بولسونارو بعد ترامب: أخطار القدوة الحمقاء

محمود زين الدين11 يناير 2023آخر تحديث :
بولسونارو

لا يبدو أن لعبة بولسونارو الانقلابية ستنتهي في البرازيل إلى حال أفضل من تلك التي انتهت إليها ألعاب ترامب بالولايات المتحدة.
اقتحم أنصار بولسونارو القصر الرئاسي والبرلمان والمحكمة العليا وارتكبوا تخريبا ونهبا وإتلاف تحف معمارية ومقتنيات فنية وتاريخية اقتداء بأنصار ترامب!
تشهد البرازيل استقطابات سياسية واجتماعية واقتصادية وإيديولوجية لا سابق لها انعكست في أنساق من الاضطرابات وتضارب السياسات بين اليسار واليمين.
بولسونارو الرئيس السابق والمرشح الخاسر لم يكف عن الاقتداء بترامب في قضايا البيئة والغابات الاستوائية وكورونا وبناء شبكات الولاء وتسخير الإنجيليين والتشكيك بنتائج الانتخابات.
* * *
الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البرازيل في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي أسفرت عن فوز لويس إيناسيو لولا دا سيلفا وهزيمة الرئيس السابق جايير بولسونارو، ورغم أنها جرت على دورتين وحُسمت لصالح لولا بفارق ضئيل لم يتجاوز 51% فإنها خلّفت انشقاقات عميقة بالمجتمع البرازيلي، ولم يكن مفاجئاً أن تتفجر مظاهرها ويأخذ بعضها هيئة عنيفة.
السبب الأول يعود إلى أن البلاد تشهد استقطابات سياسية واجتماعية واقتصادية وإيديولوجية لا سابق لها في تقدير الكثير من مراقبي التاريخ الحديث للبلد الأكبر في قارة أمريكا اللاتينية، انعكست في أنساق مختلفة من الاضطرابات وتضارب السياسات بين اليسار واليمين.
السبب الثاني هو أن الرئيس السابق والمرشح الخاسر لم يكف عن الاقتداء بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، سواء في خيارات التعامل مع البيئة والغابات الاستوائية وجائحة كورونا، أم في بناء شبكات الولاء وتسخير العقائد الدينية الإنجيلية والتشكيك في نتائج الانتخابات الرئاسية.
كان مفاجئاً في المقابل أن تذهب بعض مظاهر العصيان ضد انتخاب الرئيس الشرعي الحالي إلى هذا المستوى الخطير الذي شهدته العاصمة البرازيلية مؤخراً، وتمثل في إقدام أنصار بولسونارو على اقتحام القصر الرئاسي ومقرّي البرلمان والمحكمة العليا وارتكاب أعمال التخريب والنهب وإتلاف بعض التحف المعمارية والمقتنيات الفنية والتاريخية التي تحتويها هذه المباني، في اقتباس لا يخفى لاقتحام أنصار ترامب مبنى الكابيتول في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 6 كانون الثاني/ يناير 2021.
وكانت جديرة بالانتباه على نحو خاص السهولة الواضحة التي اكتنفت نجاح مئات من الغوغاء أنصار بولسونارو في تجاوز حواجز الشرطة والتوغل سريعاً في أروقة المباني الثلاثة، والضعف النسبي الذي اتسمت به مقاومة رجال الشرطة ومفارز الحرس في مقارّ كبرى ليست خلاصة الدولة والسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية فحسب، بل هي كذلك رموز الديمقراطية البرازيلية وسيادة القانون وتوازن السلطات.
ومن المشروع أن يُقرأ هذا التفصيل على خلفية وجود دولة عميقة من طراز ما، خاصة في قلب أجهزة الشرطة والأمن، ما تزال تدين بالولاء للرئيس السابق أو تتقارب معه في سياساته وعقائده، وفي الآن ذاته تناصب الرئيس الجديد نوعاً من التحفظ أو حتى العداء والتنافر سياسياً وعقائدياً.
وبهذا المعنى تُفهم قرارات مكتب المدعي العام في البرازيل باعتقال وزير الأمن العام، والمحكمة العليا بإعفاء حاكم العاصمة من منصبه لمدة 90 يوماً.
ورغم مسارعة بولسونارو إلى نفي مسؤوليته عن تحريض أنصاره على اقتحام المقارّ الثلاثة، فإن اكتفاءه بتوصيف الانتهاكات تحت خانة «التجاوز» يدل في ذاته على مدى استهانته بما جرى، أو تلميحه ضمناً إلى أن تكرار وقائع كهذه ليست جناية منكرة بحق المؤسسات القانونية والنظام الديمقراطي البرازيلي في ذاته.
ومن منتجع استجمامه في فلوريدا، غير بعيد عن مسكن قدوته العليا ترامب، لا يلوح أن لعبة بولسونارو الانقلابية سوف تنتهي في البرازيل إلى حال أفضل من تلك التي انتهت إليها ألعاب ترامب في الولايات المتحدة.
وذلك بالطبع لا يلغي أخطار المستقبل الكامنة في لعبة اقتداء حمقاء، مستقرها سلّة مهملات التاريخ.

المصدر: القدس العربي

موضوعات تهمك:

تحديات أمام لولا دا سيلفا بولايته الثالثة رئيساً للبرازيل

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة