العلاقة المتوازنة بين الأردن وإيران؟

محمود زين الدين20 يناير 2023آخر تحديث :
الأردن

الغرق في التحسب والمراقبة والاعتزال في ملف العلاقات الأردنية الإيرانية ينبغي أن لا يكون خيارا بعد الآن.
الحذر ممكن لكنه يجب استعادة الثقة، والبحث عن مساحات مشتركة، ولو بالحد الأدنى بدلا من التفخيخ والتأزيم.
المطلوب أخلاقيا ووطنيا من نخب القرار مبادرة مهنية حرفية باتجاه إيران وأن تطلب الأمر مراجعة حسابات ومعتقدات مستقرة في العمق منذ سنوات.
لم يعد مقبولا ولا معقولا أن تبقى السفارة الأردنية في إيران بلا سفير للعام السابع على التوالي، فيما يسرح ويمرح السفير الإيراني باسترخاء بشوارع عمان.
ليس المطلوب إطلاقا وضع كل البيض في سلة الإيرانيين ولا التحالف معهم ولا الارتماء في أحضانهم. لكن ليس المطلوب بالمقابل البقاء في حالة خصومة.
كل الدول لديها مخالب وأسنان تبتسم، ويمكننا تجاهل المخلب والتحدث مع الأسنان والابتسامات بناء على الاحترام المتبادل وتقدير المصالح كما يجري بين الدول.
* * *

بقلم: بسام البدارين

إيران دولة جوار إقليمي مهمة وقوية لها مخالب في المنطقة وطبعا لها أسنان، يمكنها أن تظهر بغرض ابتسامة ناعمة، إذا ما حققنا كأردنيين خطوة في الاتجاه الصحيح للتوازن.
تعجبني مقاربة الصديق والوزير محمد داودية وهي تلفت النظر إلى ضرورة بذل ولو جهد صغير من أي صنف لتحصيل ابتسامة صغيرة من الإيرانيين على أساس أن ذلك ينعكس فورا بالضرورة طبعا على مصالح ومشاريع الأردن الاستراتيجية الكبيرة في العراق.
في الحالة الإيرانية نحن أمام مخلب وأسنان يمكن أن تبتسم، والخيار للجيران بكل الأحوال، وبالتأكيد المصالح الوطنية والقومية للشعب الأردني تتطلب التركيز على الابتسامة والأسنان.. عكس ذلك يستفيد منه فقط مشروع واحد لأسوأ الجيران وأكثرهم انقلابا بحكم المصلحة الجيوسياسية، ونتحدث هنا عن إسرائيل.
نشارك المؤسسة الأردنية الرسمية ولاحقا العربية مخاوفها من المشروع الإيراني، ولدينا كمتفرجين ومواطنين ذكريات سيئة عن إيران ليس في مجال الحريات فقط، ولكن في مساندة أنظمة متعسفة عربيا، وسجل إيران الرسمي في العراق وسوريا لن يصبح يوما جزءا من المعروضات على متحف التراث، وبعض الذكريات مؤلمة بالتأكيد.
لكن السؤال كيف نقيم علاقة متزنة ومتوازنة مع الإيرانيين وبدون أن نشعر كأردنيين بأننا في موقع واحدة من أسخف المقايضات والمقاربات بين مشروعين إيراني وإسرائيلي رغم أن العدو واضح ومحدد ومعرف على الأقل في حالتنا.
تحتاج حكومات الجوار العربي بالتأكيد لرسائل طمأنينة من الإيرانيين تشير إلى أن التقرب منهم بأي صيغة مرحليا لن يكون مجازفة يندم عليها لاحقا أي منا.
لكن بقاء عمان في حالة قطيعة مع طهران ليس خيارا بعدما ظهرت ملامح الحقيقة الداعشية بنسختها الإسرائيلية الطازجة والجديدة والتي لا تؤمن أصلا لا بالأردن ولا بالأردنيين، خلافا لأن إسرائيل المعتدلة إياها التي أقيم معها سلام الشجعان، أو حتى سلام القطعان أصلا لم تحترم اتفاقية وادي عربة، وكانت أيضا عدوا، لكنها اليوم عدو إجرامي وإرهابي لن يتردد لحظة في زرع أو صناعة أي فتنة في الأردن وجرح كل مقدساته وثوابته.
ليس المطلوب إطلاقا وضع كل البيض في سلة الإيرانيين ولا التحالف معهم ولا الارتماء في أحضانهم، لكن ليس المطلوب بالمقابل البقاء في حالة خصومة أو عداء أو تقاطع مصالح معهم وأي تطور إيجابي في منظومة الاتصالات بين طهران وعمان نعلم يقينا أنه ثمرة لعمل وروح إيجابية في الاتجاهين، خصوصا وأن التحريك والتنويع الآن مطلب أردني ملح.
لم يعد مقبولا ولا معقولا أن تبقى السفارة الأردنية في إيران بلا سفير للعام السابع على التوالي، فيما يسرح ويمرح السفير الإيراني باسترخاء في شوارع عمان. الحذر ممكن لكنه يجب استعادة الثقة، والبحث عن مساحات مشتركة، ولو بالحد الأدنى بدلا من التفخيخ والتأزيم.
اعتقاد كل من أقابلهم شخصيا من نخب المملكة جازم تماما بأن إقامة علاقة طبيعية مع الإيرانيين خطوة لم تعد اليوم ترفيها، ومن الصعب البقاء في حالة استغناء عنها لا بل أصبحت ضرورة ملحة أيضا لردع أي عدوان من مجرمي الكيان الذين يحكمونه الآن ويعلنون جهارا نهارا سعيهم لابتلاع المملكة الأردنية الهاشمية والمساس بمصالحها، بالرغم من كل محاولات تزويق الألفاظ وتخفيف حدة التهاب المشاعر. وبالرغم من كل مشاريع التذكير بعملية سلام لم تعد قائمة لا بل توفيت.
يمكن ببساطة البحث عن مساحات مصالح مع الإيرانيين والأتراك وغيرهم من المجاورين حتى في سوريا ولبنان.
التنويع مفصل أساسي الآن، ونعيد التصفيق للمبادرة التي اقترحها يوما باحث وأكاديمي فاضل هو الدكتور وليد عبد الحي وكانت صريحة جدا حتى الوجع حيث أن مستقبل المشروع الأردني الهاشمي برمته مرتبط اليوم بإعادة التوازن للعلاقات الأردنية مع محاور الإقليم وبتجاوز كل أصناف وأحمال الحساسيات الفلسطينية المستقرة بوقار في عمق الدولة العميقة الأردنية.
لا ضير من خطوة إيجابية نترقب بعدها ردة الفعل في طهران ونقيسها في بغداد طبعا من طراز تسمية وإرسال سفير يقوم بواجبه في نقل ملاحظة بلاده وتصورها للإيرانيين ولا ضير من إقامة بعض العلاقات التجارية والاقتصادية والسياحية مع ملاحظات الحذر والحيطة إن شاء القوم.
ولا ضير بالتأكيد من مراجعة العقيدة السياسية التي تحكم في الملف الإيراني، حيث حدود الأردن هي الأضخم والأعرض والأوسع مع بلدين لطهران نفوذ كبير جدا فيهما هما سوريا والعراق.
نعم أخلاقيا ووطنيا المطلوب من نخب القرار مبادرة مهنية حرفية بالاتجاه الإيراني ومراجعة الحسابات، وأن تطلب الأمر العقائد المستقرة في العمق منذ سنوات، فكل الدول لديها مخالب وأسنان تبتسم، ويمكننا تجاهل المخلب والتحدث مع الأسنان والابتسامات بناء على قواعد الاحترام المتبادل وتقدير المصالح كما يجري بين الدول بصفة اعتيادية.
الغرق في التحسب والمراقبة والاعتزال في ملف العلاقات الأردنية الإيرانية ينبغي أن لا يكون خيارا بعد الآن.

*بسام البدارين كاتب صحفي وإعلامي أردني

المصدر: القدس العربي

موضوعات تهمك:

الأردن.. من يريد تقويض النظام والإضرار بالاقتصاد

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة