سيناريوهات مستقبل أفغانستان قبل وبعد سيطرة طالبان

ضياء حيدر27 أغسطس 2021آخر تحديث :
سيناريوهات مستقبل أفغانستان
مقاتلوا طالبان في جبال طورا بورا

تسببت عودة طالبان للسيطرة على أفغانستان بأمواج من المقالات في مراكز البحوث الغربية اللتي كتب بعضها عن سيناريوهات مستقبل أفغانستان. وفي الحقيقة فإن معظم التوقعات السابقة كانت تشير إلى قدرة الحكومة الأفغانية على الصمود بوجه طالبان لأشهر عديدة بعد انهاء انسحاب القوات الأجنبية. فيما يلى نستطلع كيف تغيرت بعض التحاليل الغربية عن سيناريوهات مستقبل أفغانستان قبيل و بعيد سيطرة طالبان.

التحاليل الغربية لمستقبل أفغانستان قبل سيطرة طالبان

في مقال كتب قبل سيطرة طالبان بعشرة أيام تقريبا يضع المحلل العسكري بين بيري ثلاث سيناريوهات لأفغانستان, أولها هو قدرة الحكومة على صد تقدم طالبان في بعض المدن الرئيسية مما يؤدي إلى إضعاف موقع طالبان في المفاوضات مع مرور الوقت, وكان هذا السيناريو يعتمد على تقيمات عسكرية مبنية على القدرة على إيقاف تقدم طالبان نحو المدن عن طريق تركيز القوات الدفاعية في المدن الرئيسية واستخدام سلاح الجو خصوصا في إيقاع خسائر عسكرية فادحة بطالبان عند محاولاتها الوصول إلى المدن الكبرى كما حصل في عامي 2015-2016 في معارك مدينة قندز.

أما السيناريو الثاني فكان حصول اتفاقية سلام بين الحكومة وطالبان, مما يؤدي بشكل شبه تأكيدي لتراجع مسيرة التحرير و التحديث التي بدأت في أفغانستان بعد سقوط طالبان السابق. وعلى الأغلب فسيتضمن مثل هذا اتفاق عودة جزئية إلى تطبيق الشريعة خصوصا في المناطق ذات الأغلبية البشتونية (وهي العرقية الأساسية اللتي تستمد منها طالبان دعمها). ومن شأن هكذا اتفاق أن يمنع انزلاق البلد إلى حرب أهلية خصوصا مع الأقليات الغير بشتونية (الأوزبك والطاجيك) اللتي قاومت طالبان في التسعينات. وهنا كان يتوقع استمرار حكومة ائتلافية ضعيفة في كابول بينما تكن القوة الحقيقية على المستوى المحلي والتي قد يسيطر عليها نسبيا من قبل أمراء الحرب والميليشيات و قيادة طالبان.

و السيناريو الثالث اللذي طرحه الكاتب فهو انجرار البلد إلى حرب أهلية بين طالبان مدعومة من الأغلبيية الباشتونية من طرف و الجماعات الغير باشتونية في الطرف المقابل حيث من الممكن إعادة إحياء التحالف الشمالي اللذي قاوم طالبان في التسعينات كما ذكرنا آنفا. في مثل هذا السيناريو كان من المتوقع سيطرة طالبان على المناطق الباشتونية بينما تنهار الحكومة في كابول تحت الضغط السياسي والعسكري والعرقي.

وتذكر مصادر أخرى أن هذا التحالف الشمالي المسمى ايضا بالجبهة الإسلامية المتحدة لإنقاذ أفغانستان كان مدعوما من دول كثيرة مثل الهند وإيران وروسيا وتركيا وطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان بينما كانت طالبان مدعومة على نطاق واسع من قبل الجيش الباكستاني والمخابرات الباكستانية.

طالبان

التحاليل الغربية لمستقبل أفغانستان بعد سيطرة طالبان

كيف تغيرت إذا هذه السيناريوهات وما هي السيناريوهات المطروحة الآن؟ لا شك أن السيناريو الأول قد سقط بدخول طالبان كابول, ومع أن الظاهر من إنتصار طالبان أن الحرب الأهلية وضعت أوزارها لا تزال هنالك مناطق خارج سيطرة طالبان ولا يزال من الممكن إيقاد الحرب إذا قررت الأطراف المناوئة لها ذلك وتوفر الدعم الخارجي, وكما ذكرنا مسبقا فقد دعمت أطراف كثيرة الحرب ضد طالبان في الماضي غير البعيد ولا يستبعد استمرار تدخل هذه الدول لتأمين مصالحها. بل إنه من الظواهر الحديثة انتقال الحروب من حروب بين الدول إلى حروب داخل الدولة الواحدة حيث تتنازع القوى الدولية المختلفة من خلال قوى محلية داخل البلد الواحد كما حدث في كثير من الصراعات منذ الحرب الباردة, وهذا من آثار العولمة وازدياد ارتباط العالم ببعضه.

لكن معظم السيناريوهات المطروحة حاليا تتعلق بما يمكن أن تؤول إليه أفغانستان تحت حكم لطالبان. ففي مقال كتب بعيد سيطرة طالبان يستعرض الباحث والأستاذ الجامعي علي رياذ أربعة سيناريوهات محتملة, اولاها هي نشوء دولة أفغانية معتدلة نسبيا, حيث يتضمن هذا إيفاء طالبان بوعودها ونجاحها في إقناع الداخل والخارج بصلاحيتها وقدرتها على حكم البلاد, ومع ذلك فمن المستبعد نشوء دولة ديموقراطية ليبرالية شاملة وإنما تكون مقيدة إلى حد ما في مجال حقوق المرأة وحرية الصحافة والإستقلالية عن سلطة الدولة, كما لن يكون هنالك دعم علني للمنظمات المتهمة بالإرهاب ولكن أديولوجيا طالبان قد تسمر في كونها مصدرا لإلهام مرتكبي العنف.

وأما في السيناريو الثاني فيكون هنالك خليط من الإعتدال والتطرف, حيث ينحسر تطبيق وعود طالبان كلما ابتعدنا عن سلطة الدولة المركزية, وهنا يستمر القادة والإداريين المحليين في تطبيق نهج متشدد من طالبان وقد تزدهر الجماعات المتطرفة بما فيها المنظمات الإرهابية العابرة للحدود كالقاعدة أو داعش, كما من الممكن أن يظهر أمراء حرب و مبتزين وقد تدعم بعض القوى الخارجية بعض هؤلاء.

وأما السيناريو الثالث فيتضمن عودة الصراع عن طريق إعادة إحياء أعداء طالبان كما ذكرنا عن الحرب الأهلية, أو من الممكن أيضا حدوث انشقاقات في طالبان نفسها, خصوصا بين أولئك الذين يريدون تطبيقا صارما لإليديولوجيتهم، و اللذين يتخذون منهجا أكثر إعتدالا للحفاظ على الدعم اللازم من الأطراف الدولية .
وفي آخر السيناريوهات اللتي يطرحا الكاتب تبدأ طالبان بإنفتاح كما في السيناريو الأول ولكن بعد الحصول على الإعتراف الدولي والدعم اللازم كالإستثمارات الأجنبية في البنية التحتية والتعدين يبدأ التراجع على الأصعدة المختلفة تحت وطأة الشعارات الدينية.

خاتمة-سيناريوهات مستقبل أفغانستان

ومما سلف يتضح أن مستقبل أفغانستان سيعتمد على عوامل وأطراف كثيرة من غير السهل التنبأ بها. ومع ذلك فهنالك بعض الخطوط العريضة , فمثلا سيبتعد شكل الدولة عن الليبيرالية ليتراوح بين إسلامية “معتدلة” و متطرفة حسب التذبذبات داخل طالبان و حسب قدرتها على بسط سلطتها واهتمامها بالإعتراف والدعم الدولي.

من جهة أخرى سيعتمد مثل هذا الإعتراف على مدى استجابة طالبان وتعاونها مع الدول الأخرى وسيلعب الدعم الخارجي دورا أساسيا في تثبيت حكم طالبان أو احتمالية انتكاس البلد إلى حرب أهلية, اما العامل الآخر في موضوع السلم الأهلي فهو بالطبع قدرة طالبان على الوصول إلى صيغة مقبولة نسبيا لباقي مكونات الشعب الأفغاني.

ومثل هذه الحرب لو حدثت من الممكن أن تتمحور حول الخطوط العرقية بين الباشتون من جهة طالبان وغير الباشتون من الجهة الأخرى، أو على خطوط الإعتدال النسبي في مقابل التطرف النسبي اذا ما حصل صراع داخل طالبان نفسها، وأما اذا ما استقر الحكم لطالبان فالسؤال مطروح عن كيفية تغير الدولة مع الزمن, خصوصا مع استيفائها لحاجاتها من الخارج.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة