ما الذي يتوقعه العالم من الحرب الباردة الجديدة؟

محمود زين الدين17 مارس 2022آخر تحديث :
الحرب الباردة

من غير المحتمل أن ينقسم العالم إلى معسكرين بسبب الترابطات الاقتصادية.

قوة الردع النووي منعت قيام “معركة نهاية العالم” لكنها لم تمنع حروب الوكالة.

الحرب الأوكرانية الروسية تمتلك العديد من السمات المميزة لاشتباكات الحرب الباردة القديمة.

جعلت الإدارات الديمقراطية والجمهورية، رغم اختلافاتها حول تفاصيل السياسة، احتواء الصين وروسيا أولويتها الأولى في السياسة الخارجية.

الردع النووي لم يمنع الناتو من تسليح أوكرانيا وقوبلت دعوة رئيس أوكرانيا لحظر طيران فوق بلاده بالرفض الشديد خوفاً من استفزاز روسيا.

اندماج الدول في شبكة عالمية للتجارة والتمويل جعل المعتدي عرضة للتعرض للضغوط الاقتصادية وعقوبات ستؤدي إلى تكلفة كبيرة في ارتفاع أسعار السلع.

لم تتفكك التحالفات نظرا لقوة الردع النووي وظهور مبدأ “التدمير المتبادل المؤكد – الجمود الاستراتيجي” نظراً لامتلاك الخصوم قنابل هيدروجينية تكفي لتدميرهما فلا يمكن ربح الحرب ولا جدوى من القتال.

أن تكون الحرب الباردة الجديدة باردة جداً لفترة طويلة حيث يتم عزل روسيا لأشهر أو أكثر وقد يغزو بوتين مولدوفا وجورجيا لكن ذلك يعني زيادة ألم روسيا واضطرابات قد تطيح بوتين.

* * *
يحاول المحللون معرفة تأثير الحرب في أوكرانيا على النظام الجيوسياسي في العالم، في الوقت الذي يعتقد فيه العديد من الخبراء أننا في حرب باردة جديدة، وفقاً للباحث توم موكيتيس في مقال نشره موقع “ذا هيل” القريب من الكونغرس، الذي أكد، ايضاً، أن التحدي هو منع هذا الصراع من الامتداد.
ولفهم الحرب الباردة الجديدة، يجدر بنا التفكير في أوجه الشبه والاختلاف مع الحروب القديمة، كما يضيف موكيتيس، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية بأمل كبير في أن التحالف في زمن الحرب سيبقى سليماً لضمان السلام العالمي.
ولكن سرعان ما ثبت أن هذا الأمل بائس للغاية، فقد كان لدى الاتحاد السوفييتي كل العزيمة على إقامة أنظمة من الدمى في كل دولة احتلها الجيش الأحمر، وفي 1949، شكل الحلفاء في الغرب منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ورد السوفييت بحلف وارسو في عام 1955.
وكان من الممكن أن تتفكك التحالفات، لولا قوة الردع النووي، وبحلول أوائل الستينيات، صاغ الخبراء مصطلح “التدمير المتبادل المؤكد- الجمود الاستراتيجي”، نظراً لأن الخصوم يمتلكون ما يكفي من القنابل الهيدروجينية لتدمير بعضهم البعض، فلا يمكن لأي أحد أن يربح الحرب، ولذلك لم يكن هناك جدوى من القتال.
وانضمت الصين إلى النادي النووي في عام 1964، ووسعت الحرب الباردة إلى آسيا، وفقاً لموكيتيس، وهو أستاذ للتاريخ بجامعة ديبول ومؤلف كتاب “العراق وتحدي مكافحة التمرد”.
ومنع الردع النووي قيام “هرمغدون”، أو معركة نهاية العالم، إلا أنه لم يمنع من قيام الحروب بالوكالات في تلك الحقبة، حيث دعمت واشنطن إسرائيل ودعمت موسكو مصر.
وعندما غرقت الولايات المتحدة بمستنقع جنوب شرق آسيا، زود السوفييت فيتنام الشمالية بالأسلحة والمساعدات الأخرى، وزودت الولايات المتحدة المقاتلين الأفغان بصواريخ ستنغر المضادة للطائرات لاستخدامها ضد المحتلين السوفييت خلال الثمانينيات، ودعم الجانبان الكثير من دول الوكالة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
ويضيف موكيتيس أن الحرب الأوكرانية الروسية تمتلك العديد من السمات المميزة لاشتباكات الحرب الباردة القديمة، حيث تردع ترسانة موسكو النووية التدخل المباشر من قبل الولايات المتحدة وحلفاء الناتو، تماما كما منعت الثورة المجرية عام 1956 أو ربيع براغ عام 1968.
ومع ذلك فإن الردع النووي لم يمنع الحلف من إمداد الجيش الأوكراني بالأسلحة، وقد قوبلت دعوة الرئيس الأوكراني زيلينسكي لإنشاء منطقة حظر طيران فوق بلاده بالرفض الشديد خوفاً من استفزاز روسيا.
ولاحظ الباحث أنه رغم وجود بعض أوجه التشابه مع الصراعات السابقة، إلا أن الحرب الحالية تدور في سياق مختلف تماماً، حيث أصبح العالم أكثر تعقيداً منذ نهاية الحرب الباردة في عام 1989، وبقي الاتحاد الروسي كأنه ظل للاتحاد السوفييتي، وزادت قوة الصين بشكل كبير وأصبحت تشكل تهديداً أكبر للولايات المتحدة.
ولا يختلف المشهد الاستراتيجي عما كان عليه قبل 30 عاماً، ولكن العالم أكثر تكاملاً، حيث تم دمج جميع الدول في شبكة عالمية للتجارة والتمويل، وهذا الاعتماد جعل المعتدي عرضة للتعرض للضغوط الاقتصادية، كما حدث في العقوبات الأمريكية والدولية على روسيا بعد الغزو، ولكنها عقوبات ستؤدي إلى تكلفة كبيرة في ارتفاع أسعار السلع.
وأوضح موكيتيس أن المشهد الأمريكي المحلي تغير، ايضاً، إذ جعلت الإدارات الديمقراطية والجمهورية، رغم اختلافاتها حول تفاصيل السياسة، من احتواء الصين وروسيا أولويتها الأولى في السياسة الخارجية.
ورغم هذه المعطيات، إلا أن موكيتيس يرى أن الترابطات الاقتصادية والبيئة الأمنية العالمية المعقدة تجعل من غير المحتمل أن ينقسم العالم مرة أخرى إلى معسكرين مسلحين أو حتى ثلاثة لفترة طويلة، حيث تمثل الصين أكثر من ربع التصنيع العالمي وأكثر من 20 في المئة من واردات الولايات المتحدة، وتنتج روسيا 10% في نفط العام وتزود أوروبا بنحو 40 % من الغاز الطبيعي.
ومن المحتمل أن تكون الحرب الباردة الجديدة، والحديث لموكيتيس، باردة جداً لفترة طويلة، حيث يتم عزل روسيا لأشهر، وربما لفترة أطول، وقد يغزو بوتين مولدوفا وجورجيا، لكن قيامه بذلك يعني زيادة الألم بالنسبة لروسيا، وبالتالي قيام اضطرابات تهدف إلى الإطاحة ببوتين.

المصدر: ذا هيل

موضوعات تهمك:

في الحرب الباردة الثانية

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة