المسيرات الإيرانية والتركية تغير جزءا من العالم

محمود زين الدين24 نوفمبر 2022آخر تحديث :
المسيرات

قام عدد من الدول منها أوروبية بالتوقيع مع تركيا لشراء طائراتها المسيرة الحربية.
إذا كانت المسيرات الإيرانية بهذا المستوى فكيف سيكون مستوى صواريخها؟
توقيع روسيا اتفاقية مع إيران لتصنيع “شاهد 136” وغيرها بروسيا يؤكد تقدم الصناعة العسكرية الإيرانية.
أدركت إيران وتركيا مفهوم الأمن القومي العميق فاستثمرت في البحث العلمي العسكري الذي يرتبط بنهاية المطاف بالتقدم الصناعي عموما.
كان يكفي توقيع دولة كبرى صفقة سلاح كبيرة مع دولة معنية، ولو صغيرة، لتجعلها قوة إقليمية قادرة على فرض شروطها على الدول المجاورة لها.
لم يعد قرار صنع دولة إقليمية، بفضل صفقات الأسلحة، مقتصرا على دول الغرب وروسيا، بل سيصبح بمقدور إيران وتركيا القيام بالدور نفسه نسبيا.
مسيرات «بيرقدار» التركية سمحت لجيش أوكرانيا بقدر من المقاومة بمواجهة التقدم البري الروسي، بل واستهداف قطع سلاح بحرية في البحر الأسود.
منذ القرن 18، سيطر الغرب ولاحقا روسيا على صناعة الأسلحة، مما يفسر التوسع الاستعماري، فكل عملية استعمارية تعتمد على قوة السلاح وليس قوة الاقتصاد.
لو قررت إيران تزويد دولة عربية بشمال افريقيا بالصواريخ والمسيرات ومنظومة الدفاع الجوي، ستخلق قلقا حقيقيا لأوروبا، خاصة دولها المطلة على البحر المتوسط.
* * *

بقلم: د. حسين مجدوبي

تقدم عدد من الدول الغربية إلى مجلس الأمن الدولي بطلب لمناقشة استعمال روسيا الطائرات المسيرة الإيرانية في حرب أوكرانيا، وبالتالي معاقبة طهران. وهذه المبادرة تعتبر إحدى المنعطفات الكبرى التي حملتها هذه الحرب، ويضاف إليها استعمال المسيرات التركية. وهي معطيات تؤكد التغييرات المقبلة في المشهد الجيوسياسي العالمي.
اعتاد العالم خلال العقود الأخيرة سماع أسماء السلاح الغربي والسوفياتي، ولاحقا الروسي، وعادة ما جرى استعمال أسلحة روسية أو أمريكية، وبدرجة أقل فرنسية وبريطانية.
ولهذا، استأنس الرأي العام العالمي بسماع أسماء طائرات من نوع أف-16 أو أف-15، ثم منظومات صواريخ مثل باتريوت أو توماهاوك، وهي أمريكية. كما اعتاد سماع أسماء أسلحة روسية مثل ميغ بأنواعها ومنظومة صواريخ عائلة أس.
ورغم دخول الصين السوق العالمية للسلاح، وتقدمها المبهر في الصناعة العسكرية، لا يسمع الكثيرون عن السلاح الصيني لأنه لم يستعمل كثيرا في الحروب حتى الآن، علما أن دولا تعتمد عليها بشكل كبير لتحقيق نوع من الردع النسبي في مواجهة أطراف أخرى.
ولعل المثال البارز هو اقتناء المغرب لأسلحة نوعية من الصين من راجمات طويلة المدى ومنظومة دفاع متطورة الدرع الدفاعي-2000 تقلل من خطر سلاح الجو الإسباني.
غير أن حرب أوكرانيا حملت جديدا في عالم السلاح، وكلمة جديد هنا دالة على أعمق معانيها، لأن الأمر يتعلق بقفزة ليست نوعية، بل تاريخية. ذلك أن منذ القرن الثامن عشر، سيطر الغرب ولاحقا روسيا على صناعة الأسلحة، وهو ما يفسر التوسع الاستعماري، فكل عملية استعمارية تعتمد على قوة السلاح وليس قوة الاقتصاد.
وؤفي هذا الصدد، لا يمكن فهم قوة إسرائيل في الشرق الأوسط، من دون صفقات السلاح الأمريكي. وبدأت هذه اللوحة العسكرية تتغير خلال العقد الأخير وبشكل سريع بفضل دخول دول كانت، وبعضها ما زال يصنف من العالم الثالث، دول من الجنوب، الصناعة العسكرية بخطى ثابتة وقوية، بدأت تؤثر في الموازين على الأقل إقليميا.
ويبقى المثال الساطع والنوعي هو أنه لأول مرة خلال القرون الأخيرة، تجري حرب في القارة الأوروبية، ويتم استعمال السلاح المقبل من الجنوب، من تركيا وإيران.
علاقة بهذا، لم يصدق الخبراء في البدء الدور القوي للمسيرات التركية من نوع «بيرقدار» التي سمحت للجيش الأوكراني بنوع من المقاومة في مواجهة التقدم البري الروسي، بل واستهداف قطع سلاح بحرية في البحر الأسود.
ويكفي أن الجيش الأوكراني ألف أغنية يتغنى فيها بمزايا هذا الدرون. في المقابل، لا أحد كان ينتظر من روسيا المتطورة في سلاح الجو وفي صناعة الصواريخ، أن تلجأ إلى الطائرات المسيرة من صنع إيراني “شاهد 136” لتفادي منظومة الصواريخ الأوكرانية المكونة من خليط من صنع سوفياتي أس-300 وكذلك غربية.
وكانت «شاهد 136» قد سجلت حضورها يوم 14 سبتمبر/أيلول 2019 عندما هاجمت محطة بقيق السعودية، أكبر محطة لتكرير النفط في العالم، ولم تنجح منظومة باتريوت في اعتراضها.
إيران لم تعلن الهجوم، لكن كل الأصابع كانت تشير إليها. ولا تقتصر موسكو على اللجوء إلى الشاهد 136 لضرب الجيش الأوكراني ومنشآت الطاقة، بل وقعت اتفاقا مع إيران لتصنيع هذه الطائرة في الأراضي الروسية، حسبما نقلت «واشنطن بوست» منذ أيام.
وهذا يجر إلى تساءل عريض: إذا كانت المسيرات الإيرانية بهذا المستوى، فكيف سيكون مستوى صواريخها؟ ويعد قرار روسيا توقيع اتفاقية مع إيران لتصنيع «شاهد 136» وأنواع أخرى في روسيا تطورا لافتا يؤكد مدى التقدم الذي حققته الصناعة العسكرية الإيرانية. وقام عدد من الدول منها أوروبية بالتوقيع مع تركيا لشراء طائراتها المسيرة.
لعل العنوان البارز لهذا التطور هو لجوء الشمال إلى أسلحة من الجنوب، ثم حدوث أول مواجهة عسكرية بين أسلحة مصنعة في الجنوب في حرب في الشمال. وبعيدا عن مثل هذه العناوين التي تبدو براقة وقد تكون عاطفية للغاية، واعتمادا على نوعية السلاح التركي والإيراني في هذه الحرب، فالنتائج المرتقبة مهمة جيوسياسيا على جزء من العالم، ويمكن تلخيصها:
في المقام الأول، تدرك كل من إيران وتركيا المفهوم العميق للأمن القومي، ولهذا استثمرت في البحث العلمي العسكري الذي يبقى في آخر المطاف مرتبطا كذلك بالتقدم الصناعي عموما.
فقد نجحت في سياستها بإعطاء البحث العلمي مكانته الحقيقية لتعزيز الأمن القومي، ليس فقط العسكري، بل كذلك الغذائي والطبي. ولهذا، فالتقدم المحرز في الصناعة العسكرية في البلدين يوازيه تقدم مماثل في الصناعة المدنية والطبية والغذائية وقطاعات أخرى. ويحدث هذا في وقت فشل فيه عدد من الدول العربية في مختلف القطاعات ومنها، الصناعة العسكرية مثل حالتي مصر والسعودية.
في المقام الثاني، لم يعد قرار صنع دولة إقليمية، بفضل صفقات الأسلحة، مقتصرا على الدول الغربية وروسيا، بل سيصبح بمقدور إيران وتركيا القيام بالدور نفسه نسبيا.
فلنتأمل هذا المشهد: لو قررت إيران الآن تزويدها أي دولة عربية مثلا في شمال افريقيا بالصواريخ وطائرات المسيرات ومنظومة الدفاع الجوي، فوقتها ستخلق قلقا حقيقيا في الاتحاد الأوروبي، خاصة لدوله المطلة على البحر الأبيض المتوسط.
عبر التاريخ، تميز السلاح بتغيير مجرى تاريخ العالم، والآن، يغير الدرون التركي والإيراني نسبيا «جزءا صغيرا» من هذا العالم. من كان ينتظر أن يشتكي الغرب في مجلس الأمن من سلاح كلاسيكي مثل المسيرات الإيرانية، ومن كان ينتظر إقبال دول غربية على المسيرات التركية. التاريخ يحمل مفاجآت.

*د. حسين مجدوبي كاتب وباحث مغربي

المصدر: القدس العربي

موضوعات تهمك:

آفاق المواجهة الإيرانية الإسرائيلية في أوكرانيا

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة