“لوبان” المرأة الحديدية لليمين المتطرف .. “ماكرون” الشاب الذي تفوق على اليمين واليسار

ثائر العبد الله24 أبريل 2017آخر تحديث :
medium 2017 04 23 20da8d150f

medium 2017 04 23 20da8d150fفوزه بالدورة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت، اليوم الأحد، كان متوقعاً من قبل العديد من المراقبين. المرشح الوسطي المستقل، إيمانويل ماكرون، هز المشهد السياسي الفرنسي

بحصوله على 23.7% من أصوات الناخبين، وفق النتائج الأولية للدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وهو الشاب الذي لا يزال “فتي العود” سياسياً، كما يقول خصومه وحتى أنصاره، وهذا ما كان يثير الشكوك حول قدرته على الإطاحة بمنافسيه.

شاب في الـ 39 من عمره يقف أمام مفترق طريق بين اليمين واليسار؛ فلا هو ابن عائلته الاشتراكية، ولا هو ابن اليمين، مع أن الكثيرين يقولون إنه يميني أكثر من اليمينيين أنفسهم، وأنه “المرشّح المقنّع” لهذا التيار.

خارج التصنيف السياسي

عندما أسس ماكرون حركته “إلى الأمام” في أبريل/نيسان 2016، وأعلن في 16 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه ترشحه للرئاسية الفرنسية، أقام الدنيا ولم يقعدها، وجذب الأضواء من كل التيارات، وبدأ خطابه منفصلا عن التصنيفات السياسية.

توجّه إلى المسنّين، المصابين بخيبة أمل من الطبقة السياسية الفرنسية، وإلى الشباب صاحب الأفكار المستقبلية، وإلى اليمين واليسار، فكان تارة ليبرالياً مدّثراً بنهج الرئيس الفرنسي الحالي فرنسوا أولاند، وطورا محافظا ومعاديا لنهج معلّمه، حتى بدا وكأنه يريد كسب الودّ السياسي من الجميع.

مختص في المالية والاقتصاد، تخرّج ماكرون من “المدرسة الفرنسية للإدارة” في 2004، قبل أن يعمل مصرفيا لصالح بنك الأعمال “روتشيلد”.

انخرط في “الحزب الاشتراكي” بين عامي 2006 و2009، قبل أن يعين في 2012 نائبا للأمين العام لمكتب رئيس الجمهورية، ثم وزيرا مكلفا بالاقتصاد العام 2014 في حكومة مانويل فالس الثانية.

مرشّح “زئبقي” بامتياز.. هكذا اتفقت العديد من وسائل الإعلام الفرنسية على وصفه؛ لأنه كلما ضاق عليه الخناق عقب تصريح أو موقف ما، وجد سريعا منفذا للهروب أو للمواجهة، حتى أن الكثيرين يتهمونه بـ”الإزدواجية”، فيما يقول هو مدافعا عن نفسه بأنه “براغماتي وحرّ”.

كسر “محرمات” بلاده

يعتبر ماكرون أن عدم كسر حاجز الصمت هو ما يراكم الأحقاد لدى ضفتي البحر المتوسط، غير أن وصفه استعمار بلاده للجزائر، خلال زيارة له للأخيرة في 15 فبراير/شباط الماضي، بـ”الجرائم ضد الإنسانية”، صدم جزءا كبيرا من الذاكرة التي يسعى جاهدا لتوحيدها.

خصومه السياسيون وحتى البعض من أنصاره عابوا عليه ما اعتبروه “سوء تقدير للمكان والزمان والمصطلحات”، مع أن تصريحه ذاك لاقى ترحيبا كبيرا من الجزائريين الذين لا يزالون بانتظار اعتذار رسمي من فرنسا على جرائمها خلال أكثر من 132 عاما من الاستعمار.

في 20 مارس/آذار الماضي، فاجأ ماكرون الجميع، خلال أول مناظرة تلفزيونية بين أبرز مرشّحي الرئاسة (فرانسوا فيون/ مرشح اليمين، وبنوا آمون مرشح اليسار، وجان لوك ميلونشون مرشح اليسار الراديكالي)، حيث أظهر تأييده لهذا الموقف وذاك التحليل أو الإجراء.

مرشح “غامض وبلا برنامج”

بداية مارس/آذار الماضي، طرح ماكرون برنامجا انتخابيا قال إنه “يقترح تغييرا شاملا في الساحة السياسية والاجتماعية بفرنسا، تحت شعار لا يمين لا يسار”.

بدا من الواضح أن الرجل يسعى لاستمالة ناخبي التيارين، حتى أنه لم يتوان عن كسر “مقدسات” عائلته اليسارية التي ترعرع فيها، ليطرح مقاربة تجمع من هذا التيار ومن ذاك.

“خليط غير متجانس” وفق مناوئيه؛ إذ عاب عليه الكثير من قادة التيارين المزج بين قطبين متناقضين، معتبرين أن النتيجة الحتمية ستكون سلبية، حتى أنها قد تلغي القيمة السياسية للبرنامج والاعتبارية الذاتية للمرشح.

البرنامج الاقتصادي لماكرون يجمع بين التقشف والاستثمار، ويقترح تمييزا إيجابيا لتوظيف سكان الضواحي، مع إنشاء 10 آلاف وظيفة جديدة في الشرطة والدرك لتعزيز الأمن، بالإضافة إلى توفير 15 ألف مكان إضافي في السجون.

أما الضريبة على المسكن، فيرى المرشح الرئاسي أنها تشكل عبئا كبير على الفرنسيين، ووعد بالعمل على تخفيضها.

وبالنسبة للمساعدات البديلة عن البطالة، قال ماكرون إنه سيمنعها عن العاطلين عن العمل في حال رفضوا وظيفتين متتاليتين.

وسياسيا، اقترح تحديد قواعد أخلاقية يضع بموجبها حدا للمفاضلة، لمنع النواب خصوصا من توظيف أقاربهم في وظائف هامة أو وهمية.

أما في المسائل ذات الصبغة الاجتماعية، فيظهر برنامجه تقاربا مع اليسار؛ فهو يساند “الزواج للجميع”، ويدعو إلى الاعتراف بالأطفال المولودين لأمّ حاملة للجنين خارج البلاد، ويعارض تجريم استهلاك الحشيش (القنب).

في التعليم أيضا، يظهر ماكرون جوارا إيديولوجيا واضحا مع اليمين، حيث يقترح منح الأولوية للمرحلة الإبتدائية وبالتراجع عن هيكلة المرحلة الإعدادية.

برنامج أظهر تداخلا بين تيارين احتكرا لقرون من الزمن المعركة السياسية في فرنسا، حتى بات من الصعب على الناخبين تبيّن ملامح الرجل السياسية، وربما كانت تلك الميزة هي ما منحه الأسبقية في صناديق الإقتراع اليوم، ومكّنه من تأشيرة العبور إلى المواجهة الكبرى مع مرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبان صاحبة المركز الثاني (21.7 %).
تحقق، اليوم الأحد، لمارين لوبان، مرشحة اليمين المتطرّف للرئاسية الفرنسية، نصف حلم والدها بالصعود إلى الحكم، وذلك بحصولها على تأشيرة العبور إلى الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية، عقب حصولها على 21.7 % من أصوات الناخبين في الدورة الأولى، وفق النتائج الأوّلية.

الطرف الأخر


لوبان التي لطالما اختزلت صورة المرأة القوية والحديدية المشبعة بمواقف تتبنى الانعزالية السياسية والقومية الاقتصادية، تعوّل اليوم على خبرتها الطويلة في السياسة طمعاً في الإطاحة بخصمها المرشح المستقل إيمانويل ماكرون، صاحب المركز الأول بالدورة الأولى (23.7 %).

في ما يلي السيرة الذاتية والسياسية لإمرأة تتأهب لحكم فرنسا في حال أسعفتها أصوات الناخبين في الدورة الثانية للإقتراع:

 تفجير وطلاق مهّدا باكراً لبناء شخصية متطرّفة

ولدت لوبان في 5 أغسطس/آب 1968، وهي أصغر بنات جان ماري لوبان من زوجته الأولى بيريت لالان.

عند بلوغها الثامنة من عمرها، وتحديدا في 2 من نوفمبر/تشرين الثاني 1976؛ أي بعد 4 سنوات تقريبا من تأسيس والدها لحزبه (الجبهة الوطنية)، عايشت لوبان تفجيرا استهدف منزل عائلتها الباريسي، من قبل بعض أعدائه.

ومع أن الحادثة لم تخلّف خسائر بشرية، إلا أنها تركت في نفس الطفلة أثرا لم يمحَ بعد ذلك، وجعلتها تستوعب حجم المخاطر والتحديات التي يواجهها والدها بسبب مواقفه المتطرّفة، فورثت عنه جرعات الكراهية ذاتها للمسلمين والمهاجرين، ونفس العداء للآخر ولليبرالية بأنواعها، تماما كما ورثت عنه حزب “الجبهة الوطنية” الذي أسّسه في 1972.

المحطة الثانية الفارقة في حياتها كانت طلاق والديها في 1984 بينما كانت لا تزال مراهقة في الـ 17 من عمرها؛ إذ كان ذلك بمثابة ضربة قاصمة أدخلتها الحياة السياسية مبكّرا، حيث بدأت بحضور اجتماعات والدها، وأدخلتها أيضا في علاقة مع المكلّف بالاتصالات لـ “الجبهة الوطنية”، لوران دي سان أفريك.

احتكاكها المبكّر بالسياسيين أظهر مواهبها في فن الخطابة، وهو ما دفعها لدراسة القانون، فكان أن حصلت في العام 1992، على الماجستير في القانون الجنائي من جامعة باريس، ثم بدأت العمل كمحامية، ومن بعدها مستشارة قانونية لحزب والدها.

تزوجت في 1997 من عضو بالحزب يدعى فرانك شوفروي، وأنجبت 3 أطفال قبل أن ينفصلا لاحقا عام 2000، وتتزوج بعد عامين من مسؤول بحزب والدها يدعى إريك لوريو، غير أنها انفصلت عنه أيضا، لتدخل في علاقة مع نائب رئيس الحزب لويس اليوت.

وفي 2004، انتخبت عضوا في البرلمان الأوروبي، ثم أعيد انتخابها في 2009.

وتر “الإعتدال” في التطرّف

ترأست حزب والدها منذ 16 يناير/كانون الثاني 2011، ومنذ ذلك الحين تعزف لوبان على وتر تعديل الصورة النمطية لحزبها، والابتعاد قدر الإمكان عن السياسة اليمينية المتطرفة والمعادية للسامية، غير أنها حافظت على نقاط تقاطع عديدة مع سياسة والدها، ومن ذلك معاداتها للإسلام والمهاجرين والاتحاد الأوروبي.

شنت لوبان حرباً ضروساً على الإسلام، معتبرة أن هذا الدين هو “مصدر المشاكل” في فرنسا، وأن المسلمين يشكلون “خطرا” على الهوية الفرنسية “تماما كالمهاجرين”؛ ولذلك تعهّدت بالحد من دخول اللاجئين إلى فرنسا بمعدل 10 آلاف إلى 20 ألف سنويا في حال وصولها إلى الإليزيه.

وعدت أيضا بالحد من وصول المهاجرين إلى الخدمات العامة، وناهضت بشدة ارتداء “المايوه الشرعي” أو ما يعرف بـ”البوركيني” على الشواطئ الفرنسية، معتبرة في مقابلة لها مع “سي أن أن” الأمريكية، في سبتمبر/أيلول 2016، أن هذا اللباس هو من “أعراض التعصّب الإسلامي”.

وأضافت أن البوركيني “يتمحور حول مطالب صممت لتقول: “نحن المسلمون نريد أن نأكل ونعيش بطريقة مختلفة، ونريد أن نرتدي ثيابا مختلفة، وفرض قوانينا الخاصة على الجمهورية”.

“حقد دفين” إزاء الإسلام دونا عن غيره من الديانات، مع أن لكل ديانة خصوصيتها سيما في ما يتعلق بالثياب، أظهر تحاملا “ممنهجا”، وفق مراقبين، من مرشحة اعتنقت التطرّف في المهد قبل أن تتشبّع مبكّرا بأدبياته.

ففي 2010، شبّهت لوبان، خلال كلمة ألقتها بمدينة “ليون” (جنوب) في إطار حملتها الانتخابية آنذاك لرئاسة “الجبهة الوطنية”، المصلّين خارج المساجد بـ”المحتلّين النازيين”.

وبعد أن برأها القضاء الفرنسي أواخر 2015، من تهمة التحريض على الحقد على خلفية ما سبق، إلا أنها تمكنت جزئيا من منح الانطباع بأنها أقل تطرّفا من والدها، وهذا ما يسّر لها الاستيلاء على أصوات اليمين ووسط اليمين.

خبرتها السياسية.. “الورقة المحروقة”

خلال أوّل مناظرة تلفزيونية بين أبرز مرشحي الرئاسة الفرنسية، في 20 مارس/آذار الماضي، حاولت لوبان استثمار خبرتها السياسية الواسعة، لتسليط الضوء على حداثة خصمها ماكرون سياسيا وعدم نضجه، لحسم نوايا التصويت لصالحها.

بدت لوبان حينها مستفزّة أكثر من اللازم وواثقة درجة الغرور، وهذا ما رأى مراقبون أنه قلب عليها الطاولة، ودفع استطلاعات الرأي باتجاه وزير الاقتصاد السابق؛ حيث أظهر استطلاع رأي أجري في الليلة نفسها عقب المناظرة، تقدّم ماكرون على لوبان في الجولة الأولى للانتخابات.

وأظهر الاستطلاع الذي أعدّته شركة “إيلاب” الفرنسية، حصول ماكرون على 26 % من الأصوات مقابل 24.5 % لزعيمة اليمين المتطرّف، أي بتحسّن قدره 0.5 % في نسبة التأييد له مقارنة باستطلاع أجري قبل المناظرة مباشرة، وتوقّع فوز ماكرون في الجولة الثانية بـ 64 % مقابل 36 % لمنافسته.

خبرة واسعة خذلت صاحبتها قبل أقل من شهر على السباق المصيري، لكنها عادت لتسعفها في الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة، في انتظار الجولة الحاسمة التي قد تفرز صعودا تاريخيا لليمين المتطرف في البلاد، في حال نجحت بالإطاحة بخصمها الشاب.

وكالات

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة