الواقعية والنضال للوحدة العربية

محمود زين الدين17 ديسمبر 2022آخر تحديث :
الواقعية

ينبغي إبعاد شعار الوحدة العربية عن أن يكون مجرد تعبير عن مشاعر وأحلام ومقولات نظرية، في أذهان شباب الأمة العربية.
يتعرض شباب العرب لحملة استعمارية صهيونية وتشويه متعمد من أصحاب المصالح بالداخل للحط من أهمية الشعار القومي وقتله في ذاكرة الأمة.
كثيراً ما يكون فشل تطبيق الأفكار والشعارات الكبرى في الواقع يعود لنواقص بإرادة ووسائل من حاولوا تطبيقها، لا لعيوب في صحة تلك الأفكار والشعارات.
* * *

بقلم: د. علي محمد فخرو
قلنا في مقالين سابقين، بأهمية وضرورة إبعاد شعار الوحدة العربية عن أن يكون ليس أكثر من تعبير عن مشاعر وأحلام ومقولات نظرية، خصوصاً في أذهان شابات وشباب الأمة العربية، الذين يتعرضون لحملة استعمارية ـ صهيونية من الخارج، ولتشويه متعمد من بعض أصحاب المصالح في الداخل، بقصد الحط من أهمية هذا الشعار القومي وإماتته في ذاكرة الأمة الجمعية.
من هنا الضرورة القصوى لربط شعار الوحدة بمنطلقات وأهداف ووسائل، ترتبط أشد الارتباط بواقع الأمة، وقد تحدثنا في مقال الأسبوع الماضي عن أهمية منطلق الهوية العروبية كمدخل لعوالم الوحدة العربية. في اعتقادنا أن المنطلق الثاني هو الاتفاق على إبعاد شعار الوحدة العربية عن التزمت والجمود في الزمان والمكان، وإدخاله في لعبة التفضيل والأولويات التي لا تقدم ولا تؤخر، من أجل ذلك نحتاج للتركيز على ما يلي:
1. مراجعة ونقد التجارب الوحدوية السابقة من أجل استيعاب دروس إخفاقاتها، وليس من أجل، كما يريد أعداء الوحدة العربية، الكفر بها والابتعاد عن النضال من أجل تحققها بصور أفضل. كثيراً ما يكون الفشل في تطبيق الأفكار والشعارات الكبرى في الواقع يعود إلى نواقص في إرادة ووسائل من حاولوا تطبيقها في الواقع، وليس بسبب عيوب في صحة وسلامة وأهمية تلك الأفكار والشعارات.
2. الاتفاق على الإطار الأنسب والأكثر واقعية للوحدة العربية المنشودة، وهناك تجارب وحدوية عالمية كثيرة للأخذ بأصلحها وأجداها، وأكثرها قبولاً من قبل المجتمعات والشعوب. وقد تبين أن هناك مصاعب واقعية كثيرة في بعض الوحدات القومية الاندماجية الشاملة، وتبين أن الوصول إلى ذلك النوع من الوحدة، كما كان يطلبها القوميون العرب في الماضي القريب ولا يقبلون بغيرها، يجب أن يسبقه قيام الدولة القومية الاتحادية، مع تفضيل كبير للاتحاد الكونفيدرالي في بادئ الأمر. وهذه النقطة لها أهمية كبيرة لنا، نحن العرب، بسبب وجود الدول العربية القطرية الراسخ في الواقع العربي، الذي بنى عبر السنين، مصالح وأوضاع محلية تحتاج أن تؤخذ بعين الاعتبار عند الحديث عن أي نوع كان من الوحدة، لكن أخذ المصالح والأوضاع المحلية لا يتحقق بشكل معقول ومقبول إلا في الدولة الكونفيدرالية، حيث توجد سلطات محلية (قطرية) مسؤولة عن الكثير من الخدمات المحلية وسلطات كونفيدرالية مركزية مسؤولة عن بعض الخدمات والمصالح والممارسات المشتركة بين الأجزاء.
3. وحتى قبل الوصول إلى الوحدة الكونفيدرالية تلك، هناك مداخل وخطوات مساعدة يجب أن لا تُغفل ويجب النضال من أجل تحققها، مثل التضامن أو التنسيق أو التعاون أو التوحيد الجزئي في بعض جوانب الاقتصاد والسياسة والأمن والعلوم والتكنولوجيا وغيرها.
4. ولذلك فإن تحقيق الوحدة العربية هو مشروع ممتد في الزمن العربي والجغرافيا العربية، وتوفر الإرادة العربية المستقل غير المخترقة من قبل الخارج أو الداخل. وبمقدار ما سيحتاج ذلك إلى استعمال الواقعية في المراحل التطبيقية المتعاقبة التراكمية، سيحتاج أيضاً إلى قوى سياسية ونقابية ومهنية ومدنية أخرى كثيرة، تناضل من أجل التوجه والتحقق التراكمي نحو ذلك الشعار.
من دون ذلك النضال المنظم العنيد، واندماج شباب وشابات الأمة فيه، سيكون من السهل لأعداء الوحدة العربية، وعلى الأخص القوى الاستعمارية والصهيونية الكارهة لأي وحدة عربية، بل العاملة على تمزيقها، أن يمنعوا تحققها بشتى الصور، تماماً كما فعلوا ونجحوا طيلة القرن الماضي.

*د. علي محمد فخرو سياسي ومفكر قومي بحريني

المصدر: الشروق – القاهرة

موضوعات تهمك:

العروبة في مونديال قطر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة