سيدنى بواتييه

محمود زين الدين26 يناير 2022آخر تحديث :
سيدنى بواتييه

القيمة الحقيقية لنجم هوليوود الذى توفى هذا الشهر، ترتبط بالتاريخ السياسى لبلاده والجدل الذى أثير حوله يجسد معضلتها المتعلقة بالمسألة العرقية.

لأول مرة على الشاشة الأمريكية، نجد أسود يرد عن نفسه عدوان شخص أبيض. كان ذلك في لحظة تاريخية كان فيها الفصل العنصرى لايزال سائدًا.

اتخذ بواتييه مواقف براغماتية تسعى للممكن فى لحظة تاريخية كان فيها مجتمعه يموج بالغليان، ويختبر فيه السود مسارات مختلفة على طريق العدل والحرية.

كان مثيرًا للجدل على الشاشة وبعيدًا عنها أيضًا. فقد كان البيض ينتقدونه لأنه يقدم صورة ناصعة للسود عبر اختيار شخصيات بالغة الوقار خالية من العيوب والضعف الإنسانى.

كشف اغتيال كينغ، من وجهة نظر الراديكاليين، عن صحة رؤيتهم لمحدودية سقف حركة الحقوق المدنية وما يمكنها تحقيقه واعتبروا بواتييه محسوبًا على الحركة واتهموه بمهادنة سلطة البيض.

* * *

بقلم: منار الشوربجي

القيمة الحقيقية لنجم هوليوود، سيدنى بواتييه، الذى توفى هذا الشهر، ترتبط بالتاريخ السياسى لبلاده. والجدل الذى أثير حوله يجسد معضلتها المتعلقة بالمسألة العرقية.
فـ«بواتييه» شق طريقه فى السينما بعد الحرب العالمية الثانية، وهى المرحلة التى شهدت قسوة الفصل العنصرى بأمريكا. وهو حصل على جائزة الأوسكار عام 1963، فكان بذلك أول أمريكى أسود يحصل على الجائزة عن دور البطولة. لكن دور البطولة ذاك لم يكن ذا علاقة بالمسألة العرقية. لذلك فإن أهم أدوار بواتييه التى خلدت اسمه، كانت تلك التى جاءت بعد حصوله على الأوسكار لا قبلها.
ورغم أن أول ما يأتى على ذهن الكثيرين، فى أمريكا وخارجها، بمجرد ذكر اسم بواتييه هو فيلم «انظر من جاء على العشاء»، فإن أهم أفلامه، فى تقديرى، هو فيلم «فى ليل ساخن».
صحيح أن «انظر من جاء على العشاء» كسر واحدًا من محرمات المجتمع الأمريكى، أى قضية الزواج بين البيض والسود، والتى لاتزال جدلية حتى اليوم بالجنوب الأمريكى، إلا أن فيلم «فى ليل ساخن»، المأخوذ عن رواية بالاسم نفسه لجون بال، يظل علامة فارقة ليس بسبب المحرمات التى كسرها فقط وإنما لأنه كان صادمًا للمشاهدين البيض والسود على السواء وقتها.
فأهم مشاهد الفيلم غير الموجودة بالرواية الأصلية، والذى أصر بواتييه على عدم حذفه رغم جدليته، هو مشهد أشهر صفعة فى السينما الأمريكية.
فهو يقوم بدور ضابط شرطة أسود يدعى فيرجيل تيبز اضطر للتعاون، لحل لغز جريمة قتل، مع زميل أبيض عنصرى بعد أن كان الأخير قد ألقى القبض عليه فى محطة القطار بسبب لون بشرته. وأثناء استجواب تيبز وزميله أحد أغنياء المدينة البيض، يصفع المتهم الضابط الأسود على وجهه، فما كان منه إلا أن رد له الصفعة فورًا.
فلأول مرة على الشاشة الأمريكية، نجد أسود يرد عن نفسه عدوان شخص أبيض. كان ذلك فى لحظة تاريخية كان فيها الفصل العنصرى لايزال سائدًا.
وبواتييه كان مثيرًا للجدل على الشاشة وبعيدًا عنها أيضًا. فعلى الشاشة، كان البيض ينتقدونه لأنه يقدم صورة ناصعة للسود عبر اختيار شخصيات بالغة الوقار خالية من العيوب والضعف الإنسانى.
وبواتييه كان يتعمد ذلك فعلًا، إذ رفض أن يلعب الأدوار التى تكرس الصورة النمطية العنصرية التى لم تكن تقدم السود إلا باعتبارهم فقط فى قاع المجتمع بكل ما يحمله من فقر وعنف وجرائم، ومتجاهلة المهنيين منهم والمهرة والأذكياء.
أما بعيدًا عن الشاشة فقد اشترك سيدنى بواتييه فى مسيرات مارتن لوثر كينغ، بل وساعد زميله الفنان الأكثر راديكالية هارى بيلافونتى فى توصيل مساعدات مالية سرية لحركة الشباب فى ولاية مسيسبى، قلعة العنصرية وقتها.
وهو الموقف الذى قرر بواتييه ألا يكرره أبدًا. ومن هنا كان بواتييه مثيرًا للجدل حتى بين السود. ففى تلك المرحلة من الستينيات، برز التباين بين تيار مارتن لوثر كينغ الذى كان يهدف لدمج السود بالمجتمع على أسس المساواة، وتيار راديكالى سعى لدعم قوة السود الذاتية وحمايتهم من عدوان البيض.
وكان اغتيال كينغ، من وجهة نظر الراديكاليين، يكشف عن صحة رؤيتهم لمحدودية سقف حركة الحقوق المدنية وما يمكنها تحقيقه، وبالتالى اعتبروا بواتييه محسوبًا على حركة الحقوق المدنية واتهموه بمهادنة سلطة البيض.
وبواتييه كان فعلًا يتخذ مواقف براغماتية تسعى للممكن فى لحظة تاريخية كان فيها مجتمعه يموج بالغليان، ويختبر فيه السود المسارات المختلفة على طريق العدل والحرية.

* منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد، باحثة في الشأن الأمريكي
المصدر| المصري اليوم

موضوعات تهمك:

الحاج مالك الشاباز

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة