معضلة الدولار الجيوسياسية بين الطاقة والغذاء

محمود زين الدين1 نوفمبر 2022آخر تحديث :
الدولار

شهد نحو 90% من الاقتصادات النامية زيادة أكبر بأسعار القمح بالعملات المحلية مقارنة بزيادة الأسعار بالدولار الأمريكي.
معالجة التضخم بأمريكا تتم على حساب تعافي الاقتصاد العالمي في حين تلقي اأمريكا المسؤولية على عاتق دول “أوبك” وروسيا.
العالم بحاجة لحلول قبل ان يسبب الدولار كارثة غذاء وطاقة تعصف بالاستقرار الدولي، وتزهق أرواح الملايين بمجاعات وصراعات أهلية وحروب إقليمية!
انخفاض العملات مقابل الدولار أدى لارتفاع أسعار النفط بالعملة المحلية و60% من الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية شهد ارتفاعا بأسعار الطاقة.
تحتاج الدول المرتبطة عملاتها بالدولار لدراسة معمقة بعيدة المدى لجدوى الارتباط بالدولار دون تجاهل فرص يمكن الاستثمار فيها خلال 2023 و2024 للتكيف والاستعداد للأسوأ.
* * *

بقلم: حازم عياد
كشف البنك الدولي صباح السبت 29 أكتوبر إن انخفاض قيمة العملات مقابل الدولار ساهم بشكل مباشر في ارتفاع أسعار النفط بالعملة المحلية؛ ذلك ان قرابة 60% من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية المستوردة للنفط شهدت ارتفاعا في اسعار الطاقة.
كما شهد نحو 90% من هذه الاقتصادات أيضا زيادة أكبر في أسعار القمح بالعملات المحلية بالمقارنة بزيادة الأسعار بالدولار الأمريكي.
الدولار وسياسيات الفيدرالي الاميركي القائمة على رفع سعر الفائدة بحسب التقرير مسؤولة بهذا المعنى عن إعاقة جهود التعافي في العديد من الدول، ومسؤولة عن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء بالعملات المحلية.
البنك الدولي أعاد توجيه البوصلة نحو الولايات المتحدة والدولار كمتهم في مفاقمة ازمة الدول الفقيرة الغذائية، الى جانب مفاقمة مديونيتها المقومة بالدولار واليورو؛ فالبنك المركزي الاوروبي حذا حذو الفيدرالي الاميركي خلال الربع الثالث من العام الحالي 2022 في رفع اسعار الفائدة، مفاقما من ازمة الطاقة والديون والغذاء العالمية.
معضلة الدولار شخصها بوضوح أيهان كوسي رئيس الخبراء الاقتصاديين ومدير مجموعة آفاق التنمية التابعة للبنك الدولي التي تصدر نشرة “آفاق أسواق السلع الأولية” بالقول:
“يؤدي تضافر عوامل ارتفاع أسعار السلع الأولية، والتراجع المستمر لقيمة العملات إلى زيادة معدلات التضخم في كثيرٍ من البلدان. ولا يتوافر لدى واضعي السياسات في الاقتصادات الصاعدة والاقتصادات النامية سوى مجال محدود لإدارة دورة التضخم العالمية الأشد وضوحاً منذ عقود. ويتعين عليهم التروي وتوخي الحذر في تحديد سياساتهم النقدية والمالية، والإفصاح بوضوح عن خططهم، والتأهب لمواجهة فترة قد تشهد مزيداً من التقلبات في أسواق المال والسلع الأولية العالمية”.
البنك الدولي يوصى الدول بتوخي الحذر في سياساتها المالية، ولعلها دعوة لمراجعة علاقة الكثير من هذه الدول بالدولار؛ فالأزمة يتوقع أن تمتد لأشهر وسنوات، وتحتاج الى مراجعة حقيقية للسياسات المالية للدول ولعلاقاتها التجارية.
معضلة الدولار تعكس الأنانية التي تتمتع بها أمريكا وأوروبا في علاج مشاكلها. وبالعودة الى خريطة التضخم الجيوسياسية التي كشف عنها البنك الدولي نجد انها بمثابة انعكاس لنشاط الدولار.
فمعدل تضخم أسعار المواد الغذائية في منطقة جنوب آسيا في المتوسط أكثر من 20%، ومعدل تضخم أسعار الأغذية في المناطق الأخرى ومنها أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأفريقيا جنوب الصحراء، وشرق أوروبا وآسيا الوسطى تراوح في المتوسط بين 12% و15%.
وكانت منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ المنطقة الوحيدة التي انخفض فيها معدل تضخم أسعار المواد الغذائية، فيما يُعزَى جزئياً إلى الأسعار المستقرة بوجه عام للأرز، وهو الغذاء الرئيسي في المنطقة، والى اعتمادها على واردات النفط العربي والآسيوي والروسي وهي الاشارة المهمة التي تجاهلها التقرير.
معالجة التضخم في اميركا تتم على حساب تعافي الاقتصاد العالمي، في المقابل فإن اميركا تلقي المسؤولية على عاتق دول “أوبك” وروسيا.
سياسات الفيدرالي الأمريكي تهديد حقيقي للدول الفقيرة والنامية، وتحتاج الدول الى مراجعة سياساتها كما يحتاج البنك الدولي والأمم المتحدة الى مناقشة الظاهرة عبر مؤتمرات وورش عالمية لا تختلف عن المؤتمرات والورش التي تبحث الاحتباس الحراري وتغير المناخ.
العالم بحاجة للبحث عن حلول قبل ان يتسبب الدولار في كارثة غذاء وطاقة تعصف بالاستقرار الدولي، وتزهق أرواح الملايين بالمجاعة وصراعات أهلية وحروب إقليمية، كما تحتاج الدول المرتبطة عملتها بالدولار الى دراسة معمقة وبعيدة المدى لجدوى الارتباط بالدولار دون تجاهل للفرص الممكن الاستثمار فيها خلال العام 2023 و2024 للتكيف أو للاستعداد للأسوأ.

*حازم عياد كاتب وباحث في العلاقات الدولية

المصدر: السبيل – عمان

موضوعات تهمك:

6 أسباب تعزز سطوة الدولار الأميركي في حرب العملات

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة