الجيش الحروأطياف المعارضة.. بين الإنكاروالاتهامات

الساعة 255 مايو 2012آخر تحديث :
khwla hsnhd 301

khwla hsnhd 301بقلم: د. خولة حسن الحديد 
في لقاءات ومؤتمرات المعارضة السورية بمختلف أطيافها، وفي الأحاديث المتداولة على صفحات التواصل الاجتماعي،  وما ينشر في المواقع الإلكترونية المعنية بالثورة السورية، يكثر الجدل والنقاش حول “الجيش الحر”، ويمكن تلخيص مواقف المعارضة السياسية تجاهه بعدة نقاط تتراوح غالبيتها بين حالة الإنكار وكيل الاتهامات التي تبدأ من تحميل الجيش الحر مسؤولية الكثير من عمليات الخطف والقتل والفوضى في بعض المناطق، وصولاً إلى الإقرار بوجود عناصر أجنبية متطرفة سمح وجوده بدخولها البلاد بل تعاون معها حسب زعم بعضهم.. وليس انتهاء بانتشار فوضى السلاح.. وازدياد عدد الشهداء بعض ظهور الجيش الحر.. وغيرها من موبقات كثيرة تلصق به.

أولا وقبل أي نقاش على أطراف المعارضة الاعتراف بأنّ الجيش الحر أصبح وجوده واقعياً ولا يمكن إنكاره وتجاهله، وهذا الوجود الفعلي جاء نتيجة انشقاقات عدد كبير من الضباط والمجندين الذين رفضوا إطلاق الرصاص على المدنيين، وشهد كثير منهم كيف يعامل جيش الأسد الباسل الناس في كل منطقة يدخلها، إضافة إلى انضمام عدد من أبناء المناطق الثائرة إلى المنشقين كنتيجة طبيعية لما مورس عليهم لشهور طويلة من قتل وتنكيل وسلب ونهب وصل إلى حد الاغتصاب والتحرش بالنساء والذي كان السبب الرئيسي وراء حمل السلاح في كثير من المناطق.. ووجود الجيش الحر ينبغي أن يضع المعارضة السياسية أمام مسؤولية أكبر من حيث التواصل مع أفراده وقياداته، والعمل على تنظيمه، وتوفير الدعم المادي والإعلامي واللوجستي له، وعلى الجميع الاعتراف أنّ الجيش الحر لا يملك رفاهية حرية الحركة ولا رفاهية القدرة على التواصل بين فصائله وكتائبه المنتشرة من درعا جنوباً حتى ريف حلب الشمالي، وفقدان حرية الحركة هذه وعدم القدرة على التواصل، إضافة إلى غياب التوجيه السياسي والتثقيف المعنوي، وغياب أي دعم مادي حقيقي كل تلك العوامل كانت وراء الكثير من الأخطاء وانتشار الفوضى في بعض المناطق، وكل تلك العوامل سببها المعارضة التي انشغلت بتصفية حساباتها الشخصية والجري وراء مصالحها السياسية ومحاولات البحث عن حضور وهمي على الساحة السورية، وتركت الأمور تمشي على أرض الواقع بمشيئة الثوار وعناصر الجيش الحر الذين تُركوا لمصيرهم، ولمواصلة الثورة بقدراتهم الذاتية ودعم أقارب لهم في المغتربات لا أكثر، ومن حاول من بعض أطياف المعارضة تقديم الدعم أدخل الثورة في عملية البازار السياسي وأصبح الدعم مشروطاً بمواصفات معينة ولا يقدم إلا لمن تتوفر له، وبدأ استغلال دم الثوار من المدنيين والعسكر واستثمار حاجة الناس إلى الدعم تتجلى في تصرفات مختلف التيارات الإسلامية منها والعلمانية والليبرالية، فمنهم من سعى إلى فرض مظاهر الأسلمة وإبراز سمات دون غيرها على الثورة، وآخرين سعوا إلى فرض رؤاهم وأفكارهم التي لا تعبّر عن الناس لدرجة وصلت في بعض الأماكن إلى اشتراط أن يذهب الدعم إلى ضباط غير ملتزمين دينيا ولا يقيمون الصلاة مثلا.. وهذه شكاوى بتنا نسمعها من قبل الضباط أنفسهم.. وهنا يذكر العديد من أبناء المناطق بأن الدعم يذهب إلى أشخاص ومجموعات لا تمثلهم وهي بالنسبة لهم متسلقة وركبت ظهر الثورة.

لم تتخل غالبية أطراف المعارضة عن الجيش الحر وتنكر وجوده فقط.. وإنّما تحمّله مسؤولية انتشار المجموعات المسلحة غير المنضبطة، والكثير من الجرائم المتنقلة.. متناسية أنّ النظام قد سلّح غالبية القرى والأحياء الموالية له منذ الأسبوع الأول للثورة، هذا عدا عن ما يسمى بالحرس القومي، واتحاد طلبة سوريا، ونقابات العمال، إضافة إلى إطلاق السجناء من المحكومين بجرائم جنائية ومحكومين بالمؤبد أو الإعدام مقابل ضمان ولائهم للنظام ومساهمتهم في قمع الثورة.. وآل بري في حلب خير مثال على ذلك علماً أن الكثير من هؤلاء خرجوا الآن عن سيطرة النظام وأصبحوا يعملون لصالحهم الشخصي، كما لا يمكن تجاهل فتح الباب على مصراعيه لمسلحي حزب العمال الكردستاني الموجودين في شمال سوريا بكامل عتادهم، وينتشر عناصر منهم في دمشق وبعض قرى الساحل السوري.. كل هذا السلاح الذي نشره النظام لم يلفت نظر أحد من المعارضين ولم يتحدثوا عنه وإن تحدثوا عنه فعلى استحياء وخجل.. مثلما لم يتحدث حتى الآن أحد عن ظاهرة الشبيحة ووجوب إنهائها ومدى خطورتها على الشارع.. بل إن وجود الشبيحة كان مستفزاً لظهور السلاح أكثر مليون مرة من اقتحامات الأمن والجيش للمناطق.

أما الحديث عن وجود عناصر متطرفة ومسلحة في الشارع والتي أصبحت دليل وبرهان كل معارض يريد أن يهاجم الجيش الحر، فهذا أيضا فيه تجاهل إلى حقيقة واضحة للعيان لأنّ النظام وحده من يتحمل حماية الحدود وضبطها من جهة تلك الحدود التي يصطادون منها أي معارض أو ناشط أو حتى جريح ذاهب للعلاج، ومن جهة أخرى قد لا يخفى على أحد أنّ النظام السوري هو مهندس ومنظّم عدة جهات متطرفة بلغ عددها الآلاف كان يعدّها للمهام القذرة من العراق إلى مخيم نهر البارد في لبنان، وافتعال أحداث المخيمات الفلسطينية وعموم الساحة اللبنانية.. وهاهي بضاعتنا ترد إلينا لأنّ الساحة السورية الآن أولى من العراق.. أجل العراق الذي تدعم حكومته الآن النظام السوري لأسباب نعرفها جميعاً،و الذي وصلت يوما ما شكاوى حكومة المالكي إلى حد رفعها إلى الأمم المتحدة من أجل مساعدتها في لجم النظام السوري ومجموعاته المسلحة التي نشرها في الساحة العراقية..

وعن ازدياد عدد الشهداء منذ ظهور الجيش الحر نقول ببساطة لأنّ النظام استخدم الأسلحة الثقيلة على نطاق واسع، من أجل إرهاب الناس وترويعها، وعندما تقصف دبابة بناء سكني بالتأكيد سيسقط المئات من الشهداء.. وأما أن يعزو البعض دخول السلاح الثقيل إلى ظهور الجيش الحر فهذا إنكار لواقع يعرفه كل أبناء المناطق الثائرة التي دخلها السلاح الثقيل قبل الجيش الحر بشهور.. ومنها منطقتنا مدينة “تلبيسة” التي حاصرها الجيش منذ 16 نيسان 2011 واقتحمها وأقام في داخلها العشرات من الحواجز العسكرية منذ التاسع والعشرين من الشهر نفسه، وقصفت قلعتها التي تضم آلاف السكان المدنيين من البر والجو.. وبعدها بأكثر من سبعة شهور حتى ظهرت بوادر انشقاقات أبناء المنطقة من ضباط ومجندين وتشكلت بالتالي كتائب الجيش الحر وظهر السلاح.. وظهورها لم يزيد من عدد الشهداء بل العكس ارتاحت الناس على الأقل من استباحة الشبيحة لحاراتنا وبيوتنا وتم تفكيك عشرات الحواجز داخل المدينة لأنه أصبح هناك قوة ردع.. إن تقصفونا قصفناكم وببساطة..

في النهاية تتحمل المعارضة السياسية كما يتحمل النظام جزءاً كبير من مسؤولية الفوضى الحاصلة على الأرض، والتي لا ينكرها أحد ولا يمكن تحميل الجيش الحر مسؤوليتها لما ذكر من أسباب سابقا.. وعوضاً عن إدانة هؤلاء الشباب وتصويرهم كقتلة و قاطعي طرق، يجب العمل على دعمهم ومأسستهم وتثقيفهم سياسيا، والتواصل معهم وتأطير خطابهم الإعلامي، وتوحيد صفوف كتائب الجيش الحر ووحداته وتوحيد خطابه السياسي هو الضامن الوحيد لضبط انتشار فوضى السلاح وظهور حالات ميلشوية مستقبلاً، وهذا ما كان سيحصل فعلياً لولا انشقاق عناصر عسكرية في كل منطقة، والتي عملت وتعمل على ضبط وتنظيم العمل المسلح داخل مناطقها،ووصلت عملية اتلنظيم والضبط إلى درجة عالية من الانضباط في كثير من المناطق التي لا نستطيع الكشف عنها وعن تفاصيل ما يجري فيها.

وأخيراً يجب علينا جميعا ألا نتجاهل أن عناصر الجيش الحر هم أولادنا، ووجودهم الذي لم يقرّره أحد منّا يجب أن يكون الضامن لفوضى انتشار السلاح، كما أنّه لا ينبغي أن نتجاهل الدعم الشعبي له والذي يرفع اللافتات باسمه، وتسمية أيام جمع ثورية دعما له..، كما أنّ المناطق التي كان يتواجد فيها الجيش الحر لم تتعرض إلى ارتكاب مجازر بحق المدنيين إلا بعد خروجه منها.. بابا عمرو وقلعة المضيق و الزبداني أمثلة ناصعة.. وانسحاب الجيش الحر من كثير من المناطق لم يحول دون الانتقام الجماعي من سكان تلك المناطق من قبل جيش الأسد.. ووجود أخطاء فردية هنا وهناك ينبغي أن تُقرأ بواقعية ويتم العمل على علاجها في حينها، ولا يتحمل الجيش الحر الملاحق والشبه مُشرّد مسؤولية كل ذلك إلا بدرجة أقل كثيراً مما تتحمله المعارضة التي تعيش في أبراجها العاجية، وأفكارها الطوباوية، وربّما دخول المجلس الوطني على خط التواصل مع الجيش والإعلان عن دعمه، وتأسيس مؤسسة عسكرية مؤخراً قد يكون بداية الحل على طريق المأسسة وتوفير الغطاء السياسي له، لأنه شئنا أم أبينا هؤلاء موجودون والقطيعة معهم وتحميلهم مسؤولية كل انحرافات الثورة لا جدوى منه إلا مزيد من تبادل الاتهامات وشرذمة المعارضة أكثر مما هي عليه.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة