المسألة الكردية في التحولات التركية – السورية

الساعة 2525 أغسطس 2012آخر تحديث :
ifeobfdek yefwnjkw 2756

ifeobfdek yefwnjkw 2756يقدم الباحث في منظمة البحوث الاستراتيجية الدولية (USAK) علي حسين باكير دراسة لمعهد العربية للدراسات والتدريب قراءة في التحولات التركية – السورية وموقع الأكراد في تلك المعادلة ثلاثة معطيات مهمة على صلة وثيقة بالملف الكردي جعلت تركيا تنقل اهتمامها سريعا وبشكل مفاجئ الى الملف الكردي في سوريا الذي احتل الأولوية لديها على ما دونه من ملفات على الصعيد الداخلي او الاقليمي.

وقد تمّ التعامل بداية مع الموضوع بشكل يعكس حالة من الهلع لدى الرأي العام ممزوجة بشكيء من الحساسية ازا المضمون المرتبط به وبكثير من التخوّف نظرا للتجربة المرتبطو باحداث الماضي والمواجهات الدموية المتجددة مع حزب العمّال الكردستاني المصنّف على أنّه حزب ارهابي في تركيا وعدد من البلدان.

أولا: الانسحاب المفاجئ لقوات النظام السوري من قبل بعض المدن والقرى التي يقطنها الأكراد في مناطق شمال شرق سوريا وشمال غربها على الحدود مع تركيا وتسليمها الى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي تعتبره أنقرة النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني؟

ثانيا: قيام الحزب المذكور برفع الأعلام الكردية على الادارات والمؤسسات والمباني التي استولى عليها وممارسته نوعا من السيطرة على الأرض كاقامة الحواجز والتفتيش بالتوازي مع تحضيرات وتدريبات لكوادر خاضعة له لادارة هذه المناطق والعمل على توسيع نطاق سيطرته بدعم من النظام السوري.

ثالثا: هجمات حزب العمال الكردستاني الاخيرة التي ترى انقرة انها ما كانت لتتم بهذا الحجم والنوع لولا وجود دعم من النظامين الايراني والسوري، وبالتالي فان حربا بالوكالة يتم التخطيط لها ضد انقرة باستخدام الورقة الكردية.

تركيا والملف الكردي الداخلي:
على انّ انطلاق جرس الانذار هذا المرتبط بأكراد سوريا لم يات من فراغ. وانما من الحسابات التركية للعنصر الكردي لديها. في العام 2002، ومع مجيء حزب العدالة والتنمية الى السحكم في تركيا، طرحت الحكومة مبادرة ضمن عددا من المبادرات التي من شانها حل المشاكل الداخلية من اجل افساح المجال امام البلاد لتتبوؤ مكانة كبرى على الصعيد الاقلمي والدولي بعدماكانت على وشك الانهيار قبل ذلك بعدّة سنوات، أقّله اقتصاديا.

وقد نجحت الحكومة آنذاك في تحقيق تقدم على صعيد معالجة الملف الكردي في البلاد فيما يخص الحقوق المدنية للاكراد والثقافية، والتحوّل من الانكار التام المتعلق بالاعتراف بهم كأكراد حيث كان يطلق عليهم لقب “اتراك الجبل”، الى الانفتاح الذي وصل حد مشاركتهم في البرلمان بعد السماح بتعليم لغتهم والحديث بها والذي شمل أيضا انشاء محطات وبث نشرات اخبارية باللغة الكردية، وهي قرارات اتخذت بين الأعوام 2004 و 2006.

لكن مسيرة الاصلاح والمصالحة هذه تباطأت خلال السنوات الأخيرة على الرغم من سعي الحكومة الى انهاء الملف الكردي، وذلك بسبب عوائق متعلقة بالطرفين. فعلى عكس الأتاتوركيين الذي ركّزا سابقا على الشق الأمني من الملف الكردي متجاهلين الملف المدني الديمقراطي وهو الامر الذي ادى الى تفاقم المشكلة الكردية والى الاحتقان لدى القاعدة الشعبية الكردية، قام حزب العدالة والتنمية بالتركيز على الشق المدني الديمقراطي المتعلق بالحقوق والحريات والواجبات متناسيا في نفس الوقت الشق الأمني، أو على الأقل لم يقدّم رؤية موازية للرؤية التي قدّمها ازاء الوجه المدني الديمقراطي للملف، ما أتاح المجال لحزب العمّال الكردستاني لاستعادة قواه خلال السنوات الاخيرة.

حينها تبيّن للأتراك أنّ التعامل يجب أن يتم وفقا لمسارين متوازيين، القضية الديمقراطية والقضية الأمنية، وبما انّ القضية الأمنية قد تصاعدت خلال السنوات الاخيرة، فقد خرّب ذلك على المسار الأول، وهكذا وجدت الحكومة نفسها في مازق، من معالمه:

• الضغوطات التي واجهت الحكومة من قبل المعارضة القومية في البلاد ازا الخطوات التي اتخذتها في مبادرة الانفتاح والمصالحة، واستعمال هذه الانفتاح الحكومي على الاكراد كدليل على المخاطر التي تتسبب بها الحكومة فيما يتعلق بأمن البلاد ووحدة أراضيها ازا ما اعتبرته تنازلات مقدّمة للاكراد.

• انكشاف المباحثات السريّة التي كانت الحكومة تجريها مع حزب العمال الكردستاني لحثه على وضع السلاح والانخراط في هذه المسيرة الانفتاحية، وقد أضر ذلك بالحكومة بشكل كبير على اعتبار انّها تتفاوض مع حزب مصنّف من قبل الدولة على انه حزب ارهابي ومسؤول عن مقتل العديد من الجنود الاكراد والمواطنين المدنيينن ما دفعها الى الانكفاء والتراجع.

• صعود النزعة القومية الكردية في الدول المجاورة بالتوازي مع الانفتاح الحكومي التركي على الاكراد في تركيا، ففي حين كان أكراد تركيا يحصلون على بعض من حقوقهم كان الاكراد في البلدان المجاورة يطرحون امور تتعلق باللامركزية ومنطقة الحكم الذاتي وصولا الى الفيدرالية لاسيما في العراق تحديدا، والآن أكراد سوريا.

• اصرار بعض الأكراد لاسيما حزب العمال الكردستاني بالتحديد باستخدام القوة المسلحة للمطالبة بما يريدون في الوقت الذي أصبح من الممكن فيه عرض هذه المطالب بالطرق المشروعة وعبر القنوات الديمقراطية وأدواتها.

لكن الرأي الغالب في المجمل الآن انّ لا ملف كردي في تركيا حاليا وانما ملف ارهابي يتعلق بحزب العمال الكردستني تحديدا دون سواه. أمّا ما يتعلق بالاكراد في تركيا، فبعد عملية الانفتاح، لا يمكن القول انّ الوضع اليوم كما كان سابقا خاصة مع تحقيق العديد من المطالبة حيث يتساوى الكردي اليوم في الحقوق والواجبات مع غيره من المواطنين الأتراك، وان كان هناك بعض القضايا الجزئية المكمّلة للانتهاء من الموضوع، فيمكن التوصل الى حل لها قريبا عبر الوسائل المشروعة وليس العنف المسلّح.

وتعطي البعض عددا من المؤشرات على صحة هذا التصور بدليل أنّ حوالي ثلث أكراد تركيا أصبحوا يعيشون اليوم في المدن غرب تركيا، بل ان أكبر تجمّع للاكراد في المنطقة برمتها ليس في اربيل بالعراق أو في السليمانية او القامشلي في سوريا أو في ايران او في ديار بكر وانما في مدينة اسطنبول، ناهيك عن عمليات الزواج المختلطة المتزايدة والولادات الناجمة عنها والتمتع بكافة الحقوق الأخرى.

وقد لوحظ خلال السنوات القليلة الماضية، ومنذ اندلاع الثورات العربية تحديدا حصول تطور كمي ونوعي في حجم العمليات التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني ضد تركيا وايضا في طريقة تنفيذ هذه العمليات، وهو ما أثار شكوكا لدى الحكومة التركية والرأي العام بان هناك جهات تحاول استخدام الورقة الكردية ضد تركيا لاسيما انّ ذلك جاء مواكبا لحملة تجييش للاكراد داخل تركيا لم تنجح حتى الآن.

أكراد سوريا يدخلون على خط المعادلة:
وفي ظل هذه المعطيات، ومع دعم تركيا للثورة السورية بالتوازي مع تدهور العلاقات بينها وبين النظام السوري والايراني والعراقي، بدا انّ هذه الاطراف ترى في الملف الكردي ورقة ممتازة للضغط على أنقرة سواء عبر دعم حزب العمال الكردستاني أو عبر استخدام الاكراد أنفسهم كما يجري الآن في سوريا، وهو عنصر جديد دخل على المعادلة التركية-السورية مؤخرا.

وبقراءة لخارطة المواقف الكردية السورية من الثورة السورية، سنجد أنها تنقسم الى ثلاثة أقسام رئيسية:

1- جزء مؤيد للثورة السورية بشكل كامل ويعمل ضمن أجندة وطنية شاملة على مساحة سوريا، ويضم هذا التيار غالبا المستقلالين الأكراد وجزء من فئة الشباب وايضا حزب المستقبل الكردي المعروف الذي يرأسه مشعل تمو الذي تم اغتياله مؤخرا من قبل النظام السوري وحزب (PYD) وهو يحاول حشد الأكراد لدعم الثورة السورية.

2- جزء يقول أنه مؤيد للثورة السورية كالمجلس الوطني الكردي الذي يضم أكثر من 13 حزبا كرديا، ولكنه في المقابل يطالب بحقوق على أساس قومي تضمن حق تقرير المصير، الادارة الذاتية لمناطق تواجدهم، الفيدرالية، وهي كلها مطالب لا توافق عليها المعارضة السورية التي تعتبر انّ من حق الأكراد وغيرهم من مكونات الشعب السورية ان يكونوا متساويين مع باقي السوريين كمواطنيين في الحقوق والواجبات، لكن ليس من حقّهم ولا مبرر لطلبهم مثل هذه المطالب.

3- جزء يحمل فكر انفصالي ويعمل من أجل تحقيق استقلال في المناطق الكردية وان لم يقل او يصرّح بذلك علنا في مقابل من يصرح، ويتمثّل هذا الجزء بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يستخدم السلاح ويتعاون مؤخرا مع النظام السوري.

لقد قام النظام السوري باستغلال بعض المواقف الكردية وتوظيفها في خانته. اذ وكما أصبح معلوما، فقد انسحبت قوات النظام السوري من عدد من القرى والمدن التي يقطنها أكراد لاسيما في شمال شرق سوريا وشمال غرب سوريا، وقام النظام السوري بتسليم ادارة تلك المناطق لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، في خطّة تهدف على ما يبدو الى تحقيق عدد من النقاط، هي:

1- تحويل القوات العسكرية النظامية التابعة للنظام السوري المتمركزة في تلك المناطق، وارسالها باتجاه مدينة حلب لقتال الجيش السوري الحر واستخدامها في مناطق أخرى لتخفيف الضغط المفروض على الجيش النظامي.

2- جعل الأكراد بمثابة لغم في وجه تركيا، واقامة ما يشبه منطقة عازلة بينه وبين تركيا، أي نصب فخ لتركيا في حال الدخول أو حتى في حال عدم الدخول، وذلك بهدف لفت الانظار التركية الى الملف الكردي وتحويل النقاش العام الى هذا الموضوع بدلا من موضوع اسقاط النظام السوري.

3- خلق انشاقاقات داخل المعارضة السورية وربما صدامات في وقت لاحق بين مكوناتها الكردية والعربية على خلفية المطالب القومية للأكراد من جهة وعلى خلفية العلاقة مع تركيا من جهة أخرى، واستخدام الورقة الكردية في وقت لاحق اذا لزم الأمر لتبرير انفصال الأقليات في سوريا ومنها الأقلية العلوية.

وقد أثار هذا التحرّك من قبل النظام السوري الجانب التركي سريعا، وانصب النقاش الداخلي العام والرسمي على الموضوع الكردي نظرا لحسايته البالغة داخل تركيا، كما لمفاعيله وانعكاساته الخطيرة، لا سيما وانّ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي قام برفع الاعلام الكردية مكان الأعلام السورية على المباني الحكومية والمؤسسات وأسرع في تشكل ادارة ذاتية وايضا في تحضير الكوادر اللازمة لادارة المناطق التي تحت سيطرته امنيا واداريا وسياسيا واجتماعيا.

المخاوف التركية ازاء الورقة الكردية السورية ومبرراتها:
ومكمن التخوف التركي من هذه الخطوة سيناريوهان على وجه التحديد:
1- سيناريو سوريا دولة فاشلة: وفي هذا الاطار، تتخوف تركيا من ان يؤدي الفراغ في السلطة في سوريا لا سيما في المناطق التي يقطنها أكراد الى ان يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وحلفاءه وان تصبح المنطقة بالتالي ملاذا آمنا لحزب العمال الكردستاني الذي تخوض حربا معه منذ عقود، فينشأ حزام كردي ملتهب يطوّق تركيا عبر حدودها في الجنوب من ايران مرورا بالعراق فسوريا يكون شوكة في خاصرتها، ويستخدم ضدها لاهداف جيوبوليتيكية، ويغرقها في حرب أثبتت التجارب المختلفة لحالات اخرى أنه من الصعوبة بمكان القضاء على فاعلين غير حكوميين فيها خاصة عندما يكونوا مدعومين من قبل جهات اخرى تستخدمهم كأداة.

وفي هذه الحالة، فان تركيا تعتقد بانّ استخدام حزب العمال الكردستاني ضدّها قد بدأ فعلا وانّ طبيعة الهجمات التي يشنها هذا الحزب منذ حوالي العام بالاضافة الى حجمها ونوع الأسلحة المستخدمة فيها والمناطق التي يتحرك فيها جغرافيا انما تشير الى تلقيه دعما قويا لاسيما من النظامين الايراني والسوري.

2- سيناريو تقسيم سوريا: وتتخوف تركيا من أن يؤدي دعم النظام السوري لعملية سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وحلفائه على المناطق التي يسكنها أكراد في شمال سوريا الى تعزيز الطموح القومي الكردي سيما انّ المناطق الكردية هي الوحيدة في سوريا التي لم تتعرض لضرر كبير من جانب قوات نظام الأسد وشبيحته.

وقد لوحظ انّ الأحزاب الكردية تعد نفسها لادارة مناطقها او على الأقل تحقيق سيناريو شبيه بالسيناريو العراقي لانشاء منطقة حكم ذاتي سيما وانّ دعم البارازاني يعد مؤشرا على وجود مثل هذه النية خاصة انّ المجلس الوطني الكردي السوري كان قد اصدر بيانا في اجتماع أربيل طالب فيه بضرورة اعتراف باقي السوريين بحق تقرير المصير لهم. ومن المعلوم انّ ذلك يعدّ المدخل العملي لتحقيق حكم ذاتي، فيدرالية وبعدها تقسيم سوريا حيث سيكون ذلك بمثابة دافع لاتّباع الآخرين لنفس المسار من حيث مناطق حكم ذاتي للعلويين وللدروز قد تفضي الى تقسيم سوريا الى دويلات. ناهيك عن الاقتراحات التي صدرت مؤخرا من حزب العمال الكردستاني باقامة تحالف بين اكراد سوريا وايران في حاف نشوء نظام جديد معادي لايران في سوريا، فيمن الأكراد موطئ قدم لطهران في سوريا الجديد في مقابل ان تقوم الاخيرة بدعم طموحهم.

ولا تقف حدود المخاوف التركية عند السيناريوهات اعلاه بل عن ما قد ينجم عنها من انعكاسات على الداخل التركي تحديدا. فالراي العام التركي شبيه الى حد كبير من حيث تركيبه ومواقفه من الغرب وأمريكا واسرائيل بالرأي العام العربي. وذكرى مقاومة الاحتلال البريطاني والفرنسي واليوناني والايطالي في حرب الاستقال اثر محاولة تقسيم تركيا لا تزال ماثلة في الأذهان هنا، ولذلك فان هناك دائما نوع من الشعور العام الطاغي بتربص الغرب بتقسيم تركيا.

هذا التخوف ينعكس في مظاهر عديدة ويولّد حساسية تجاه أمور قد يُرى من خلالها انها مدخل الى تقسيم تركيا، كالملف الكردي. فنشوء دولة كردية في سوريا سيؤدي الى تشجيع نزعات بانشاء دولة علوية ومنها الى الداخل التركي حيث المكوّن الكردي والعلوي ناهيك عن تهديد الامن القومي للبلاد بالسماح لأحزاب ارهابية محزب العمال الكردستاني بالتمركز في قواعد خلفية في دول مجاورة، وهو ما من شانه ان يورط تركيا في حرب استنزاف مع هذه الجماعات اولا وان يدخلها مع نزاع مع الدول المجاورة ثانيا، وفي كل هذه الحالات تبدو الحسابات غير مناسبة للاتراك.

الخيارات التركية في مواجهة الورقة الكردية السورية:
وامام هذه المعضلة يتم الآن العمل على اجتراح طرق للتصدي لمثل هذه المخاطر على أكثر من صعيد، لكن اختلاف الرؤى حول طبيعة التعامل مع هذا الوضع، والأسلوب الانجع لمعالجته لا تزال تخضع لنقاش كبير في الداخل التركي، وتتراوح بين:

1- خيار المواجهة:
فالبعض يضغط باتجاه اعتماد الخيار الامني، ولذلك منذ ان قام النظام السوري بالانسحاب لصالح بعض الأحزب الكردية، جاء الرد سريعا من الحكومة التركية بامكانية الدخول الى سوريا لملاحقة اي عناصر كردية معادية اذا ما تحوّلت المنطقة الى ملاذ آمن لحزب العمال الكردستاني، على غرار ما هو حاصل في شمال العراق.

وقد تم ارسال أربع دفعات من التعزيزات العسكرية حتى الآن على طول الحدود المشتركة بين تركيا وسوريا. لكن نوعية وحجم هذه التعزيزات ناهيك عن المناورات التدريبية التي قامت بها بعد انتشارها لا تشير الى انّها موجّهة او مخصصة لمواجهة حزب العمال الكردستاني حصرا خاصة انها تتضمن بطاريات صواريخ مضادة للطائرات، مدرعات، آليات عسكرية ثقيلة، مدافع وايضا بعض الوحدات المخصصة للحرب الكيميائية وهو ما يعني انّ الملف الكردي في هذه الحالة قد يكون المدخل القانوني والشرعي لعملية تدخل تركي في سوريا.

على أنّ هذه التعزيزات لا تخرج -اذا ما قيست على مستوى الاطر الاستراتيجي للسياسة التركية بخصوص موضوع التدخل العسكري في سوريا لاقامة منطقة عازلة او آمنة أو لأي خيارات عسكرية أخرى ازاء النظام السوري- عن اطار الاستعدادات لمواجهة مختلف الاحتمالات والسيناريوهات اكثر من كونها انعكاسا لقرار اتُّخذ في انقرة فعلا حول التدخل في سوريا ويتم التحضير له من خلال هذه التعزيزات تحت غطاء الملف الكردي.

2- خيار الاحتواء:
وبموازاة ذلك يتم المضي قدما بخيار احتواء الملف الكردي السوري كي لا يصار الى الانفجار في مرحلة دقيقة تواجه فيها تركيا مشكلة مع الانظمة في ايران وسوريا والعراق وليس هناك مصلحة لاتخاذ خطوات متهورة وفتح جبهات اخرى ربما يريد الخصوم من ُانقرة أن تفتحها حتى تغرق بها، طالما انه يمكن الشروع بمحاولات لاحتواء الوضع من خلال العمل السياسي والدبلوماسي.

ويقود وزير الخارجية احمد داوود اوغلو هذا المسار مراهنا على انّ هناك مصلحة مشتركة تجمع مختلف الأطراف التي يقوم بالاتصال بها الآن للمساعدة على احتواء الملف. فلا المجلس الوطني السوري من مصلحته حصول تقسيم في سوريا او نشوء دولة فاشلة فيها او تحولها الى ملاذ آمن للجماعات الارهابية، ولا الدول العربية ولا سيما دول الخليج العربي اياضا لها مصلحة بتحول سوريا الى هكذا نموذج سواء مشابه للعراق او أكثر منه سوءً .

أمّا بالنسبة الى رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البرزاني، فتراهن انقرة على انّه يحتاج اليها كمتنفس اقتصادي لاقليمه كما الى حليف سياسي خاصة مع العداء الطارئ على العلاقة مع حكومة بغداد بقيادة المالكي كما مع ايران.

ولذلك، فان التنسيق مع هذه الاطراف الثلاث من وجهة النظر التركية ازاء الملف الكردي السوري مهم وضروري للشروع بعملية احتواء استنادا الى المصالح المشتركة والتقاء الاهداف بدلا من الدخول في مواجهة مع اكراد سوريا قد ينجم عنها تداعيات خطيرة على المنطقة برمتها.

3- تحويل التهديد الى فرصة:
ويعتقد البعض انّ الاعتماد على احد الخيارين السابقين لوحده يعني تكرار اخطاء الماضي وعدم الفصل بين المسألة الكردية والملف الامني الارهابي داخل تركيا. ولذلك يقترح البعض ان يتم تحويل التهديد الكردي الناجم عن انبعاث الورقة الكردية السورية في الحسابات الاقليمية الى فرصة من خلال مشروع الدستور الجديد الذي من شانه أن يكفل دستوريا لأكراد تركيا كافة الحقوق كما يحتم عليهم أداء كافة الواجبات تجاه الدولة التركية ويعزل بالتالي حزب العمّال الكردستاني. فتصبح تركيا في هذه الحالة في موقع ايجابي فيما يتعلق بنظرة أكراد الدول المجاورة اليها، كما انها تتفادى عبر هذا الحل تضخيم النزاعات الانفصالية الكردية، وبالتالي يتم تحويل التهديد الى فرصة ويتم دمج ذلك بتجربة العلاقة بين تركيا واقليم كردستان العراق بباقي المناطق في الدول المجاورة.

على انّ هذا المسار ليس بالقصير ولا السريع نظرا للتعقيدات التي لا تزال تحوم حول مشروع الدستور الجديد في تركيا، ناهيك عن انّ البعض لا يزال يشكك في مدى صحّة اذا ما كان بالامكان التخلي عن المسارين السابقين بانتظار هذا المسار ام المضي بجميع الخيارات دفعة واحدة.

—————————
* دراسة مقدمة لمعهد العربية للدراسات والتدريب.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة