ليست علّة «تراس»

محمود زين الدين30 أكتوبر 2022آخر تحديث :
تراس

لماذا اضطرت رئيسة الحكومة البريطانية ليز تراس للاستقالة من منصبها بعد 44 يوماً فقط من تسلمها إياه؟
بالنظر لما يجري في بريطانيا اليوم، وهي البلد المحوري في أوروبا بل وفي العالم أيضاً في حقب تاريخية سابقة، هل العلة في النظام؟
ما من نظام سياسي بمنجاة من انعطافات حادة التي قد تكون نذراً لوضع مأزوم ينذر بالأسوأ. هذا درس التاريخ قبل أن يكون نبوءة المستقبل.
المواطنون الأوروبيون غاضبون من انصياع حكوماتهم للضغوط الأمريكية، التي تريد لحرب أوكرانيا أن تستمر أطول ما يمكن، في مقامرة سياسية غبية.
لدى الرأسمالية الغربية خبرة متراكمة في التغلب على عثرات الأداء السياسي فهي ليست معنية بتقديس زعماء يمكن التضحية بهم واستبدال آخرين بهم لبلوغ الهدف.
الأزمة أكبر من الزعامات لإنها تتصل بانسداد أفق يعاني فيه الاقتصاد ركودا تؤكده توقعات متشائمة للبنك المركزي البريطاني وقد يستمر لنهاية 2023.
* * *
في أغنية ساخرة، قديمة، لزياد الرحباني من النظام السياسي في بلده، لبنان، ترد عبارة «يبدو أن العلة في النظام»، وهي عبارة تعكس يأساً من إمكانية خروج لبنان من أزمته في ظل نظام المحاصصة الطائفية المعمول به.
تخطر هذه العبارة عند النظر إلى ما يجري في بريطانيا اليوم، وهي البلد المحوري في أوروبا، لا بل وفي العالم أيضاً، على الأقل في حقب تاريخية سابقة، حيث اضطرت رئيسة الحكومة ليز تراس للاستقالة من منصبها بعد 44 يوماً فقط من تسلمها إياه.
سيقول قائلون: لا يصح مقارنة «العلّة» اللبنانية التي عناها الرحباني بالوضع في بريطانيا، وحجتهم في ذلك أن «الديمقراطية الليبرالية» المعمول بها هناك بها من الأدوات والوسائل ما يجعلها قادرة على تخطي الأزمة، ومواصلة المسيرة، وما استقالة تراس إلا وجهاً من وجوه هذه الديمقراطية.
ولن نجادل في هذا كثيراً، فالمؤكد أن الرأسمالية الغربية لديها خبرة متراكمة في التغلب على ما يعتري الأداء السياسي من تعثرات، وهي ليست معنية بتقديس الزعماء الذين يمكن التضحية بهم واستبدالهم بآخرين لبلوغ الهدف، لكن، وفي المقابل، ما من نظام سياسي بمنجاة من الانعطافات الحادة التي قد تكون نذراً لوضع مأزوم ينذر بالأسوأ. هذا درس التاريخ قبل أن يكون نبوءة المستقبل.
ربما يبدو كثيراً وصف تراس بـ«الزعيمة»، فهي ليست تشرشل ولا تاتشر، ولكنها على كل حال أصبحت، ولو لأسابيع، رئيسة للحكومة، خلفاً لجونسون رئيس الحكومة السابق المثير للجدل، الذي تهيأ له إمكانية العودة ثانية لـ«10 دواننغ ستريت»، بدعم من قوى نافذة في حزب المحافظين.
وعودة جونسون لو حدثت لن تكون عنوان تخطي الأزمة، وإنما إعادة تدويرها، فالأزمة أكبر من الزعامات؛ إنها تتصل بوضع مسدود الأفق يعاني فيه الاقتصاد ركودا تؤكده توقعات متشائمة للبنك المركزي البريطاني بأنه قد يستمر لنهاية سنة 2023.
يكابر الزعماء المحافظون في بريطانيا ونظراؤهم في بلدان أوروبية أخرى في الإقرار بأن ما باتت فيه بلدانهم اليوم هو، في جوهره، مجرد بداية لتداعيات حرب أوكرانيا، والتي يدفع أثمانها المواطنون الأوروبيون الغاضبون من سياسات حكوماتهم في الانصياع للضغوط الأمريكية، التي تريد لحرب أوكرانيا أن تستمر أطول ما يمكن، في نوع من المقامرة السياسية الغبية.

*د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين

المصدر: الخليج – الدوحة

موضوعات تهمك:

بريطانيا تفقد البوصلة !

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة