكّن الجزائريين من حسم قضاياهم مبكراً.
يؤثر التاريخ بالنسبة للجزائر بشكل مركزي على خيارات الدولة السياسية والاجتماعية وإدارة علاقاتها الدولية والإقليمية ودوره مستمر بتغذية النقاش العام.
يغذى تأثير التاريخ صراع التيارات السياسية بالبلاد إذ يعزز لها مجالا خصبا فيما يتعلق بمشكلات مناطقية وإثنية ومسألة اللغة العربية والهوية الأمازيغية والدين والدولة.
النقاش مستمر بين نخب السياسة والتاريخ والثقافة وبين مؤسسات السلطة بالجزائر حول ظروف وسياقات اتفاقية “إيفيان” للاستقلال بين قيادة ثورة التحرير وفرنسا.
* * *

بقلم: عثمان لحياني
العودة إلى التاريخ السياسي ضرورية ومهمة لفهم بعض السياقات. قبل أيام، مرّت ذكرى ستينية التوقيع على اتفاقية “إيفيان” في 18 مارس 1962، والتي تضمنت الإقرار بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره.
ومشكلة التاريخ بالنسبة للجزائر أنه يؤثر وبشكل مركزي إلى الآن، على الخيارات السياسية والاجتماعية للدولة، وعلى إدارة علاقاتها الدولية والإقليمية، وهو ذو دور مستمر في تغذية النقاش العام في البلاد.
الجزائر واحدة من بين الدول التي لا تزال تتأثر إلى الآن بوقائع تاريخية مضت أكثر من ستة عقود على وقوعها، وهذا التأثُر يظهر بوضوح في السلوك والقرار السياسي للسلطة التي تجتهد للبحث له عن أساسات في متون ومواثيق ثورة التحرير.
ويبرز هذا التأثير التاريخي في التشنجات والأزمات السياسية الداخلية، ويتغذى منه في الغالب الصراع بين التيارات السياسية في البلاد، إذ يعزز لها مجالاً خصباً في ما يتعلق بمشكلات مناطقية وإثنية، وفي مسألة اللغة العربية والهوية الأمازيغية والدين والدولة.
ذلك أن القطيعة السياسية الطويلة للدولة الجزائرية بين فترتي بداية الاستعمار إلى الاستقلال (132 عاماً)، لم تمكّن الجزائريين من حسم هذه القضايا مبكراً.
فمثلاً، التاريخ لا يزال يحكم علاقات الجزائر مع فرنسا. كذلك، فإن النقاش مستمر بين النخب السياسية ومجتمع التاريخ والثقافة، وبين مؤسسات السلطة في الجزائر، حول الظروف والسياقات التي ولدت فيها اتفاقية “إيفيان” للاستقلال بين قيادة ثورة التحرير والحكومة الفرنسية.
كما أن النقاش مستمر حول مؤديات هذه الاتفاقية، ولا سيما تشكّل السلطة المركزية، ووجود الجيش في قلب الحكم وغيرها، وبشأن بعض مخرجاتها التي تضمنت منح امتيازات ثقافية ومصالح للجانب الفرنسي (ضمنت لفرنسا استمراراً ظرفياً في التجارب النووية في الصحراء مثلاً)، كانت ذات أثر سلبي على مسارات الجزائر وساهمت في تقييدها اقتصادياً لعقود، فضلاً عن التأثير في التشكيل الثقافي لأجيال ما بعد الاستقلال.
لكن بالعودة إلى تلك الفترة وسياقات التفاوض، يمكن فهم أنه لم يكن يسيراً بالنسبة للمفاوض الجزائري تحقيق أكثر مما تحقق، وأن الغاية الكبرى، وهي الاستقلال، تحققت بالفعل.
ينسى كثيرون أن تلك الاتفاقية بكل محمولها السياسي والثقافي، لم تكن بين دولة ودولة، بل كانت بين حركة تحرير بإمكاناتها المحدودة، ودولة كاملة المعنى تملك القوة والمعرفة السياسية والتقنية.
لذلك، لا يمكن أخلاقياً وسياسياً تحميل الوفد المفاوض أي أعباء أو مسؤولية عن نقاط أو تنازلات ظرفية فرضتها ظروف التفاوض وطبيعة المفاوضات بالأساس.
ولا يمكن المزايدة على الآباء المفاوضين بالوطنية بزعم التفريط في مسألة ما. تسمى المفاوضات مفاوضات، لأنها تتضمن مطالبات مركزية ونقاشاً حول حدود التفاهم الممكنة، وهي تتطلب من الأساس تنازلات بين الطرفين.
وإذا كانت اتفاقية “إيفيان” نقطة البداية المركزية لاستعادة الدولة الجزائرية، فإنها لم تكن كافية بالتأكيد لاستعادة كامل مقومات الاستقلال الوطني؛ السياسي والاقتصادي والثقافي، لأن هذا الجهد كان منوطاً بأجيال الاستقلال.
وعند هذا الحد، يجدر أن تبدأ محاسبة السلطة التي أدارت شؤون البلاد في غضون ستينية الاستقلال عن الخيارات الخاطئة وسوء توظيف مقدرات البلاد واستغلال السرديات التاريخية بشكل غير سليم، وكذلك عن عدم إنضاج نظام سياسي بالصورة التي تسمح بإقامة دولة ديمقراطية وتعددية سياسية (موقّع اتفاقية الاستقلال كريم بلقاسم، مات معارضاً في المنفى) ومنظومة تحترم التنوع الثقافي الكامن في الجزائر، ومؤسسات تملك القدرة على مساءلة السلطة.
والمهم أكثر من هذا، هو الحرص على ألا تجدد السلطة التحالف مع الخيارات الخاطئة.
* عثمان لحياني كاتب صحفي جزائري
المصدر: العربي الجديد

موضوعات تهمك:

الجزائر… موت السياسة

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة