مطاع صفدي: بعثي مأخوذ بالثورة.. تعدد المعارضة يثريها

الساعة 2528 مايو 2012آخر تحديث :
مطاع صفدي

يسعى موقع الساعة 25″ لنشر ما كان يدور إبان الثورة السورية من نقاشات وحواراتنا مع اهم المفكرين والساسة بالإضافة لأهم ما كان ينشر في الصحف ووسائل الإعلام وقتها، لأهمية فهم ما كان يدور في ذلك الوقت.

مطاع صفدي، مفكر وأديب سوري، ينتمي الى جيل شهد أهم التحولات والانكسارات السياسية التي عرفها العالم العربي. يصفه البعض بأنه فيلسوف إشكالي وهو يُعد بعد هذه التجربة المعرفية الطويلة، من أبرز أعلام الفكر الفلسفي العربي المعاصر. يؤمن صاحب «فلسفة القلق» في إمكان نجاح النهضة العربية الثانية على شاكلة نظيره الفيلسوف اللبناني ناصيف نصار، لكن النهضة عنده يجب أن تترافق مع حركة تنوير المجتمعات العربية عبّر إخراجها من عقلها الأسطوري / الغيبي الى العقل الخلاّق، أي العقل الذي يفكر بذاته.

لم يكن مطاع صفدي الذي أبصر النور في عاصمة الأمويين دمشق العام 1929، أي بعد خمسة أعوام من إلغاء الخلافة العثمانية، مشغولاً بالهم الفلسفي، انجذب في البداية نحو الأدب، فوضع عدداً من الروايات من بينها «جيل القدر» (1961)، و«ثائر محترف» (1962)، بعدها انتقل نحو التأليف الفلسفي والتعريب والدراسات السياسية، ومن المؤلفات التي وضعها وقام بتعريبها: «نقد العقل الغربي: الحداثة ما بعد الحداثة»، «الحرية والوجود مدخل الى الفلسفة»، «فوكوياما: نهاية التاريخ والانسان الأخير»، «مصير الايديولوجيات الثورية».

انتسب صفدي الى حزب البعث منذ نشأته في الأربعينات، وخلال المرحلة الثانية (1964) من تاريخ الحزب، غادر سورية آتياً الى بيروت، ثم لجأ الى بغداد وانخرط في حزب البعث العراقي لكنه في مرحلة لاحقة استقال من النشاط الحزبي بعدما وضع مؤلفه «حزب البعث، مأساة المولد مأساة النهاية» في العام نفسه الذي غادر فيه سورية.

يبدو اليوم صاحب «الآكلون لحومهم» متفائلاً بالربيع العربي، لا سيما ذاك الربيع الوافد من دمشق، لكنه يتخوف من مصادرة الثورة السورية رغم أنها حتى الآن، كما يقول، أكدت أصالتها. ومن رواق الفلسفة يحاول مطاع صفدي ملامسة «ربيع دمشق» عبر زاويا مختلفة، فمقاربته للحركات الاحتجاجية العربية تم من زاوية تحرر الانسان العربي من الاستبداد السياسي «التاريخي والتراثي» وانتقاله الى اكتشاف حريته وذاتيته.

مطاع صفدي البعثي السابق الذي أجرى مقاربة نقدية لايديولوجية البعث، أدرك أن الأحزاب العقائدية العربية على اختلاف أنواعها فشلت في جذب الجمهور وفي تطبيق مشروعاتها. هو الآن في موقع آخر يقف الى جانب «الثورة السورية» ويدعمها، كما أنه انتسب الى رابطة الكتّاب السوريين التي تضم عدداً كبيراً من المثقفين الذين يدعمون الحراك الشعبي من مواقعهم.

الأسئلة التي يمكن طرحها على صاحب «الثوري والعربي الثوري» قد تبدو بلا نهاية بسبب تجربته الفكرية أولاً وانعطافاته السياسية ثانياً. وعلى إيقاع الربيع العربي والمخاض العسير الذي تمر به الحركة الاحتجاجية في سورية التقت «صحيفة الراي» المفكر السوري مطاع صفدي وأجرت معه الحوار الآتي:

• يشهد العالم العربي حراكاً احتجاجياً قارنه البعض بالديموقراطيات التي ظهرت في أوروبا الشرقية. بداية كيف تقرأ هذه المرحلة التاريخية التي يمر بها العالم العربي؟
ـ لا نستطيع القول إن الربيع العربي هو نسخة تشبه النموذج الأوروبي الشرقي، الأسباب بصفة عامة قد تكون متقاربة، لكن الظروف والوقائع والدوافع تخص كل مجتمع على حدة. المشكلة بالنسبة الى العالم العربي ليست مشكلة استبداد آني بل استبداد تاريخي ودائم، بينما في أوروبا هناك مراحل سبقت الاستبداد. نحن ما زلنا نواجه الآن المحصلة الاخيرة لتاريخ من الاستبداد الطويل والتراثي، فالأنظمة العربية تتشابه في بنيتها رغم أنها وضعت تحت تسميات مختلفة. النظام العربي في جوهره نظام استبدادي فئوي وطبقي، وعلاقته مع جماهيره سيئة دائماً، والى حد بعيد هي علاقة عدو ضد عدو آخر. ليست هناك حالة وسطية بين النظام وشعبه، هناك حركة متعاكسة تماماً، والاستبداد يرتبط بالاستغلال، وأنا أسميه مركب الاستبداد الفساد، بمعنى نحن لا نستطيع أن نعتبر أن لدينا طبقة غنية إلاّ بوسيلة التسلط على السلطة، وهذه الطبقة حين تصل الى الحكم تصبح وسيلة للاستغلال وليست وسيلة لتنظيم المجتمع أو طرح مشروعات حقيقية للمصالح العامة. النظام الشيوعي في أوروبا الشرقية، كان نظاماً استبدادياً طارئاً لأنه مستورد من الاتحاد السوفياتي سابقاً، ولم يكن مصدره ذاتياً، بولونيا وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية لها تاريخ بالحريات، في حين أن العالم العربي، ليس لديه تاريخ بالحريات باستثناء فترة الفتوحات الاسلامية. وطبعاً هذا زمن مضى وانقضى وقد أعقبه دهر من العبوديات المتواصلة، وحتى المثقفين الغربيين نظروا الى الربيع العربي على أنه حدث جديد حتى بالنسبة لتاريخهم، لم يكن يتوقعون أن تقوم ثورة باسم الحرية فقط لدى هذه الشعوب، التي كانت ساكنة والتي كانت الى حد بعيد تعتبر أنها مفطورة على العبودية وعلى الخضوع، وأن الذل بالنسبة اليها هو حالة عادية.

الربيع العربي مفاجئ حتى بالنسبة الى اصحاب النظريات الثورية في العالم الغربي، ومن وجهة النظر هذه ندعو المثقفين العرب الى البدء بالتفكير في ثورتهم لا أن يأتوا بالمفاهيم المؤدلجة، كي يطبقوها على معطيات هذه الثورات العربية النابعة من ظروفها الذاتية، ومن ظروف الانسان العربي، الذي اكتشف فجأة أنه مستعبد، وأن الحرية هي في الأصل مصدر وجوده، وأنه ما دام هو محروم من الحرية، فهو إذا من دون حياة. ولذلك نعتبر أن الأسباب الذاتية الانسانية هي التي فجرت الشعور الجمعي، وليست الاسباب الاجتماعية أو السياسية ولا كل هذه النظريات التي نعرفها من ثقافتنا الغربية. هناك عنصر انساني خالص، هدفه طرد الظلم والخلاص منه مهما كان طابعه، بعد ذلك يمكن تحديد أسباب الظلم، لذلك نلاحظ أن ثوارنا الشباب لم يطرحوا نظريات، انهم مشغولون فقط في نقطة أساسية جداً هي اعادة كرامة الانسان العربي أمام مستعبديه، وهذه عملية طويلة وليست سهلة، وقد بدأت بالاطاحة ببعض رموز السلطة، لكن الصراع مع النظام القائم سيطول، لأنه يستمد قوته ليس من المعطى السياسي فحسب، بل من تجذره في المجتمع وعقائده، التي يُعبر عنها عبر العادات والتقاليد والرموز.

• الحركات الاحتجاجية قادها الجيل الجديد من الشباب وحملت شعارات تطالب بالديموقراطية وتداول السلطة وحقوق الانسان. لماذا غابت الايديولوجية السياسية عن الحراك الاحتجاجي العربي؟ وهل يمكن القول إن هذا الجيل قطع مع حقبة الايديولوجيات الحزبية؟
ـ في الأساس ايديولوجية الأحزاب لم تكن صادرة عن تحليلات للواقع العربي بالذات بقدر ما كانت مستوردة من معلومات ومعارف غربية. هذه الأجهزة الايديولوجية لم تستطع أن تنتج حتى في أوقاتها، تغييرات أساسية في واقع المجتمع العربي وفشلت في التغيير، لذلك نلاحظ أن الأحداث الخطيرة التي مرت خلال أربعين عاماً، كانت تسير في اتجاه، والنظريات تسير في اتجاه آخر. النظرية لم تكتشف أسباب الحراك العربي الذاتية، وظلت مخلصة لمتونها أكثر من قدرتها على كشف وقائع الحياة اليومية للانسان العربي. لذلك نحن نعتبر الآن أن أول ثورة حقيقية هي ثورة الربيع العربي، لأنها لم تأت لا عن فكرة ولا عن منهج سابق عليها بل من ظروفها الذاتية، أي ظرف الشعور بالظلم والاحساس بضياع الوجود على مستوى الكرامة الانسانية. الأنظمة العربية جسدت فعلاً كل أشكال هذه العبوديات واستغلتها وحاولت أن تجعل الانسان العربي مجرد صفر في حساباتها، وكان الحاكم هو الذي يقرر وهو الذي يأتي بالحلول لأي مشكلة ودائماً ضمن منافعه الخاصة، أي على قاعدة مصلحة البقاء في السلطة.

• تعددت التسميات التي أطلقت على التحولات الجارية في العالم العربي وقد أطلق عليها توصيفات مختلفة كالثورة والانتفاضة والحركة الاحتجاجية والربيع العربي. كيف تصنف ما يجري الآن؟
ـ يجب أن نفهم كيف انطلقت هذه الثورة، إذا آمنا أن الظروف الخاصة هي التي أنتجتها، نستطيع أن نفهم أن كل عمل ثوري يبدأ أولاً بحالة غضب الانسان كحالة فردية، وعندما تتحول حالة عامة تتحول ثورة. الغضب الفردي يمكن أن يؤدي الى الاحتجاج، عندما يتحول الغضب الى جماعة غاضبة، فهذه الجماعة أصبحت في حالة تريد أن تزيل العقبة التي تقف في طريقها فتتحول ثورة، أي تنتقل من حركة احتجاج الى حركة انتفاض الى حركة ثورة. هذه المراحل قطعتها ثوراتنا العربية، وبعضها لم يستطع أن يصل الثورة المطلقة، فبقي في مرحلة الاحتجاج والانتفاضة، في حين أن جزءاً آخر قطع مرحلة الاحتجاج ووصل الى الثورة، مثل الحالة السورية الآن، التي بدأت بصدفة من الصدف، وتحولت بسرعة من غضب فردي أو فئوي الى غضب جماعي، وهذا الغضب زاده قمع النظام الذي تعامى عن أي حل يمكن أن يقدمه عبر البحث عن أسباب الاحتجاج، لكنه لم يفعل ذلك بعدما وصل الى درجة من الاعتداد بالذات لا تسمح له بقبول الآخر، فهو لا يفهم لماذا أصبح الآخر غاضباً عليه، من هنا نفهم لماذا يستخدم النظام السوري أقصى ما لديه في أدوات القمع العنف.

• ما أهمية الاصلاح الديني في ظل حركات الربيع العربي خصوصاً أن البعض يرى أن أي ثورة يجب أن ترافقها عملية إصلاح تطول البنى الدينية؟
ـ ثمة خلاف فلسفي بين الاصلاح الديني والاصلاح السياسي، الأول يرتبط بعلاقة الفرد بالقوى الغيبية، في حين أن الثاني نظرته نظرة أفقية، يربط الامور بعضها ببعض على صعيد الواقع. الاصلاح الديني يفسر نسبة الى النصوص الثابتة لديه التي هي أقوال الله تعالى، أو الشرع، والشرع هو نظام نهائي لديه قيم ومقاييس، والأشياء يجب أن تتطابق معه، أما السياسة على العكس تريد أن تفكر بدءاً من الواقعة بالذات، وخصوصاً مشاكل الانسان المادية والظروف الاجتماعية، وقراءة هذا الواقع قد تفرض كتابة نصوص أخرى، وهكذا يولد العلم. ومن هنا الاصلاح يجب أن يكون علمياً أكثر منه دينياً، وعندها نقول إن هناك اصلاحاً دينياً، في ضوء تطور العلم وليس العكس. لا يمكن إصلاح العلم في ضوء التطور الديني، الدين نص ثابت والأمور الاخرى يجب أن تتفق معه.

• لماذا تبدو الأحزاب غائبة عن الحراك الشعبي العربي تحديداً الأحزاب القومية واليسارية؟
ـ هذه الأحزاب انتهت أدوارها قبل الربيع العربي. في مصر الحياة الحزبية كانت مكبوتة ولم يسمح إلاّ لبعض التنظيمات البسيطة الى حد ما بالمعارضة وضمن حدود معينة. في سورية الحياة الحزبية الشعبية معدومة، وإذا كان هناك من تنظيمات حزبية فهي نتاج النظام. هذه الاحزاب كانت موجودة في شكل رمزي كفئات عائمة على سطح المجتمع، ولم تستطع أن تفهم هذه الثورة ولا أن تتفاعل معها، وبعضها اليوم يحاول الالتحاق بها، ولكن الثورة تتحدى كل من يلتحق بها بهذه الطريقة. من هنا نلاحظ أن أهمية الدعوة الفعلية لحياة حزبية جديدة، تؤسس على معطيات هذه الثورات.

• الانتفاضات العربية أوصلت الاسلاميين الى السلطة في تونس ومصر. ما هي العوامل التي ساهمت في ذلك؟
ـ لأن مجتمعاتنا إسلامية، والحزبيات العلمانية كانت هامشية ولم تستطع أن تقيم جسوراً بينها وبين الكتلة الكبيرة من الجمهور، بقيت المجتمعات العربية مرتبطة بعقائدها التقليدية، وعندما تثور لا تجد سوى هذه العقيدة المباشرة لترتكز عليها. ولكن هذا لا يعني أنها ثورات دينية، هي ثورات اجتماعية تتوسل عقائدها الكلاسيكية القائمة. الأحزاب القومية واليسارية أرادت تغيير المجتمع بأفكار جديدة، وثبت فشلها مع الزمن، لأنها عجزت عن تحريك الكتل الكبيرة الى جانبها. وأنا أعود دائماً الى هذا القول، بأن النهضة العربية لم تدخل عصر التنوير، بمعنى أن النهضة كما عرفها العرب لم ترافقها حركة تنوير هدفها اخراج الناس من اعتقاداتهم القبلية، والتنوير يعني تحويل العقل الجمعي من عقل تبعي الى عقل خلاّق أي عقل يفكر في ذاته. من هنا يستطيع دعاة استخدام الدين أن يجندوا الكتل الشعبية الكبيرة وراءهم وهذا ما يحدث، وأنا لست متشائماً من وصول الاسلاميين الى السلطة، المهم الآن أن الثورة احدثت جواً من الحرية، ووصولهم الى السلطة سيقابله معارضة، والمعارضة ستتحدى رجال السلطة الاسلاميين، بأن يقدموا حلولاً واقعية، وهم في هذا الميدان غير متوقع أن يستخدموا الحلول العملية لمشاكل مجتمعاتنا المتراكمة. هؤلاء يمكن أن ينكشفوا أمام مجتمعاتهم ويخسروا جولات أخرى، لكن المهم أن نحافظ على الشرط الرئيسي الذي أحدثته هذه الثورة، وهو انكسار الاستبداد الفكري، ودخول مجتمعاتنا في حال من العلانية الأولى. الاستبداد الاساسي انكسر الى حدود معينة، والآن تم تأسيس مساحات واسعة للنقاش وتبادل الأفكار وهذا المعطى شديد الأهمية، وما دام هذا المناخ قائما، فليس ثمة خطر من اي فئة من الفئات أن تصل الى الحكم. المعطى الحقيقي الذي أنتجته الثورات، انتقال العقل العربي من مرحلة استغباء ذاته واستقالته من الشأن العام الى مرحلة العلانية. أرى أن ما يحدث في مصر الآن هو شيء رمزي، يمكن أن يعم العالم العربي، هناك انفتاح كبير الآن وكل القوى حاضرة والصحافة أصبحت الى حد بعيد حرة، وهذا ضامن أساسي لوجود الأمل بالتقدم.

• الحركات الإسلامية تتبنى اليوم مفاهيم غربية مثل المواطنة والتعددية والدولة المدنية. هل تتيح الايديولوجية الدينية لهذه الحركات تطبيق تلك المفاهيم؟
ـ حين يستخدم البعض الدين كوسيلة للسلطة، يجب أن تكون هناك جبهة مقابلة تحاول أن تعود الى النصوص الدينية كي تظهر الفعل الحضاري للاسلام. يمكن لفكر علمي أن يكتشف بأن الاسلام ليس فكراً استبدادياً في الأساس، بل فكر حر يفسح المجال أمام المتعمق في نصوصه الأصلية، في فهمه كحضارة وليس فقط كدين. الحركات الإسلامية أمام مرحلة اختبار وعليها تطبيق المفاهيم التي نادت بها، وإذا لم تفعل ذلك فإن مجتمعاتنا ستتحول من الاستبداد السياسي الى الاستبداد الديني. وكما هو معروف فكرة المواطنة غريبة عن الاسلاميين، وقد أخذوها من أجل خلط الاوراق بينهم وبين دعاة المجتمع المدني، وهم يحاولون صوغ مفهوم المواطنة بطريقة قد لا تتفق مع مضمونه، وإذا حاولنا أن نتفهم مصدره العلمي نجد أنه طرح للمرة الاولى مع الثورة الفرنسية، عندما طرحت هذه اللفظة كان مقصودا فيها أن الانسان يجب أن يخرج من اي أطر ضيقة سواء أكانت دينية أم طبقية. المواطنة هي الانتماء الى الشأن العام الذي يجمعنا، ونحن ما زلنا غائبين عما يعنيه مفهوم المواطنة كثقافة جديدة كاملة، تتطلب تفكيرا في مفاهيمنا الأخرى، عندما ننتمي الى المواطنة يجب أن نضع انتماءاتنا السابقة وراء ظهرنا.

• الأزمة السورية تبدو أكثر تعقيداً مما حدث في مصر وقد مرّ على الحركة الاحتجاجية أكثر من عام. كيف تقارب ما يجري في سورية؟ والى أين تتجه الأزمة في ظل المراوحة الدولية؟
ـ يمكن القول إن الثورة السورية من أكبر أزمات الربيع العربي، هي أزمة لذاتها وأزمة أمام التحولات التاريخية الراهنة، إذ إن التعقيدات التي دخلت فيها، هي من التنوع ومن التراكم، بحيث أصبح لكل دخيل طريقه للوصول الى تخريبها من داخلها. المشكلة في هذه الثورة أنها بقدر ما هي سلمية على صعيد قواعدها الشعبية بقدر ما تصبح قابلة للتحريف والتوظيف من القوى الأخرى التي تدعي أنها قائدة لها، وكل هذه الاجراءات التي نسمع عنها دائماً تحاول أن تغطي على واقع الثورة الحقيقي.

الثورة الحقيقية في سورية هي ثورة أصيلة وصادقة مع ذاتها، والشباب الذين يقومون بالتظاهرات يومياً يقدمون كل التضحيات الممكنة، لكن ثمة محاولات لتوظيفها من الخارج وحتى من الداخل، من هنا هذا التعقيد على مستوى التداخل الدولي والعربي، الذي يريد أن تصل الثورة الى أهداف أخرى ليست أهدافها. الخطر على الثورة السورية آتٍ من المجتمع الدولي الذي يديرها بطريقته الخاصة، وما زالت هي ممتنعة على التكيف مع اليد التي تريد أن تقبض عليها. نحن نراهن على هذه الثورة العنيدة والصامدة في وجه أعنف نظام استبدادي عرفه تاريخ الاستبداد، ليس العربي وحده بل العالمي، وهذا الصمود هو الذي سيمنع أي توظيف دولي لها.

• يرى البعض أن سورية تشهد اليوم انتفاضة سنيّة على اعتبار أن الشرائح الدينية الأخرى متخوفة أو متضررة مما يجري لا سيما العلويين والمسيحيين. ما رأيك في ذلك؟
ـ الثورة في حد ذاتها ليست طائفية وليس هناك فئة في سورية إلاّ ومتضررة من هذا النظام الاستبدادي، باستثناء الجماعات التي تقبع في قمة الهرم. الغالبية الساحقة مع الثورة وقد حاول النظام إثارة الطائفية عبر عمليات قيصرية بهدف استرداد قلعته الطائفية، ولكن ثبت أن وعي الثوار كان أقوى من هذه العمليات، فهم يعتبرون أن شعبهم واحد وأن قضيتهم واحدة. على الهامش الثورة تحدث بعض الافخاخ الطائفية سواء مع الكتلة السنية الساحقة أو الفئات العلوية الاخرى. هناك أفخاخ تركب ويُشتغل عليها من أجل تحويل هذه الحوادث الجزئية الى حوادث كلية بغية قلب الأمور من ثورة شعبية كاملة الى ثورة تأكل الأخضر واليابس بالنسبة لبعضها البعض، ولمكوناتها المجتمعية المختلفة. الفخ الطائفي هو أشنع فخ يمكن ان تسقط فيه أي ثورة وأملنا أن شبابنا تخطوا العقبات التي حاولت أن تسقط ثورتهم.

• عند وصول الرئيس بشار الأسد الى السلطة أجرى بعد الاصلاحات السياسية كما أنه أطلق حواراً مع بعض المعارضة لكن هذه العملية توقفت. لماذا لم يستطع النظام متابعة الاصلاحات؟
ـ هناك فئات كثيرة من الشبيبة المثقفة والمعارضة الوطنية، حاولت الرهان على بشار الاسد بعد مجيئه الى السلطة، إذ اعتبرت أن التغيير يمكن أن ينقل البلد من وضع معين الى وضع أفضل من حيث الحريات والاقرار بالآخر والسماح بحياة حزبية، كل هذه الآمال التي وضعت تحت مسمى «ربيع دمشق» اجهضت في فترة قصيرة جداً، وتبين أن الأسد إما أنه وقع في شرك نظامه ولم يستطع فعل شيء، وإما لم يرد من الاساس اجراء اصلاح حقيقي، فأظهر وجهاً ايجابياً في البداية، الى أن استملكه التسلط واعتقد أن سورية أصبحت ملكاً لأسرته وللجماعة المحيطة به.

• المعارضة السورية تتفق على إسقاط النظام لكن ثمة اختلاف جوهري في كيفية إدارة الصراع مع السلطة. كيف تقوّم أداء المعارضة السورية من هذه الناحية؟
ـ في حال النضال السلمي تظهر منظمات كثيرة، فخلال المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي على سبيل المثال، ظهرت مقاومات مختلفة طرحت نظريات متعددة لكنها اتفقت على التحرر من النازية. سورية الآن لديها تنظيمات كثيرة داخلية وخارجية، إلاّ أنها أغلبها متفق على أن الهدف إسقاط النظام، أما بعد اسقاطه تفصيل آخر. التنوع في المعارضة السورية دليل غنى، لكن لا بد من محاور أساسية، فالمجلس الوطني ولجان التنسيقيات وهيئة التنسيق لقوى التغيير الديموقراطي، كل هذه الاشكال وغيرها يمكن أن تصب في نوع من صيغة التكامل في ما بينها إذا حدثت انفتاحات على بعضها البعض. انا لا أرى في تعددية أشكال المعارضة السورية خطأ أو ضعفاً إلاّ عندما تتدخل القوى الأخرى لتجعل المعارضة تحارب بعضها البعض، وتنسى هدفها الأساسي أي اسقاط النظام، هذا يمكن أن يحدث وله بعض الاعراض الآن لكن في شكل عام هناك وعي يستطيع أن يتجاوز هذه الانحرافات.

• يرى البعض أن جزءا من اليساريين في سورية يخون الثورة ما رأيك في ذلك؟
ـ بعض بقايا اليسار أو من يمكن تسميتهم فلول اليسار القديم، ترى نفسها انها مستبعدة عن هذه الثورة، ولا مكان لها فيها، ويمكن الى حد بعيد ان تقف بخطوط متقاربة مع السلطة. اليسار الحقيقي هو الذي سيولد من الثورة، يسارنا القديم أصبح متقاعداً ويجب أن يقبل بوظيفة التعاقد.

• ما رأيك بالوثيقة التي أصدرها «الاخوان المسلمين» في سورية؟
ـ الاخوان المسلمين في سورية تبنوا خطاباً تقدمياً عبر هذه الوثيقة، وهي لو صدرت عن أي فئة أخرى يسارية أو ليبرالية، لما تفاجئنا. الاخوان لهم تاريخ ولهم تراث، ويجب فهم هذه الوثيقة انطلاقاً من تاريخهم وتراثهم. هم تيار وطني له نضالاته، لكنه يختلف جذرياً مع اليسار العربي، وهذه الخلافات ما زالت قائمة لا يمكن أن تزيلها وثيقة طارئة، إلا إذا حققت نوعاً من الانقلاب الذاتي، وعلى الاخوان أن يطبقوا ما طالبوا به، وإذا لم يفعلوا فهذا يعني أن هذه الوثيقة تدخل في باب المزايدات الدعوية.

• انتسبت الى رابطة الكتاب السوريين وهي أول رابطة ثقافية تتبنى شعارات الثورة السورية وأهدافها. ما أهمية هذه الرابطة بالنسبة الى الثورة السورية؟
ـ ما زالت هذه الرابطة في طور النشأة الأولى، وأمامها برنامج عمل واسع، ويمكن اعتبارها بمثابة الصيغة الوجدانية للثورة السورية، وأعتقد أنه يجب أن نضع لأفكارنا صيغا عملية معينة، نأمل التوصل اليها سريعاً بعد أن يتم تكوين الاطار الاداري، بغية تفعيل الرابطة على المستويين الثقافي والعملي بشكل يحاكي اللحظات المهمة من تاريخ الثورة السورية الصادقة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة