الصين: الرئيس شي يجمع كل السلطات بيده

محمود زين الدين7 يناير 2023آخر تحديث :
الصين

كيف أصبح نظام الحزب الواحد، مساويا لشخص يوصف بأنه «قائد الدفة» و«ربان السفينة»؟
أصبح الرئيس شي يشغل أقوى ثلاثة مناصب: الأمين العام للحزب الشيوعى الصيني، ورئيس القوات المسلحة فى البلاد، ورئيس الدولة.
في ختام مؤتمر الحزب الشيوعى الصيني أصدر قادته بيانا، أيدوا فيه الرئيس شي باعتباره “صمام أمان الحزب” ودعوا الحزب لاتحاد أوثق خلفه.
أضحى مستقبل الصين في يد الرئيس شي وحفنة موالين له ويحذر خبراء من أن تركيز السلطة المفرط قد يأتى بنتائج عكسية إذا أخطأ شي الحسابات.
تواجه الصين عالما مستعصيا من جانب الغرب الذى لم يرق له حيادها في حرب أوكرانيا أو دعمها الخجول لروسيا، أو من جانب جيرانها باستثناء روسيا.
أدرك الزعيم دينغ شياو بينغ أن من الجرم بقاء حاكم بمنصبه مدى الحياة واستفاد من تجربة سلفه الزعيم ماو تسي تونغ وأخطائها التاريخية كالثورة الثقافية.
* * *

بقلم: محمد المنشاوي
عندما أصبح شي جين بينغ رئيس الحزب الشيوعي الصيني فى 2012، واجه بيئة دولية تختلف كلية عن تلك التى يواجهها الآن بصورة كبيرة، ولم تكن الصين قد وصلت بعد لما تتمتع به اليوم من قوة عسكرية واقتصادية وتكنولوجية.
ولم تكن أمريكا نجحت بعد فى تغيير توجهها الاستراتيجى بعيدا عن الشرق الأوسط والحرب على الإرهاب إلى آسيا، وتحديدا جنوب وشرق القارة.
ومع بدء عامه الـ11 فى الحكم، تواجه الصين عالما مستعصيا عليها سواء من جانب الغرب الذى لم يرق له حياد، أو ما يراه البعض دعما صينيا خجولا للموقف الروسى من الحرب على أوكرانيا، أو من جانب كل جيرانها باستثناء روسيا.
وذلك على خلفية رغبتها فى تغيير ترتيبات حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، أو بسبب نزاعات حدودية هنا وهناك. وأصبحت هناك جهود ومبادرات ضخمة، تقودها واشنطن، وتهدف إلى «احتواء الصين».
وبعد 10 سنوات من حكم الرئيس شي، يعانى الاقتصاد الصيني من أزمة مستمرة لسداد القروض الحكومية، علاوة على ذلك، تلطخت سمعة الصين فى الحكم الرشيد بسبب طريقة تعاملها مع تفشي وانتشار فيروس كوفيدــ19 بعدما فشلت استراتيجيته «صفر كوفيد»، وما تبعها من عواقب اقتصادية متفاقمة.
وفى المؤتمر الذى يعقده الحزب الشيوعى كل خمس سنوات فى أكتوبر 2022، حصل الرئيس شي على فترة ولاية ثالثة غير مسبوقة كرئيس للحزب، وأصبح يلقب بـ «قائد الدفة» أو «ربان السفينة».
*
وخلال العقود الأخيرة، عُرف عن الصين الاستقرار الداخلى تحت سيطرة مطلقة للحزب الشيوعى، كحزب سياسى حاكم وحيد، على الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية فى البلاد.
إلا أن ما شهدته الصين وتشهده مؤخرا يترك الباب مفتوحا أمام أسئلة بلا إجابات. وبداية فلا يفهم الكثير منا حول العالم ماذا يُدار داخل غرف الحزب الشيوعى الصيني المغلقة، ولا يعرف أحد كيف يخططون لسيناريوهات مجهولة فى دولة تعداد سكانها 1.4 مليار نسمة وتملك ثانى أقوى اقتصاد وجيش فى العالم.
شهدت الصين، فى حالة نادرة، احتجاجات فى مناطق مختلفة في الأسابيع الأخيرة للمطالبة بإنهاء تدابير إغلاق فيروس كوفيد، وبفتح مجالات أوسع للحريات السياسية، فى موجة تظاهرات واسعة لم تشهد مثلها البلاد منذ الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية فى العام 1989.
لكن أسباب القلق، من وعلى الصين، لا تقتصر على الاحتجاجات والغضب الشعبى فقط، فقد أنهى الحزب الشيوعى مؤتمره العام، الذى يعقد كل خمس سنوات في نهاية أكتوبر الماضى، وأضحى مستقبل الصين فى يد الرئيس شي وحفنة من الموالين له. ويحذر الخبراء من أن التركيز المفرط للسلطة قد يأتى بنتائج عكسية إذا أخطأ شي الحسابات.
مدد الحزب للرئيس شي فترة حكم ثالثة لمدة خمس سنوات أخرى على الأقل، وهو ما يمثل انحرافا عن تقليد الحزب الشيوعى الصيني المستمر منذ عقود، والذى أكد على التبديل المنتظم للقيادة مع تجنب التركيز المفرط للسلطة.
*
منذ وفاة الزعيم الصيني الأهم خلال النصف الثانى من القرن العشرين «ماو تسى تونغ» عام 1976، تحاول القيادات الصينية منع ظهور ماو جديد، أى منع ظهور شخصية محورية تنفرد بالحكم على غرار ما قام به الزعيم ماو الذى حكم حتى مماته، وامتدت سنوات حكمه لتتخطى الثلاثين عاما.
وعلى الرغم من التقدير الكبير الذى يحظى به إرث الزعيم ماو، فإن الصين كدولة ومجتمع ونخبة توافقت على أن الزمن يتغير، وأنه لا سبيل للتقدم إلا بمنع خلق ماو جديد أولا.
وعليه تبنت معادلة حكم توازن بين طبيعة وتوازنات الصين الداخلية الأيديولوجية والثقافية، وبين الطبيعة البشرية التى يفسدها دوام السلطة، ويفسد دوائرها القرب الشديد من الحاكم.
وعليه صممت الصين الجديدة على خلق مؤسسات سياسية لا تشخص الحكم، ولا تعتمد على زعيم أوحد مدى الحياة، بل اختارت أن يكون هناك ديكتاتور، لكنه ديكتاتور يحكم لفترة محددة معلومة مقدما.
*
أدرك الزعيم دينغ شياو بينغ أن من الجرم إبقاء حاكم فى منصبه مدى الحياة. واستفاد من تجربة سلفه الزعيم ماو تسي تونغ ومن أخطائها التاريخية والتى كان منها ما يتردد عن قتل ما يزيد على 30 مليون شخص خلال الثورة الثقافية فى ستينيات القرن الماضى.
وصمم بينغ على عدم السماح بوجود ديكتاتورية مطلقة حيث رآها مفسدة مطلقة. وصمم بينج على عدم السماح بوجود سلطة لشخص مدى الحياة، وتمت صياغة ذلك فى الدستور الصيني وذلك ليتجنب زعماء الصين الجدد الفساد المرتبط بالقرب من دائرة الحكم لفترة طويلة، وعدم استيعاب دائرة الحكم المطلق لضرورات وفوائد وحتمية التغيير.
*
صمدت الصين أمام عواصف الانفتاح والإصلاح لما يقرب من نصف قرن منذ تبنيها سياسات الإصلاح والانفتاح الاقتصادى منتصف سبعينات القرن الماضى، وصمدت كذلك بدستور 1982 الذى منع ظهور زعيم واحد ملهم يبقى فى الحكم حتى مماته طبقا لتصور الأب الروحى للإصلاح والتقدم فى الصين الزعيم دينغ شياو بينغ.
من هنا يمكن تفهم ما قام به الرئيس الصيني الحالى من خلال خطوات متنوعة لتعزيز وضعه خلال سنوات حكمه بمحوه قدرا كبيرا من إرث دينغ شياو بينغ، إضافة لإزاحته لكل خصومه المحتملين، معتمدا فى المقام الأول على حملته الواسعة النطاق لمكافحة الفساد، والتى امتدت لتخليص الحزب الشيوعى الصيني من كل خصومه ومنافسيه السياسيين المحتملين.
*
مع نهاية مؤتمر الحزب الشيوعى الصيني، أصدر قادته بيانا، أيدوا فيه الرئيس شي باعتباره «صمام أمان الحزب»، ودعوا الحزب إلى الاتحاد بشكل أوثق خلفه. وأصبح الرئيس شي يشغل حاليا أقوى ثلاثة مناصب فى الصين الأمين العام للحزب الشيوعى الصيني، ورئيس القوات المسلحة فى البلاد، ورئيس الدولة، وهكذا أصبح نظام الحزب الواحد، مساويا لشخص يوصف بأنه «قائد الدفة» و«ربان السفينة».

*محمد المنشاوي كاتب وباحث في الشأن الأمريكي من واشنطن

المصدر: الشروق – القاهرة

موضوعات تهمك:

زعيم كوريا الشمالية يكشف عن أهداف عسكرية جديدة

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة