دير ياسين.. جرح لم يلتئم منذ 69 عاما

ثائر العبد الله10 أبريل 2017آخر تحديث :
fkdaskkkkk

fkdaskkkkk

لم تكن ليلة يوم الجمعة التاسع من أبريل/نيسان عام 1948 ليلة هادئة في قرية دير ياسين المقدسية المهجرة، فرغم توجس الأهالي بعيد سقوط قرية القسطل واحتلالها على يد

العصابات الصهيونية فإنه لم يخطر ببالهم أنهم لن يأووا إلى فراشهم بالقرية مرة أخرى، ولم يعلموا أن من بينهم أشخاصا لن يشهدوا غروب شمس اليوم التالي.
تفاصيل تلك الليلة لم تخبُ بين ثنايا ذاكرة المسن التسعيني محمد رضوان، الذي حرص على أرشفتها بدقة وواظب على مراجعة هذا الأرشيف في ذكرى المجزرة كل عام.
ففي تمام الساعة الثانية بعد منتصف الليل، اقتحمت عصابتا الأرغون وشتيرن الصهيونيتان وقوات من البلماح والهاغاناه قرية دير ياسين، وكان رضوان ورفاقه يحرسون القرية من جهات متعددة.
ظلام وظلم
شعر شبان القرية بالبرد أثناء الحراسة، وقرر رضوان الذهاب إلى منزله لإحضار الشاي ليشعروا بالدفء، ومع وصوله إلى المنزل شاهد الباب مفتوحا وأحس بالقلق لعدم وجود والدته بداخله بينما يغط أشقاؤه وشقيقاته في نوم عميق.

استذكر رضوان تلك اللحظات قائلا “القنابل المضيئة أطلقت بكثافة في سماء القرية وبدأ إطلاق الرصاص معها.. شعرت بالخوف فأيقظت أشقائي وأوصلتهم إلى أطراف قرية عين كارم المجاورة وعلمت منهم أن أمي حملت العجين وذهبت به إلى فرن القرية لتخبزه، ومع دخول العصابات للقرية استولوا على الفرن وكل النساء الموجودات هناك وذهبت أمي أسيرة معهن إلى خارج القرية”.
وفي تمام السابعة صباحا، اشتد الزحف على القرية وبدأ مسلحوها الذين بلغ عددهم نحو ثمانين رجلا بالرد بكل ما توفر لديهم من ذخيرة، ليدافعوا عن 750 نسمة من أهالي دير ياسين، الذين حاولوا طمأنة بعضهم قبيل الهجوم، وهدّأ الرجال من روع نسائهم وطلبوا منهن الخلود للنوم رغم قلقهم من ساعة الصفر التي أحسوا أنها قريبة.
حتى آخر رصاصة
ومع إشارة الساعة إلى الرابعة عصرا، استسلم العديد من المسلحين بعد نفاد ذخيرتهم، وبقي محمد رضوان ورجلان آخران يقاتلون حتى آخر رصاصة معهم، قبل انسحابهم باتجاه عين كارم، لأن العصابات سيطرت على القرية بشكل كامل قبيل حلول ظلام التاسع من أبريل/نيسان، مخلفة فيها 92 شهيدا بينهم ثلاثة أغراب عن القرية.
وعما رآه خلال ساعات استبساله في الدفاع عن دير ياسين، قال رضوان “استشهد أمامي العديد من شبان ورجال القرية، لم نفكر بمنازلنا أثناء المجزرة بل بنسائنا وأطفالنا الذين قتلوا بدم بارد”.

مثقلا بأوجاعه التي لم تُشف بعد، عاد رضوان لقريته المهجرة عشرات المرات بعد النكبة، فما زال رغم مرور 69 عاما على المجزرة يحلم يوميا بالعودة لدير ياسين ويدعو كل ليلة أن يغفو مجددا بين كرومها وأحجار منازلها العريقة.
وخلال عودته المؤقتة للقرية، حرص بزياراته على قطف ثمار اللوز من أشجارها وجفف منها ثمرتين كتب عليهما “قطفت من دير ياسين”.
وبعد تحويل منزل عائلته إلى منجرة وتثبيت نجمة داوود على إحدى نوافذه، زار المنزل والتقط صورة تذكارية، وعاد لبيته في البلدة القديمة بالقدس حاملا معه بلاطة من منزله بدير ياسين، ولم ينس أن والده جدد بذلك البلاط المنزل عام 1936.
تجلس زوجته زهدية رضوان بجواره تحدثه بتفاصيل دقيقة عن تلك الليلة، فهي أيضا كان لها نصيب من رؤية العديد من الجثث المتراكمة فوق بعضها أثناء مغادرتها القرية.
وعن ساعاتها الأخيرة فيها، قالت “حملت صندوقا ذهبيا كان يحوي بعض النقود والذهب لأهرب به.. شاهدتني أمي وصرخت بي بقوة وقالت أعيدي كل شيء لمكانه سنختبئ بالمغارة لساعات ونعود للمنزل، وحملت معها الكثير من الرصاص والماء زودت بهما المقاومين وغادرنا.. ولم نعد لدير ياسين حتى اليوم”.
لم تحمل زهدية الذهب ولا النقود، لكنها حملت معها الأهازيج الشعبية الفلسطينية التي واظبت نساء القرية على ترديدها لشبان دير ياسين، وما زال صوتها يصدح بها حتى اليوم في الأفراح قائلة “شباب بلدنا كلهم ملاحي زي السفرجل نازل عالتفاحي.. وشباب بلدنا كلهم صقورة خوخ وسفرجل شابك عالبندورة”.

الجزيرة

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة