المال والسياسة فى أمريكا

محمود زين الدين15 ديسمبر 2022آخر تحديث :
أمريكا

يظل يهود أمريكا بأغلبيتهم على يسار السياسة الأمريكية، ويصوتون للديمقراطيين بنسبة لا تقل عن 70% في الانتخابات العامة.
دعا رئيس جيه ستريت «ربما آن الأوان لأن يكون هناك بعض الرقابة والمحاسبة للكيفية التي يتم بها إنفاق مساعداتنا لإسرائيل».
تحولات تطرح السؤال عما يدفع إدارة بايدن، وأى إدارة غيرها، لاتخاذ موقف الدعم غير المشروط لإسرائيل رغم اختلاف موقف يهود أمريكا.
قال بن عامي إن هوية اليهود الأمريكيين «يتحتم أن تنبنى على الالتزام، ليس تجاه عَلَم أو قطعة أرض، وإنما على الالتزام بمنظومة من المبادئ والقيم».
خطاب بلينكن حمل كليشيهات يطلقها رسميون أمريكيون عن دعم غير مشروط لإسرائيل دون إشارة لما يجرى فيها ويقلقً قطاعات واسعة من يهود أمريكا.
نتنياهو انحاز للجمهوريين ووقف بالكونغرس يدعو الأغلبية الجمهورية لمعارضة الرئيس الديمقراطى، أوباما، وأيد ترامب صراحة، مما استعدى قطاعات بالحزب الديمقراطى.
استخدم رئيس «جيه ستريت» مفردات غير مألوفة بقاموس منظمات الصهيونية وعبّر عن اختلاف بين مصلحة إسرائيل التي تزداد تطرفًا نحو اليمين ومصالح يهود أمريكا.
* * *

بقلم: د. منار الشوربجي
مفارقات كثيرة حملها الخطاب الذي ألقاه وزير الخارجية الأمريكى أمام المؤتمر السنوى للمنظمة اليهودية الأمريكية «جيه ستريت». و«جيه ستريت» نشأت منذ 15 عامًا تقريبًا لتمثل يمين الوسط، كصوت معارض للتوجه اليمينى المتزايد بين المنظمات الداعمة لإسرائيل، وعلى رأسها «لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية»، إيباك، اللوبى الرسمى والأكثر قوة ونفوذًا.
ومنذ ذلك التاريخ صارت «جيه ستريت» توجه انتقادها لـ«إيباك» التي باتت تدعم توجهات اليمين الإسرائيلى تحديدًا، لا إسرائيل عمومًا.
و«إيباك» لم تغير موقفها هذا حتى حين كسر اليمين الإسرائيلى، بزعامة نتنياهو، القاعدة التي طالما تبنتها حكومات إسرائيل المتعاقبة، وهى الحرص على أن يظل دعم إسرائيل بأمريكا عابرًا للحزبين الكبيرين بأمريكا.
فـ«نتنياهو» اتخذ موقفًا صريحًا في انحيازه للجمهوريين بل ووقف في الكونغرس الأمريكى يدعو الأغلبية الجمهورية علنًا لمعارضة الرئيس الديمقراطى، أوباما، ثم أيد ترامب صراحة، مما استعدى قطاعات معتبرة بالحزب الديمقراطى.
لكل ذلك، كان مجرد الإعلان عن قبول بلينكن دعوة «جيه ستريت» قد أعطى الانطباع بأن الوزير ينوى في خطابه ولو التعبير عن امتعاض الإدارة إزاء ضم نتنياهو رموزًا بالغة التطرف في حكومته الجديدة.
لكن المفارقة كانت أن خطاب بلينكن جاء تقليديًا بامتياز. فهو حمل الكليشيهات ذاتها التي يطلقها الرسميون الأمريكيون عن الدعم غير المشروط لإسرائيل دون أي إشارة لما يجرى في إسرائيل ويشكل قلقًا لقطاعات واسعة من اليهود الأمريكيين.
أما المفارقة الثانية فكانت أن بلينكن ألقى خطابه هذا بعد يوم واحد من خطاب رئيس منظمة «جيه ستريت» نفسها، جيرمى بن عامى، الذي وجّه انتقادًا حادًا لإسرائيل، لا فقط لإيباك.
بل، وربما للمرة الأولى منذ نشأة «جيه ستريت»، استخدم الرجل مفردات فريدة ليست مألوفة في قاموس المنظمات الصهيونية، إذ عبّر عن اختلاف بين مصلحة إسرائيل، التي تزداد تطرفًا نحو اليمين، ومصالح اليهود الأمريكيين.
فهو قال إن هوية اليهود الأمريكيين «يتحتم أن تنبنى على الالتزام، ليس تجاه عَلَم أو قطعة أرض، وإنما على الالتزام بمنظومة من المبادئ والقيم».
بل وقال إن أولئك الذين يدعون الجماعة اليهودية الأمريكية «للوقوف متحدة وراء إسرائيل دون نقاش يتسببون في ضرر عميق عميق عميق (كررها ثلاثًا) لعافية الجماعة اليهودية» الأمريكية، مضيفًا أنه «ربما آن الأوان لأن يكون هناك بعض الرقابة والمحاسبة للكيفية التي يتم بها إنفاق مساعداتنا لإسرائيل».
والحقيقة أن منظمة «جيه ستريت» تمثل مجرد حلقة جديدة من حلقات سلسلة متزايدة من الوقائع برزت فيها أعداد متزايدة من اليهود الأمريكيين الذين صاروا يشعرون بالهوة المتزايدة بين مواقفهم ومواقف إسرائيل.
فاليهود الأمريكيون يظلون في أغلبيتهم على يسار الساحة السياسية الأمريكية، ويعطون أصواتهم للديمقراطيين بنسبة لم تقل يومًا عن 70% في الانتخابات العامة.
ومواقفهم تختلف عن مواقف المنظمات الأمريكية الصهيونية، اليهودية والمسيحية، التي تدعم إسرائيل، وتقع على يمين الساحة السياسية. وقد صارت الأجيال الشابة من اليهود الأمريكيين أكثر انتقادًا لإسرائيل والاحتلال، وهو ما صار يمثل قلقًا للمنظمات اليهودية الأمريكية عمومًا، وألمح له بن عامى في أكثر من موضع في خطابه.
كل تلك التحولات تطرح السؤال عما يدفع إدارة بايدن، وأى إدارة غيرها بالمناسبة، لاتخاذ موقف الدعم غير المشروط لإسرائيل رغم موقف يهود أمريكا.
الإجابة باختصار هي الدور الخطير الذي يلعبه المال، لا الأصوات، في العملية الانتخابية بأمريكا. فكلمة السر هي حجم التمويل الذي تدفعه المنظمات الصهيونية الكبرى، وعدد محدود للغاية من اليهود الأمريكيين اليمينيين!

*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسيةـ باحثة في الشأن الأمريكي

المصدر: المصري اليوم – القاهرة

موضوعات تهمك:

طريق ترامب نحو السباق الرئاسي متعثر.. من فضيحة إلى أخرى

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة