هل تودع الأسواق التيسير الكمي؟

محمود زين الدين25 أبريل 2022آخر تحديث :
الأسواق

الأسواق قد اعتادت على التفكير في أن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو زيادة تكلفة المال بدلاً من سحب الأموال من الطاولة. ربما قامت الأسواق بتسعير تشديد التيسير الكمي ولكنها لم تُقيّم بعد تأثير التشديد.
تغذى التضخم بالحذر النقدي لتجنب الركود الاقتصادي والانهيار المالي في أعقاب الأزمة المالية العالمية والوباء. ومن المفارقات، أن التضخم هو الذي يهدد الآن بتعجيل هذه الأشياء بالذات حيث أن الإفراط المالي له تأثيره.

* * *
هل تودع الأسواق التيسير الكمي؟

لماذا تنوي البنوك المركزية متابعة عملية التشديد الكمي هذه المرة بعد أن تراجعت في السابق؟

تعتبر الإطاحة بسوق الأسهم الشاهقة أهون الشرّين مقارنة بإمكانية تدمير الثروة نتيجة تضخم جامح يسيطر على أمريكا وأوروبا وبقية العالم.

أصبحنا جميعاً على دراية بالتسهيل الكمي حيث زادت البنوك المركزية كمية الأموال في النظام عن طريق شراء الأوراق المالية من السوق.

التشديد الكمي أقل شيوعاً باستثناء تجربة قصيرة في 2019 أجراها الاحتياطي الفيدرالي، قبل أن يتراجع بحذر خوفاً من التأثير في معنويات السوق.

الأسواق اعتادت على التفكير في أن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو زيادة تكلفة المال بدلاً من سحب الأموال من الطاولة وقد تسعر الأسواق تشديد التيسير الكمي لكنها لم تُقيّم بعد تأثير التشديد.
تغذى التضخم بالحذر النقدي لتجنب الركود الاقتصادي والانهيار المالي عقب الأزمة المالية العالمية والوباء. المفارقة أن التضخم يهدد الآن بتعجيل هذه الأشياء بالذات حيث أن الإفراط المالي له تأثيره.

* * *

بقلم: أنتوني رولي

بالرغم من كل الظروف السيئة التي مرت بها، من حروب تجارية، ونوبات غضب من الخفض التدريجي في أسواق السندات، وجائحة كوفيد-19، وعودة التضخم، مروراً بارتفاع أسعار الفائدة، والأزمة الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية على موسكو، نجت أسواق الأسهم بأعجوبة من هذه الأقدار وحافظت على نسقها المرتفع، أو هكذا يبدو. فهل من شيء قادر على هزيمتها بعد؟

حسناً، يبدو أن هناك أمراً مختلفاً هذه المرة قادراً على زعزعة الثقة في نفوس المستثمرين، انطلاقاً من الحقيقة الواضحة بأن الأسواق على وشك الانتقال من «التيسير الكمي» إلى «التشديد الكمي». وستكون هذه لعبة جديدة تماماً، ميدان لم تطأه معظم البلدان.

إن كمية المال المتقلصة المحتملة بدلاً من تكلفتها المتزايدة هي التي ستؤثر جوهرياً في مركز الأسهم. ولم يعد الاستثمار في الأسهم مرتبطاً بأرباح الشركات أو الأساسيات الاقتصادية، بل يتعلق الأمر بقدرة المؤسسات المالية على تمويل المستثمرين.

لطالما كانت هذه المؤسسات قادرة على تمويل سوق صاعدة في الأسهم لأن البنوك المركزية، بقيادة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، كانت على استعداد لدعم إقراض البنوك التجارية من خلال العمل كمقرضي الملاذ الأخير. الآن، يتغير موقف البنك المركزي، جنباً إلى جنب مع طبيعة صناعة الائتمان.

لقد أصبحنا جميعاً على دراية بالتسهيل الكمي حيث زادت البنوك المركزية كمية الأموال في النظام عن طريق شراء الأوراق المالية من السوق. لكن التشديد الكمي أقل شيوعاً باستثناء تجربة قصيرة في عام 2019 أجراها الاحتياطي الفيدرالي، قبل أن يتراجع بحذر خوفاً من التأثير في معنويات السوق. فلماذا تنوي البنوك المركزية متابعة عملية التشديد هذه المرة بعد أن تراجعت في السابق؟

الجواب هو أن الإطاحة بسوق الأسهم الشاهقة يُنظر إليه الآن على أنه أهون الشرّين مقارنة بإمكانية تدمير الثروة نتيجة التضخم الجامح الذي يسيطر على الولايات المتحدة وأوروبا وبقية العالم.

فهل عمليات البيع القادمة للأصول المالية التي يحتفظ بها الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى كبيرة بما يكفي لإغراق أسواق الأسهم العالمية ذات ال 116 تريليون دولار من القيمة، نصفها من بورصة نيويورك وبورصة ناسداك؟

يحتفظ بنك الاحتياطي الفيدرالي بنحو 9 تريليونات دولار من الأصول (أكثر من ضعف المبلغ في أوائل عام 2020)، مما رفع إجمالي أصول البنوك المركزية الكبرى في العالم إلى أكثر من 30 تريليون دولار، أي أكثر من ربع قيمة الأسهم العالمية. وحتى لو قامت البنوك المركزية بالتخلص من معظم هذه الأصول، فقد لا يبدو ذلك بالحجم الكافي لإغراق أسواق الأسهم.

لكن التأثير النفسي في السوق، من قرارات البنوك المركزية خفض الحجم المطلق لممتلكاتها من الأصول (وليس فقط خفض حجم المشتريات الجديدة) هو ما يهم. وسيشير ذلك إلى نهاية حقبة من التوسع الائتماني غير المحدود على ما يبدو، مع تأثير كبير ممتد إلى المستثمرين.

بالإضافة إلى ذلك، يبدو من المؤكد أن تكلفة الأموال ستستمر في الارتفاع بلا هوادة هذا العام وربما في العام التالي حيث تواصل البنوك المركزية رفع معدلات الإقراض بزيادات لا يمكن إلا أن تتوسع في الحجم نظراً لهدير إعصار أسعار الوقود والغذاء والسلع الأخرى الجارف.

وعليه، قد نكون على عتبة أزمة في النظام المالي مماثلة لما حدث خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008 – 2009، وليس مجرد انهيار في سوق الأسهم. رغم أن ذلك يبقى احتمالاً غير مرجح قياساً لأن البنوك التجارية الآن تتمتع برسملة أفضل وأفضل تنظيماً من السابق.

إلى ذلك، تلعب بنوك الظل المزعومة مثل صناديق التحوط، ومقرضي الرهن العقاري، وصناديق أسواق المال، وشركات التأمين، وغيرها، دوراً أكبر بكثير في الإقراض الآن، وعلى عكس البنوك التجارية، لا يخضع معظمها للتنظيم الرسمي. لذلك يمكن أن تكون الأزمة التالية من بوابة الظل المصرفي نفسه.

وكما تحدث الاقتصاديان في صندوق النقد الدولي أنطونيو جارسيا باسكوال وفابيو ناتالوتشي في مدونة حديثة، بأن الشركات الناشئة تحرز تقدماً سريعاً في الخدمات المالية المهمة، وغالباً ما تتعرض لمخاطر أكبر من البنوك التقليدية، وبأن أهمية البنوك الرقمية تزداد في الأسواق المحلية.

هذه البنوك الرقمية، المعروفة باسم «البنوك الجديدة»، أكثر عرضة من نظيراتها التقليدية لمخاطر الإقراض الاستهلاكي، ويمتد انكشافها إلى مستويات أخطر في محافظ الأوراق المالية الخاصة بها. نعم، لقد ازدهروا في ظل «التيسير الكمي»، لكن من غير المرجح أن يزدهروا أو حتى يصمدوا في ظل «التشديد الكمي».

وقد يكون «تمرين التشديد الكمي»، كما أشار إليه كبير الاقتصاديين في بنك كريدي سويس اليابان هيروميتشي شيراكاوا، بمثابة حافز لتصحيح طال انتظاره في أسواق الأسهم، خاصة أن البنوك المركزية الأخرى تنضم إلى بنك الاحتياطي الفيدرالي في حل الميزانية العمومية.

غالباً ما يتم تجاهل هذه النقطة البسيطة ولكنها مهمة لأن الأسواق قد اعتادت على التفكير في أن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو زيادة تكلفة المال بدلاً من سحب الأموال من الطاولة. ربما قامت الأسواق بتسعير تشديد التيسير الكمي ولكنها لم تُقيّم بعد تأثير التشديد.
تغذى التضخم بالحذر النقدي لتجنب الركود الاقتصادي والانهيار المالي في أعقاب الأزمة المالية العالمية والوباء. ومن المفارقات، أن التضخم هو الذي يهدد الآن بتعجيل هذه الأشياء بالذات حيث أن الإفراط المالي له تأثيره.
* أنتوني رولي صحفي متخصص بالشؤون الاقتصادية والمالية الآسيوية.
المصدر: ساوث تشاينا مورنينج بوست

موضوعات تهمك:

القروض والسمكة والسنارة وغياب الأولويات

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة