أميركا تشعل الحرائق في كل مكان

محمود زين الدين9 أغسطس 2022آخر تحديث :
أميركا

زيارة نانسي بيلوسي تايوان رفعت المخاطر الجيوسياسية حول العالم.
أميركا لا يهمها استقرار العالم واقتصاده، بل أن يظلّ اقتصادها رقم واحد، وأن يظلّ الدولار هو المتحكم في احتياطيات الدول.
في الوقت الذي يعاني فيه العالم من أزمة غذائية حادة وقفزات في أسعار الحبوب، تضغط الولايات المتحدة على أوروبا لحظر السماد الروسي.
تدفع أميركا أوروبا بقوة نحو خوض معركة اقتصادية شرسة ضد روسيا، ثم تتركها في العراء تعاني وحدها من أسوأ أزمة طاقة في تاريخها.
يخوض اقتصاد العالم معركة شرسة ضد خسائر حرب أوكرانيا ومعارك التضخم وزيادة سعر الفائدة على الدولار وتعطل سلاسل الامدادات.
الولايات المتحدة تشعل حريقاً آخر عبر إصرار رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، المسؤولة الرقم 2 في الولايات المتحدة، على زيارة تايوان.
استفزت أميركا روسيا في أوكرانيا ودفعتها لفرض حظر شامل على موانئ أوكرانيا وسفن شحن الحبوب للخارج، مما أشعل أزمة غذائية عالمية.
* * *

بقلم: مصطفى عبدالسلام
لا تتوقف الولايات المتحدة عن إشعال الحرائق حول العالم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، متعمد أو رغم عنها.
تدفع أميركا أوروبا بقوة نحو خوض معركة اقتصادية ومالية شرسة ضد روسيا، وتضغط على دول القارة لإصدار قرارات اقتصادية عنيفة بحق روسيا منها مصادرة الأموال والبنوك والشركات وحظر النفط والغاز الروسي.
ثم تترك أوروبا في العراء تعاني وحدها من شتاء قارس وأسوأ أزمة طاقة في تاريخها الحديث قد تؤدي بها إلى الدخول في ظلام دامس خلال فصل الشتاء، وتعطل المصانع وتفلس الشركات، وقد يمتد الإفلاس إلى بعض الدول الأوروبية عالية المديونية.
تدفع الولايات المتحدة دول الخليج نحو خوض حرب نفطية سعرية ضد روسيا في بداية عام 2020، ويكون الخاسر الأكبر هنا ليس الولايات المتحدة، بل دول الخليج التي خسرت مليارات الدولارات بسبب تهاوي أسعار النفط وبلوغ سعر البرميل أقل من 20 دولاراً بسبب تلك الحرب الشرسة.
وهذه الحرب تذكرنا بالحرب النفطية الشرسة التي خاضها الخليج، خصوصاً السعودية، ضد اقتصاد الاتحاد السوفيتي السابق في فترة تسعينيات القرن الماضي، وهو ما ساهم في انهياره.
وفي الوقت الذي كان فيه الاقتصاد الدولي يستعد للانطلاق بعد كوارث كورونا وخسائرها التريليونية، كانت الولايات المتحدة تقذف بقرار رفع سعر الفائدة على الدولار في وجه العالم بحجة مواجهة موجة تضخمية جامحة، وهو ما أربك حسابات كل دول العالم التي أنزلق بعضها نحو الإفلاس، أو يكاد ينزلق نحو ركود حاد.
وفي الوقت الذي كانت الدول النامية تحاول جاهدة التغلب على خسائر 3 أعوام متلاحقة بسبب الوباء، كان البنك الفيدرالي الأميركي ترفع العائد على أموالها بشكل قياسي، وهو ما أدى إلى هروب الأموال من أسواق وبورصات تلك الدول وتضييق الخناق عليها في الحصول على قروض خارجية بسعر فائدة معقول.
وفي الوقت الذي يعاني فيه العالم من أزمة غذائية حادة وقفزات غير مسبوقة في أسعار القمح والحبوب، تضغط الولايات المتحدة على أوروبا لحظر السماد الروسي، وهو ما سيسبب أضراراً بالغة بالمحاصيل الزراعية حول العالم.
كما استفزت واشنطن روسيا في أوكرانيا ودفعتها نحو فرض حظر شامل على الموانئ الأوكرانية وسفن شحن الحبوب إلى الخارج، وهو ما أشعل الأزمة الغذائية الحالية.
وفي الوقت الذي يخوض فيه اقتصاد العالم معركة شرسة ضد خسائر حرب أوكرانيا ومعارك التضخم وزيادة سعر الفائدة على الدولار وتعطل سلاسل الإمدادات، نجد أن الولايات المتحدة تشعل حريقاً آخر عبر إصرار رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، المسؤولة الرقم 2 في الولايات المتحدة، على زيارة جزيرة تايوان، رغم التحذيرات الصينية من الزيارة شديدة الحساسية من حيث الهدف والتوقيت.
وغداً تشعل الولايات المتحدة حرائق وحروباً اقتصادية أخرى، قد تكون أكثر شراسة، منها حرب عملات مع الصين واليابان، وحرب تجارية مع شركائها التجاريين، وقيادة حروب اقتصادية شاملة، حتى ضد الدول الفقيرة والنامية.
الولايات المتحدة تشعل الحرائق هنا وهناك لأنّها المستفيد الأول من زيادة المخاطر الجيوسياسية حول العالم، فالحروب والتوترات تزيد الطلب على السلاح الأميركي، وتضعف الاقتصادات المنافسة لها، وخصوصاً الاقتصادين الصيني والروسي.
أميركا لا يهمها في النهاية استقرار العالم واقتصاده كما تزعم، ما يهمها أن يظلّ اقتصادها في المقدمة والرقم واحد، وأن تظلّ عملتها الدولار هي المتحكمة في احتياطيات الدول من النقد الأجنبي وعملة التسعير الأولى لكلّ السلع في العالم، وأن تظل الولايات المتحدة هي قبلة المستثمرين والجاذب الأول للأموال، حتى لو كانت العائدات صفراً، كما جرى في السنوات الماضية.
وللأسف، سيظل هذا الوضع مستمراً سنوات طالما لا توجد قوة اقتصادية وسياسية بديلة، كان الرهان على الصين في قيادة الاقتصاد العالمي في السنوات المقبلة، لكن كلنا تابعنا الحرب التجارية الشرسة التي خاضها دونالد ترامب ضد الصين، ثم حرب بايدن الخفية والناعمة، وما فعلته بيلوسي وغيرها من المسؤولين الاميركيين يأتي في إطار مواصلة التحرش بالصين وتعطيلها عن الوصول إلى هدفها، وهو قيادة الاقتصاد العالمي، وفرض اليوان كعملة منافسة للدولار عالمياً.

* مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي

المصدر: العربي الجديد

موضوعات تهمك:

هل تلجأ الصين لـ«الخيار الإسرائيلي» مع تايوان؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة