سؤال الهوية المتغيّر!

محرر الرأي16 فبراير 2019آخر تحديث :
سؤال الهوية المتغيّر!

سؤال الهوية المتغيّر!

  • أيهما أكثر تهديداً للغة العربية، اللغات الأجنبية أم اللهجات العامية؟
  • تهميش الهوية بالكلّية يؤدي إلى «تجمّد» الشعوب.. وتصعيدها يؤدي بهم إلى «الغليان»!
  • صراع الهوية المحتدم الآن ليس حكرا على المجتمع السعودي أو الخليجي أو العربي بل موجة عالمية تغشى الشرق والغرب.
  • الجدالات حول الهوية يُفضي دوماً بالبعض إلى الاستخفاف بها والتخلي عنها، وبالبعض الآخر إلى مزيد من التمسك بها.

 

بقلم: زياد الدريس

قلت أني: ظللت سنوات طويلة منشغلاً بسؤال: أيهما أكثر تهديداً للغة العربية، اللغات الأجنبية أم اللهجات العامية؟
وقبل أن اقترب من جواب أن اللغات الأجنبية أشد تهديداً، اكتشفت أن هناك تهديداً أكبر منهما، لم ننتبه له وهو يتمدد وينتشر سريعاً، أعني بذلك الاعتقاد الذي يتنامى عند الجيل الجديد خصوصاً بأن اللغة ليست وسيلة للتعبير عن الهُويّة بل هي وسيلة للتواصل فقط! (من مقالي الأسبوع الماضي).

اقرأ عن صناعة الخوازيق في مقال: “برج العرب” فضائح ومشاهد وأسرار ورموز خفية

فكتب إليّ الصديق الدكتور خالد الرديعان، وهو أنثروبولوجي سعودي بارع، تعليقاً في «ملتقى أسبار» النخبوي على «واتساب»: «ممتاز يا أبا غسان، يبقى لك مقال آخر تشرح فيه ببساطة ماذا تعني الهوية؟ حتى يكتمل عقد المناقشة».
خالد يعرف أكثر مني ماذا تعني الهوية، لكنه بطبعه الأكاديمي شغوف بطرح الأسئلة وتجديد التعريفات.
يقول غوستاف لوبون: «الهيبة التي تصبح عرضة للنقاش، لا تعود هيبة»، وبودّي أن يسمح لي الصديق العزيز أن أسحب هذه المقولة أيضاً على نقاش الهوية، مع الفارق.

اقرأ/ي أيضا: لماذا يتاجر بشار الأسد بأثداء زوجته؟!

كان الناس في ما مضى يسألون عن الهوية، وماذا تعني، وما حدودها وواجباتها وحقوقها؟
وكان المتعصبون للهويات يضيقون بمثل تلك الأسئلة (المتشككة!)، الآن تحوّل السؤال (عند البعض) من «ما هي الهوية» إلى «ولماذا الهوية؟!»، كعادتنا للأسف في المراوحة بين الإفراط والتفريط.

أقرأ/ي ايضا: ماذا طلبت لجنة التحقيق الدولية من السعودية مع بدأ عملها

وسأستعيد بعض ما قلته في مواضع سابقة من أن تهميش الهوية بالكلّية يؤدي إلى «تجمّد» الشعوب.. وتصعيدها يؤدي بهم إلى «الغليان»!
والهوية على الإنسان مثل الملصق على حقيبة السفر، فمن دونه قد تضيع الحقيبة، لكن الخوف من ضياعها لا يبرره وضع ملصق أكبر من الحقيبة ذاتها أو أثمن من محتويات الحقيبة نفسها.

 

اقرأ/ي أيضا:أهم المتابعات والتقارير  من خلال هذا الرابط

 

المؤكد أن الجدال حول الهوية يُفضي دوماً بالبعض إلى الاستخفاف بها والتخلي عنها، وبالبعض الآخر إلى مزيد من التمسك بها والانغماس فيها.
من الخطأ الظن بأن صراع الهوية المحتدم الآن هو حكر على المجتمع السعودي أو الخليجي أو العربي عموماً، بل هو موجة عالمية تغشى الشرق والغرب.

 

اقرأ/ي ايضا: تعرف علي تفاصيل مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته الثامنة

 

هذا الصراع الاجتماعي/ الإيديولوجي لم يوفّر حتى الدول الأوروبية المتقدمة، التي ظُنّ خلال العقود الماضية أنها وصلت إلى استقرار اجتماعي هويّاتي لا يمكن لأي أيديولوجية أن تعبث به.

حتى فوجئنا بأن سؤال الهوية يعود إلى الظهور فيها من جديد، متزامناً مع مساعٍ انفصالية استقلالية في وسط أوروبا بناءً على تمايزات قومية/ لغوية.

 

اقرأ/ي أيضا: محاكم التفتيش الحديثة

 

الحالة غير المستقرة لهويات العالم ستستمر لسنوات مقبلة، نتاج حقبة ما بعد العولمة. وقد تطول هذه الحقبة بسبب تأثيرات اقتصادية تتلبّس اللبوس الثقافي أو الديني أحياناً.

 

اقرأ/ي أيضا: لمحة عن تجريم الطائفية وهي أهم عمل وطني خلال ربع قرن.

 

الهوية العربية ليست بمعزل عن هذه الريح الكونية، وستستمر في حال عدم استقرار وتجاذبات دينية واجتماعية متنافرة أحياناً.

لكن هذا لا يمنع ضرورة استمرار محاولات الوصول إلى توافق هويّاتي، يعي ويدرك الفرق بين الهويات الكبرى والهويات الصغرى.

 

* د. زياد الدريس كاتب سعودي.

المصدر: الحياة – لندن

 

اقرأ/ي أيضا: أهم الأخبار الفنية والثقافية فى العالم العربى والغربى هنا

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة