الحرب في أوكرانيا بعد 10 أشهر.. أين نحن وأين نتجه؟

الساعة 252 يناير 2023آخر تحديث :
أوكرانيا

الغزو الروسي لأوكرانيا تسبب في إحدى أكبر عمليات النزوح منذ الحرب العالمية الثانية.
محادثات السلام وصلت إلى طريق مسدود وتم تدمير حوالي أربعين في المئة من قدرة توليد الطاقة في أوكرانيا.
مخاوف الجنود الروس تتركز على الخسائر المرتفعة للغاية، ونقص القيادة ومشاكل الأجور ونقص المعدات والذخيرة وعدم وضوح أهداف الحرب.
اختارت روسيا اعتباراً من شهر أكتوبر الماضي تكتيك القصف المكثّف بالمسيرات على البنى التحتية للطاقة بأوكرانيا فانقطعت الكهرباء والماء.
* * *
بينما نودع عام 2022 ما تزال الحرب الروسية على أوكرانيا، أكبر صراع أوروبي منذ الحرب العالمية الثانية، مستعرة بعد تسعة أشهر من اندلاعها في الرابع والعشرين من شهر شباط/فبراير الماضي. ومعها يستمر دعم الغربيين لكييف وعقوباتهم ضد موسكو.
فمع دخول الحرب شهرها العاشر، ما تزال هناك العديد من النقاط الساخنة على خط المواجهة، وسط إقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوجود «وضع صعب» على الأرض، في المناطق الأربع التي أعلنت موسكو في وقت سابق عن ضمها، وهي دونيتسك ولوغانسك وزابوريجا وخيرسون.
ففي هذه المناطق شرق أوكرانيا، عانى الجيش الروسي من نكسات عسكرية خطيرة، تحديداً في خيرسون، المدينة التي اضطرت القوات الروسية لمغادرتها، بعد مواجهة مقاومة أوكرانية أكثر حدة مما كانت موسكو تعتقد. لكن المدينة ما تزال تتعرض لضربات روسية منتظمة.
إتلاف إمدادات المياه والكهرباء
رداً على هذ الهجوم الأوكراني المضاد الذي سمح لقوات كييف باستعادة العديد من المناطق، اختارت روسيا اعتباراً من شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي تكتيك القصف المكثّف بالطائرات بدون طيار على البنى التحتية للطاقة الأوكرانية، ما تسبّب في انقطاع الكهرباء والمياه بشكل متكرر.
وقد تم تدمير حوالي أربعين في المئة من قدرة توليد الطاقة في أوكرانيا. كما تم استهداف البنى التحتية للطاقة الأخرى، بما في ذلك محطات الطاقة النووية، في مقدمتها محطة زابوريجيا جنوب البلاد.
فطوال فصل الصيف، تبعت الضربات بعضها البعض في المنطقة المحيطة بالموقع، ما دفع المجتمع الدولي للخوف من وقوع كارثة نووية كبرى، إذ وصفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الوضع بأنه خطير للغاية.
في مواجهة التقدم الأوكراني، نشرت وزارة الدفاع الروسية «ألوية إبداعية في الخطوط الأمامية» لرفع الروح المعنوية للقوات، وفقًا للاستخبارات البريطانية، مؤكدة أن مخاوف الجنود الروس تتركز بشكل رئيسي على الخسائر المرتفعة للغاية، ونقص القيادة ومشاكل الأجور ونقص المعدات والذخيرة وعدم وضوح أهداف الحرب.
أكبر عمليات النزوح
تبقى الخسائر البشرية سرية لدى الجانبين الروسي والأوكراني، إذ يصعب تأكيد الأرقام الدقيقة، لذلك يسود الغموض حول هذه المسألة. على الجانب الأوكراني، تم الحديث عن مقتل ما لا يقل عن 13 ألف جندي من قبل مستشار الرئيس الأوكراني، ميخايل بودولاك، في الــ 30 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
أما الجانب الروسي، فيعود آخر رقم رسمي صادر عنه إلى الـ 21 أيلول/سبتمبر الماضي، حيث تحدث وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو وقتها عن مقتل 5937 من قوات بلاده. الأمر المؤكد هو أن الغزو الروسي لأوكرانيا تسبب في إحدى أكبر عمليات النزوح منذ الحرب العالمية الثانية.
فخلال الأيام الأولى من الحرب، عبَر أكثر من 200 ألف شخص حدود الدول المجاورة يوميًا. وقد فرّ نحو 8 ملايين شخص من أوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، اضطر أكثر من 6 ملايين أوكراني إلى مغادرة منازلهم والانتقال داخل البلاد.
وتحدثت الأمم المتحدة عن «جرائم حرب محتملة» في أوكرانيا. من ناحية أخرى، فإن ما لا يدركه الغرب هو أن حوالي 2.8 مليون لاجئ أوكراني مسجلين حاليًا في روسيا، انتقل البعض منهم إلى هناك طواعية، بينما اضطر البعض الآخر للقيام بذلك.
زيلينكسي في واشنطن
يخشى القادة العسكريون الأوكرانيون من أن تشن روسيا هجوماً جديداً في بداية العام الجديد 2023 على العاصمة كييف من بيلاروسيا حيث تتواجد القوات الروسية.
ولطمأنتهم شدد الرئيس الأمريكي جو بايدن لنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي زار واشنطن في أول رحلة خارجية له منذ بدء الغزو الروسي لبلاده، على أنّ كييف «لن تكون أبداً لوحدها».
تزامناً مع هذه الزيارة التي وصفت بالتاريخية، قررت الولايات المتحدة الأمريكية تزويد كييف بحزمة أسلحة جديدة، بما في ذلك منظومة باتريوت الصاروخية للدفاع الجوي، التي تعد المنظمة الدفاعية الأكثر تطوّراً لدى الجيش الأمريكي.
وأوضح الرئيس الأمريكي أن هذا النظام دفاعي وليس تصعيدياً. ورد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتشديد على أن الجيش الروسي سيجد طريقة للتحايل على نظام الدفاع الجوي باتريوت، قائلا: «بالنسبة لنظام باتريوت، إنه نظام قديم جدًا. إنه لا يعمل مثل (نظامنا الروسي) S-300. لكن خصومنا يفترضون أنه سلاح دفاعي».
تندرج هذه المساعدة العسكرية الأمريكية الجديدة ضمن المساعدات الغربية التي ما تزال تتدفق إلى أوكرانيا بعد عشرة أشهر من اندلاع الحرب. فبعد يومين من زيارة الرئيس الأوكراني لواشنطن أقر الكونغرس الأمريكي في23 ديسمبر الماضي 45 مليار دولار ستخصّص لتقديم مساعدات عسكرية وإنسانية لأوكرانيا، وذلك ضمن الميزانية الفدرالية التي تبلغ قيمتها 1.7 ترليون دولار.
تزامن ذلك مع إعلان الحكومة الهولندية عن توفير مبلغ إجمالي قيمته 2.5 مليار يورو لدعم أوكرانيا في 2023 تعتمد سبل استخدامه على مجريات الحرب ضدّ روسيا.
وقبل ذلك كانت هناك مساعدات متنوعة لكييف، بما في ذلك جمع مؤخراً، مليار يورو لمساعدة السكان الأوكرانيين على تجاوز ما يعد بأن يكون شتاء قاسيا للغاية، خلال المؤتمر الدولي لدعم البلاد الذي نظم في باريس، والذي ضم 70 وفدا من الدول أو المنظمات.
في موازاة هذا الدعم لأوكرانيا، تستمر العقوبات الغربية ضد موسكو. فمنذ 10 أشهر تُخضع الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، روسيا لنظام عقوبات غير مسبوق من نوعه، حظر كامل على الفحم والحظر النفطي الجزئي وفرض حظر على تصدير التقنيات والمعدات المتقدمة إلى روسيا في قطاعات رئيسية مثل الدفاع والطاقة أو الطيران، وتجميد احتياطيات العملات الأجنبية للبنك المركزي الروسي، وعزل عدة بنوك روسية عن النظام المالي الدولي، ألخ.
لكن بالنسبة للأوروبيين، يظل موضوع حظر الطاقة محل انقسام مستمر. وكان وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير قد أكد بعد شهر من بدء الغز الروسي لأوكرانيا أن هذه العقوبات الغربية غير المسبوقة ستؤدي إلى انهيار الاقتصاد الروسي.
صحيح، أن روسيا دخلت، وفق مصادر متعددة، في حالة ركود خلال فصل الخريف، وذلك يرجع إلى حد كبير إلى العقوبات الغربية، لكنها ظلت بعيدة تماماً عن الانهيار الذي تحدث عنه الوزير الفرنسي وآخرون، حيث إنها ما تزال قادرة على تمويل جهودها الحربية، بعد أن صمد اقتصادها بشكل أفضل مما كان متوقعا.
وفي موسكو، عملت السلطات على تقليل تأثير العقوبات الغربية، بفضل صادراتها الهيدروكربونية. لكن مراقبين ومحللين يركدون أن ذلك هذا لا يعني أن هذه العقوبات ليس لها تأثير على المدى القصير والمتوسط والطويل.
نحو زيادة أسعار الطاقة
كنتيجة غير مباشرة للصراع، ضاعفت الدول الأوروبية، التي كانت تعتمد تاريخيًا على الطاقة التي تنتجها روسيا، من اتخاذ القرارات والاتفاقيات من أجل الحد من ارتفاع أسعار الطاقة. فقد قرر الاتحاد الأوروبي تحديد سقف لأسعار الغاز الطبيعي عند 180 يورو للميغاواط ساعة.
كما فرض الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع وأستراليا حدا أقصى لسعر النفط الروسي عند 60 دولارا للبرميل. ومع دخول الحظر الذي فرضته أوروبا على النفط الروسي حيز التنفيذ يخشى المواطنون في البلدان الأوروبية ارتفاع أسعار النفط.
وفي مواجهة الحد الأقصى الذي فرضه الغرب على سعر النفط الروسي، تخطط روسيا لخفض إنتاجها اليومي من 500 ألف إلى 700 ألف برميل يوميًا اعتبارًا من بداية عام 2023.
ويبقى أن نرى كيف سيكون رد فعل الصين والهند، مع العلم انهما خفضتا بشكل كبير مشترياتهما من النفط، ولا سيما من روسيا. وهذا ليس لأسباب دبلوماسية، ولكن بسبب وباء كوفيد تسعة عشر.
وقد قررت منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» في اجتماعها الأخير الإبقاء على حصصها، والبقاء على إنتاجها الحالي، الذي كانت الدول الأعضاء قد خفضته بالفعل بشكل كبير.
من المحتمل أن يتسبب كل ذلك في بدء الأسعار في الارتفاع مرة مع أخرى بداية العام الجديد، بعد أن انخفضت في الأيام الأخيرة عند محطات الوقود، ما ينظر بامتعاض شعبي في بعض البلدان.
بعد ما يقرب من عشرة أشهر من اندلاع حرب أوكرانيا، يبدو أن المحادثات وصلت إلى طريق مسدود، حيث دعت أوكرانيا والمجتمع الدولي إلى انسحاب القوات الروسية، بينما لا يزال فلاديمير بوتين يمضي قدما لتحقيق أهدافه الميدانية رغم الصعوبات التي تواجهها قواته، وإن كان قد أكد في مؤتمره الصحافي يوم الخميس 22 ديسمبر 2022 أنه يريد انهاء الصراع «في أسرع وقت ممكن».
لكنه طلب في اليوم الموالي من رؤساء شركات تصنيع الأسلحة بذل قصارى جهدهم لضمان حصول الجيش الروسي على جميع الأسلحة والمعدات العسكرية التي يحتاجها للقتال في أوكرانيا، معتبراً أن الحرب الروسية في أوكرانيا تأتي في إطار جهد تاريخي لمواجهة ما سمّاه التأثير الزائد عن الحد للقوى الغربية على الشؤون العالمية.
وقبل ذلك، أعلن الرئيس الروسي أن الاسطول الروسي سيحصل اعتبارا من مطلع شهر يناير 2023 على صواريخ جديدة فرط صوتية عابرة من طراز زيركون، وهو سلاح من المجموعة الجديدة التي طورتها موسكو في السنوات الماضية.
تزامن الإعلان مع تأكيد وزير دفاعه سيرغي شويغو أن موسكو تخطط لإقامة قواعد لدعم أسطولها في مينائي مدينتي برديانسك وماريوبول الساحليتين بجنوب أوكرانيا واللتين سيطرت عليهما في وقت سابق.
محادثات السلام والطريق المسدود
وبينما يرى مسؤولون أمريكيون أن الحكومة الروسية منقسمة بشأن شن هجوم شتوي كبير في أوكرانيا، يحاول السكان الأوكرانيون مواجهة الشتاء بأفضل ما يمكنهم، حيث لا يحصل غالبيتهم على الكهرباء إلا لبضع ساعات في اليوم، نتيجة القصف الهائل للبنية التحتية للطاقة، يرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضرورة منح «ضمانات أمنية» لأوكرانيا، ولكن أيضًا لروسيا في نهاية الصراع الأوكراني، وهو الموقف الذي أكسبه انتقادات شديدة في كييف وأوروبا الشرقية.
وقال: «في النهاية، سيتعين علينا أن نضع الجميع حول طاولة واحدة. ولذا فإن كل الأوروبيين والغربيين الذين أعطوني دروسًا أخلاقية يشرحون لي من سيجلسون حول الطاولة معهم».
من جانبه، اعتبر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إنّ روسيا لم تظهر أي رغبة جدية في إنهاء الحرب، قائلا إن بوتين يمكنه وضع حد لها فورا بسحب قوات بلاده.

المصدر: القدس العربي

موضوعات تهمك:

بايدن يريد تسوية مع روسيا.. وزيلينسكي يقترح فرساي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة