فرص مواتية لمبادرة كيسنجر

محمود زين الدين30 مايو 2022آخر تحديث :
كيسنجر

ضم فنلندا والسويد إلى حلف الناتو سيؤدي إلى تكثيف التموضع العسكري الأطلسي على الحدود مع روسيا.
تصلب روسي له أصداؤه الغربية العسكرية والسياسية المتصاعدة التي يرجح أن تصل بالأزمة إلى نقطة «التوازن».
الحرب الدائرة تجاوزت كثيراً، كونها حرباً روسية أوكرانية، أو حتى كونها هجوماً روسياً، وتتجه لتصبح حرباً أطلسية روسية على الأراضي الأوكرانية.
«يجب ألا تكون لدى أحد أوهام بأن روسيا ستقبل ببساطة انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو» فسيتغير «العالم جذريا بعد قرار السويد وفنلندا الانضمام للحلف».
دعوة كيسنجر تنطلق من فكرة تجعل أوكرانيا خطا فاصلا محايدا بين روسيا وأوروبا ويقول إن «تحقيق وضع محايد لأوكرانيا وتشكيلها كجسر بين روسيا وأوروبا هو الهدف الرئيسي حاليا».
«انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي سيستغرق 15 أو 20 عاماً»، ما يعنى وجود ميل أوروبي للتراجع واحتمال قبول دعوة كيسنجر، التي قد تجد آذاناً صاغية لدى الطرفين مع تفاقم خطر المواجهة المباشرة.
* * *
على العكس من انجذاب معظم المفكرين الغربيين والأمريكيين على وجه الخصوص لإغراءات التصعيد ضد روسيا والاندفاع نحو حرب عالمية باردة جديدة غير مأمونة احتمالات تحولها إلى «حرب ساخنة»، فاجأ هنري كيسنجر وزير الخارجية مستشار الأمن القومى الأمريكي الأسبق أقرانه وتلاميذه في مدرسة «الواقعية السياسية» بالسباحة عكس التيار بالنسبة للتطورات المتصاعدة للحرب الدائرة هناك، التي تجاوزت كثيراً، كونها حرباً روسية – أوكرانية، أو حتى كونها هجوماً روسياً، وتتجه لتصبح حرباً أطلسية – روسية على الأراضي الأوكرانية.
ولعل هذا ما أثار انزعاج كسينجر الذي كانت له الريادة والفضل في محاصرة الحرب الباردة الأمريكية – السوفييتية، وقيام علاقات دبلوماسية بين بلاده والصين.
فمن خلال متابعته للتطورات الدرامية للصراع الدائر في أوكرانيا، في أبعاده الثلاثة: العسكرية والاقتصادية والسياسية، أدرك كيسنجر أن هذا الصراع يمكن أن يتحول بين عشية وضحاها إلى حرب مباشرة بين روسيا والولايات المتحدة، بما يعنيه ذلك من احتمال اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية، وخطر ذلك على الأمن والاستقرار العالميين، بادر كيسنجر للدعوة إلى أن «التسوية في أوكرانيا يجب أن تبدأ خلال الشهرين المقبلين لتجنب العواقب الوخيمة في العلاقات الدولية بأوروبا».
دعوة كيسنجر، جاءت في مداخلة (عبر الفيديو) شارك بها في المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس». في هذه المداخلة انطلق كيسنجر من الأمر الواقع كما هو الآن ميدانياً في أوكرانيا عبر «إعادة الخط الفاصل (بين روسيا وأوكرانيا) إلى الوضع الراهن (الذي يعكس سيطرة روسيا على إقليم دونباس، بحيث تكون حدود هذا الإقليم مع أوكرانيا هي الخط الفاصل بين روسيا وأوكرانيا)، مشيراً إلى أن «نتيجة الأزمة الحالية في أوكرانيا في المجالين العسكري والسياسي ستؤثر على العلاقات بين البلدان في المستقبل».
جوهر دعوة كيسنجر تنطلق من فكرة محورية هي جعل أوكرانيا خطاً فاصلاً محايداً بين روسيا وأوروبا. ويقول في هذا الصدد إن «تحقيق الوضع المحايد لأوكرانيا وتشكيلها كجسر بين روسيا وأوروبا هو الهدف الرئيسي في الوضع الحالي».
تحويل أوكرانيا إلى «جسر محايد وعازل» بين روسيا وأوروبا يعني الإنصات الجيد لمخاوف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخاصة برفضه جهود ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي.
كما أن هذه الدعوة تجيء في أعقاب بدء جهود ضم كل من فنلندا والسويد إلى حلف الأطلسي، الذي سيحقق مكاسب استراتيجية هائلة للحلف في مواجهة روسيا عوضاً عن ضم أوكرانيا لهذا الحلف.
فضم فنلندا والسويد إلى الحلف سيؤدي إلى تكثيف التموضع العسكري الأطلسي على الحدود مع روسيا التي تمتد لمسافة 1360 كلم بين فنلندا وروسيا، إضافة بالطبع إلى مسافة أخرى تصل إلى 1200 كم هي حدود كل من بولندا والنرويج وإستونيا وليتوانيا كدول أطلسية مع روسيا.
حتماً يعرف كيسنجر قيمة ما يمكن أن يضيفه انضمام فنلندا والسويد لحلف شمال الأطلسي من قوة استراتيجية في مواجهة روسيا وبالذات من منظور «الاحتواء» و«محاصرة روسيا داخل حدودها بسياج قوي من دول أعضاء بالحلف». وحتماً يعرف أن قادة الحلف يعرفون ذلك جيداً، لذلك هو يرى أن ثمن التخلي عن مطلب ضم أوكرانيا إلى هذا الحلف يمكن أن يكون ثمناً مرضياً للطرفين الروسي والأطلسي، أي أوكرانيا المحايدة مقابل فنلندا والسويد الأطلسيتين. هل سيقبل الغرب وهل ستقبل روسيا بهذه المقايضة؟
السؤال مهم في ظل التصعيد من جانب الطرفين عسكرياً واقتصادياً وسياسياً. روسيا تحقق مكاسب عسكرية مهمة في أوكرانيا، فقد أكملت سيطرتها على ميناء ماريوبول الاستراتيجي بعد فرض سيطرتها الكاملة على المدينة وإجبار كل الجنود المحتشدين فى مصنع آزوفستال على الاستسلام ونقلهم إلى موسكو كأسرى حرب، ومن ثم تأمين الطريق البري بين الأراضي الروسية وبين شبه جزيرة القرم.
وها هي تتجه إلى إكمال سيطرتها على إقليم دونباس الأوكراني الذي ينطق أهله باللغة الروسية. في ذات الوقت استطاعت روسيا التغلب بدرجة ملحوظة على كل إجراءات مقاطعتها، وها هي تمنع تصدير الغاز إلى فنلندا وبلغاريا وبولندا، وتعلن رفضها إجراءات ضم فنلندا والسويد إلى حلف الأطلسي، وفقاً لما جاء على لسان سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي الذي قال «يجب ألا تكون لدى أحد أوهام بأن روسيا ستقبل ببساطة انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو» مشيراً إلى أن «العالم سيتغير بشكل جذري بعد قرار السويد وفنلندا الانضمام إلى الحلف».
تصلب روسي له أصداؤه الغربية العسكرية والسياسية المتصاعدة التي من المرجح أن تصل بالأزمة إلى نقطة «التوازن» التي بدأت مؤشراتها بإعلان وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمان بون (2022/5/22) أن «انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي سيستغرق على الأرجح 15 أو 20 عاماً»، ما يعنى وجود ميل أوروبي للتراجع ولاحتمال قبول دعوة كيسنجر، التي ربما تجد آذاناً صاغية لدى الطرفين مع تفاقم خطر المواجهة المباشرة.
* د. محمد السعيد إدريس خبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام
المصدر: الخليج – الدوحة

موضوعات تهمك:

“مبادئ كيسنجر”.. هل تنقذ ما بقي من أوكرانيا؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة