سريلانكا: رئيس آخر يهرب!

محمود زين الدين12 يوليو 2022آخر تحديث :
سيرلانكا

المسؤولية الكبرى عن الكارثة التي تجري في البلاد هي القرارات السياسية الفاشلة للرئيس وشقيقه.
من غير المعلوم حجم الديون الكاملة المستحقة على سريلانكا، لكن النتيجة الفعلية لسياسة الاقتراض عجز الدولة عن سداد ديونها الخارجية.
بعد أن كانت سريلانكا قوة اقتصادية كبيرة، انتهى الأمر بالبلاد لتدهور اقتصادي فظيع، حيث يعاني المواطنون من نقص الكهرباء والغذاء والوقود.
تحت قيادة اسرة راجاباكسا اقترضت الدولة مبالغ طائلة من مصادر صينية لمشروعات غير مدروسة، وكثير منها يقع في منطقة هامبانتوتا، محل إقامة عائلة راجاباكسا.
يمثّل الأخوان راجاباكسا نموذجا تقليديا للنخب الحاكمة بالبلاد المتخلفة، حيث تتناوب عائلات سياسية على السياسة والاقتصاد والأمن، خدمة لمصالحها وهيمنتها مما يؤدي لنتائج كارثية على البلاد.
* * *
تمكّن الرئيس السريلانكي، غوتابايا راجاباكسا، من الفرار من قصره، قبل دقائق من دخول آلاف المحتجين إليه، مستخدما سفينة حربية توجهت به إلى المياه الإقليمية، وتدفقت بعدها جموع شعبية لانتظار دورهم للجلوس على كرسي الرئيس، وأخذ البعض يسبحون في حوض السباحة داخل المجمع، ويتجول آخرون في غرف النوم، فيما يلعب الأطفال على البيانو، وصرّح راهب لإحدى وكالات الأنباء: «عندما يعيش القادة في مثل هذا الترف لا تكون لديهم أدنى فكرة عن معيشة عامة الناس».
هزّت الاحتجاجات الدامية سريلانكا منذ شهور، وذلك على خلفية أزمة أمنية واقتصادية فاقمتها الإدارة الفاشلة للأخوين راجاباكسا، الذي استلم أولهما غوتابايا منصب الرئاسة عام 2019، وشقيقه ماهيندا، الذي كان رئيسا أيضا في الأعوام 2005 إلى 2015، ثم تولّى أيضا رئاسة الوزراء في عهد أخيه، إلى أن اضطر للاستقالة بعد الاشتباكات العنيفة بين الشرطة والمتظاهرين هذا العام.
يمثّل الأخوان راجاباكسا نموذجا تقليديا للنخب الحاكمة في البلدان المتخلفة، حيث تتناوب بضعة عائلات سياسية على السياسة والاقتصاد والأمن، وتقوم بخدمة مصالحها والدفاع عن هيمنتها مما يؤدي لنتائج كارثية على البلاد والمواطنين.
دشّن ماهيندا، مسيرته السياسية، حين كان رئيسا، بهزيمة قوات المعارضة عام 2009، وكان أخوه، غوتابايا، حينها وزيرا للدفاع، وبعدها قائدا للقوات المسلحة والشرطة، وقد بنى الأخوان قوّتهما السياسية على هذا الحدث الذي أنهى الحرب الأهلية مع «مقاتلي نمور التاميل».
بعد أن كانت سريلانكا قوة اقتصادية كبيرة، انتهى الأمر بالبلاد إلى تدهور اقتصادي فظيع، حيث يعاني المواطنون من نقص الكهرباء والغذاء والوقود، ورغم تأثير الأزمة الأمنية التي حصلت عام 2019، وتداعيات أزمة كورونا على قطاع السياحة، وكذلك أثر الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن المسؤولية الكبرى عن الكارثة التي تجري في البلاد هي القرارات السياسية الفاشلة للرئيس وشقيقه.
لقد قامت الدولة، تحت قيادة اسرة راجاباكسا، باقتراض مبالغ طائلة من مصادر صينية لحساب مشروعات غير مدروسة، وكثير من هذه المشاريع تقع في منطقة هامبانتوتا، محل إقامة عائلة راجاباكسا.
أحد هذه المشاريع هو ميناء هامبانتوتا، الذي خسر 300 مليون دولار خلال ستة شهور، ولم تتمكن الجهة المشغلة لسداد قروضها للصين، وبفضل قرض آخر بـ200 مليون دولار، بُني مطار راجاباكسا، وهو الآن لا يستطيع حتى سداد قيمة فواتير الكهرباء.
اتبع راجاباكسا سياسة تخفيف للضرائب، وهو ما أدى إلى تراجع كبير في عائدات الدولة ونقص احتياطي العملة الأجنبية، وحين لم تتمكن الحكومة من شراء السماد، زعمت أنها تريد نشر الزراعة العضوية، وهو ما دفع المزارعين إلى هجر حقولهم والانضمام للاحتجاجات.
من غير المعلوم حجم الديون الكاملة المستحقة على سريلانكا، لكن النتيجة الفعلية لهذه السياسة كانت عجز الدولة عن سداد ديونها الخارجية، ومحاولة لجوئها للاقتراض مجددا من الهند وصندوق النقد الدولي مقابل وعود بإجراء تغييرات هيكلية، وهو ما سيتطلب تقشفا ماليا كبيرا في وقت لم يعد فيه المواطنون قادرين على تحمل المزيد.
لا نعلم إن كان الرئيس، الذي قيل إنه اتجه إلى قاعدة عسكرية بحرية، سيلجأ مع أنصاره في الجيش والأمن لمحاولة العودة إلى السلطة، ولكن الذي حصل يفتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد، ويفرض على الأجهزة الديمقراطية، ممثلة في البرلمان الذي سينتخب رئيسا جديدا خلال شهر، استحقاقا كبيرا يبدأ بتأمين الاستقرار وإقرار حكومة قادرة على الخروج بالبلاد من الاستعصاء الاقتصادي الكبير.

المصدر: | القدس العربي

موضوعات تهمك:

بريطانيا: رحيل حكومة «البركست» والفضائح!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة