الفاشية الصهيونية وزملاؤها العرب

محمود زين الدين17 نوفمبر 2022آخر تحديث :
الفاشية الصهيونية

منذ 45 عاماً، تأتي عناوين المقالات عند تأليف حكومة إسرائيلية جديدة مشيرةً إلى أنها «أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل».
تكتمل ملامح مشهد عربي بشِع يتقدّمه بن زايد، المتواطئ مع أقصى اليمين العالمي كما بدأ الإعلام العالمي يتفطّن له في ضوء تراكم الدلائل!
الدولة الصهيونية والمجتمع الإسرائيلي لم ينفكا يشطحان نحو اليمين منذ أن فاز حزب الليكود بالانتخابات النيابية للمرة الأولى في عام 1977.
اتفاقيات أبراهام لم تكن سوى خطوة نوعية جديدة في مسار طويل من تواطؤ بعض الأنظمة العربية مع الدولة الصهيونية على حساب شعب فلسطين.
انزلاق المجتمع والدولة الصهيونيين لأقاصي اليمين انزلاق طبيعي ناجمٌ عن هوية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني ولم يقتصر على وصول الليكود إلى السلطة.
مباركة زعماء أنظمة عربية عودةَ نتنياهو للحكم ومعه أشباه باروخ غولدشتاين، إنما تشكّل تشجيعاً للفاشية الصهيونية على المضي قدماً بمساعيها الإجرامية.
يعود أصل الليكود إلى التيار الصهيوني الفاشي الذي تزعّمه فلاديمير جابوتنسكي، وأسّس الحركة «الصهيونية التصحيحية» بوحي من وصول موسوليني إلى السلطة قبل قرن.
* * *

بقلم: د. جلبير الأشقر

ثمة نغمة باتت معهودة في التعليقات على مجرى الحياة السياسية في الدولة الصهيونية منذ 45 عاماً، حيث تأتي عناوين المقالات عند تأليف حكومة إسرائيلية جديدة مشيرةً إلى أنها «أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل».
والحال أن الدولة الصهيونية والمجتمع الإسرائيلي الذي تتأقلم معه لم ينفكا يشطحان نحو اليمين منذ أن فاز حزب الليكود بالانتخابات النيابية للمرة الأولى في عام 1977.
فقد شكّل ذلك الفوز منعطفاً تبيّن مع مرور الزمن أنه منعطف تاريخي حاسم، إذ انتقل الحكم في الدولة الصهيونية في الأمد الطويل من الجماعة التي أشرفت على تأسيسها والتي انتمت إلى التيار الاشتراكي العالمي، بحيث بدت الدولة الفتيّة إثر نشأتها القسرية في عام 1948 وكأنها تحقيق لطوبى اشتراكية في إطار استعماري، انتقل الحكم الصهيوني من الحالة تلك إلى نقيضها مع فوز حزب ينتمي إلى التيار الفاشي التاريخي.
ومن المعلوم أن أصل الليكود يعود إلى التيار الصهيوني الفاشي الذي تزعّمه فلاديمير جابوتنسكي، أحد المعجَبين بالزعيم الفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني، وقد أسّس الحركة «الصهيونية التصحيحية» بوحي من وصول موسوليني إلى السلطة قبل قرن بالضبط هذا العام.
وبدءاً من عام 1977، بتنا نقرأ كل بضع سنوات عناوين تصف حكومة صهيونية جديدة بأنها «أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل»، إذ إن انزلاق المجتمع والدولة الصهيونيين إلى أقاصي اليمين، وهو انزلاق طبيعي ناجمٌ عن هوية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني بالذات، لم يقتصر على وصول الليكود إلى السلطة وتربّعه على سدّتها خلال معظم السنوات الخمس وأربعين التي انقضت منذ ذلك الحين، بل اصطحب الليكود معه إلى الحكم جماعات أكثر تطرفاً منه بعد (مثلما يكون النازيون أكثر تطرفاً من الفاشيين).
وقد مرّ ذلك الانحدار المستمر نحو «أقصى اليمين الأقصى» بتحالف مع حزب «إسرائيل بيتنا» الذي يزعم أنه أكثر وفاء لتراث جابوتنسكي الفاشي مما هو الليكود، وبلغ الحضيض الآن مع اصطحاب بنيامين نتنياهو إلى الحكم هذه المرّة ائتلاف «الصهيونية الدينية» الذي كادت «الصهيونية التصحيحية» تبدو معتدلة بالمقارنة معه.
في قلب ائتلاف «الصهيونية الدينية» يقف زعيم حزب «العظمة اليهودية» الذي يقوده إيتمار بن غفير الذي يُعتبر أكثر السياسيين الصهاينة تطرّفاً، وهو من أنصار الصهيوني النازي مائير كاهانا (مات في عام 1990)، أبرز وجوه الكراهية اليهودية العنصرية المكشوفة للفلسطينيين وأبرز الداعين إلى طردهم خارج ما يسمونه «أرض إسرائيل» التاريخية.
ومن المعروف عن بن غفير أن بهو داره كان حتى وقت قريب مزيّناً بصورة المجرم العنصري باروخ غولدشتاين، الذي ارتكب مجزرة المسجد الإبراهيمي في الخليل في عام 1994 قاتلاً 29 من المصلّين.
هذا وبينما تتكاثر الإشارات الصادرة عن الحكومات الغربية والمعبّرة عن قلقها من تحالف نتنياهو مع الجماعة المذكورة ومن مشاركة هذه الأخيرة بالتالي في الحكومة التي يسعى زعيم الليكود وراء تشكيلها، لم تصدر قط أي إشارة مماثلة من أي من الدول العربية التي قامت بتطبيع علاقاتها مع الدولة الصهيونية.
لا بل لم يكتفِ ملك الأردن، عبد الله الثاني، ورئيس دولة الإمارات، محمد بن زايد، ووليّ عهد البحرين، سلمان بن حمد آل خليفة، لم يكتفوا ببعث رسالة تهنئة إلى نتنياهو، على غرار تلك التي بعثها إليه زعيم الطغمة العسكرية السودانية، عبد الفتّاح البرهان، بل اتصلوا به هاتفياً لمباركة تكليفه المجدد بتشكيل الحكومة الإسرائيلية.
وهكذا تكتمل ملامح المشهد العربي البشِع الذي يتقدّمه محمد بن زايد، المتواطئ مع اليمين الأقصى العالمي كما بدأ الإعلام العالمي يتفطّن له في ضوء تراكم الدلائل، وآخرها التحقيق الذي كشفت عنه صحيفة «واشنطن بوست» يوم السبت الماضي والذي أجرته الاستخبارات الأمريكية تعبيراً عن استيائها من تدخّل دولة الإمارات، ولاسيما سفيرها في واشنطن يوسف العتيبة، في السياسة الداخلية الأمريكية.
وقد أكّد التقرير ما هو معروف عن العلاقة الوثيقة التي تربط بين دولة الإمارات وزعيم اليمين الأقصى الأمريكي، دونالد ترامب، الذي يتباهى بدوره بالعلاقة الوثيقة التي تربطه بنتنياهو.
فقد أشرف ترامب منذ عامين وقبل نهاية ولايته الرئاسية على عقد قران رسمي بين إمارات بن زايد، ومعها البحرين، وإسرائيل نتنياهو تحت مسمّى «اتفاقيات أبراهام».
وجاء التعليق الغالب في الإعلام العالمي آنذاك يشير إلى ضعف أثر خطوة «السلام» تلك على قضية فلسطين، وكأن الغاية من الاتفاقيات كانت تخفيف المحنة التي يعانيها الشعب الفلسطيني.
أما الحقيقة فهي أن اتفاقيات أبراهام لم تكن سوى خطوة نوعية جديدة في مسار طويل من تواطؤ بعض الأنظمة العربية مع الدولة الصهيونية على حساب شعب فلسطين.
ومن هذا المنظور، فإن مباركة زعماء تلك الأنظمة عودةَ نتنياهو إلى الحكم ومعه أشباه باروخ غولدشتاين، إنما تشكّل تشجيعاً للفاشية الصهيونية على المضي قدماً بمساعيها الإجرامية واقترافها فصلاً جديداً بالغ الخطورة من فصول العدوان الصهيوني المزمن على فلسطين وشعبها.

*د. جلبير الأشقر كاتب وأكاديمي من لبنان

المصدر: القدس العربي

موضوعات تهمك:

توحش الاحتلال الإسرائيلي وفارق مقاومة فلسطينية شابة

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة