روسيا وأوهام عودة الحرب الباردة

محمود زين الدين11 أبريل 2022آخر تحديث :
روسيا

أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا في محاولة لتغيير الديناميات التي عرفتها أوروبا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
هل انتهت الحرب الباردة بالفعل، على الأقل فيما يتعلق بموسكو، وما إذا كانت الغطرسة الأمريكية قد أعمت رؤساء أمريكا المتعاقبين عن مخاطر عودتها؟!
مخاوف أمريكية من الانجرار إلى حرب مع روسيا، خاصة مع استمرار القتال داخل أوكرانيا، واستمرار تدفق آلاف الجنود الأمريكيين إلى دول أوروبا المجاورة لها.
ترى روسيا أن الغرب وأمريكا تجاهلاها ولم يحترما مجال نفوذها الخاص مما دفعها لاستبدال معارك الحرب الباردة الأيديولوجية بمنافسة جيوستراتيجية جديدة.
تتعهد أمريكا بالتصدي لأي توسع روسي خارج الحدود الأوكرانية وتعهد الرئيس بايدن مؤخرا بـ«الدفاع عن كل شبر من أراضى الناتو بكامل قوتنا الجماعية».
تحذر تقييمات الاستخبارات الأمريكية من سعي روسيا لتحقيق مصالحها «بطرق تنافسية أو تصادمية واستفزازية بما فيها الضغط للسيطرة على أوكرانيا ودول أخرى مجاورة».
تواجه أمريكا الصين وروسيا ولكل منهما قدرات عسكرية كبيرة وتعتزمان تغيير قواعد النظام الدولي الحالي جذريا وتنزلق لعالم أكثر اضطرابا مع تزايد إمكانية نشوب صراع دولي كبير».
* * *

بقلم: محمد المنشاوي
فى خطابه الأخير عن حالة الاتحاد فى عام 1992، بدا الرئيس جورج بوش الأب منتشيا، وقال إن «أكبر شىء حدث فى العالم فى حياتى، فى حياتنا، هو: بفضل الله، انتصار أمريكا فى الحرب الباردة». وأعلن بوش أن الصراع الأيديولوجى بين الغرب الذى تقوده الولايات المتحدة والشرق الذى هيمن عليه الاتحاد السوفياتي، انتهى ببساطة وبانتصار الولايات المتحدة.
وبعد ثلاثين عاما، يظهر أن تأكيدات الرئيس الأمريكي السابق أصبح مشكوكا بها، بل وساذجة إلى حد ما بعدما أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا في محاولة لتغيير الديناميات التي عرفتها أوروبا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
ودفعت حرب أوكرانيا إلى ظهور نقاش جديد بين المؤرخين والخبراء حول ما إذا كانت الحرب الباردة قد انتهت بالفعل ــ على الأقل فيما يتعلق بموسكو ــ وما إذا كانت الغطرسة الأمريكية قد أعمت الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين عن مخاطر عودتها.
* * *
فى ظهور له أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب يوم الثلاثاء الماضى، أكد الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، أن العالم أصبح أكثر اضطرابا مع تزايد احتمال نشوب صراع دولى كبير.
وأشار ميلي إلى أن بلاده تواجه تهديدات كبيرة من كل من روسيا والصين، فيما أكد أن الغزو الروسي لأوكرانيا هو «أكبر تهديد للسلام والأمن في أوروبا وربما العالم».
وأضاف الجنرال، والذى يعد أرفع مسئول عسكري فى سلم القيادة الأمريكية، «إننا نواجه الآن قوتين عالميتين: الصين وروسيا، ولكل منهما قدرات عسكرية كبيرة وتعتزمان تغيير القواعد القائمة على النظام الدولي الحالي بشكل جذرى.. نحن ننزلق إلى عالم أكثر اضطرابا مع تزايد إمكانية نشوب صراع دولي كبير».
يكرر وزير الخارجية أنتوني بلينكن كذلك مخاوفه من الانجرار إلى حرب مع روسيا، خاصة مع استمرار القتال داخل أوكرانيا، واستمرار تدفق آلاف الجنود الأمريكيين إلى دول أوروبا المجاورة لها.
ويستمر التصعيد بين حلف الناتو وروسيا مع تدفق أسلحة متطورة يستخدمها الأوكرانيون لقتال الروس، ونشر أسلحة لردع روسيا فى بولندا مثل بطاريات صواريخ باتريوت، مع تحليق قاذفات B-52 الاستراتيجية فوق دول أوروبا الوسطى.
يحدث ذلك التصعيد في حين تحذر تقييمات الاستخبارات الأمريكية من أن روسيا ستسعى لتحقيق مصالحها «بطرق تنافسية وأحيانا تصادمية واستفزازية، بما فى ذلك الضغط للسيطرة على أوكرانيا ودول أخرى مجاورة».
وشدد وليم بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية والسفير السابق لدى روسيا، على ضرورة هزيمة روسيا، والعمل على عدم نجاحها في أوكرانيا، كي لا تتحرك للسيطرة على دول أخرى.
* * *
بعد مرور أكثر من شهر ونصف الشهر على بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، تجد الولايات المتحدة الآن في موقف صعب جدا، فمن ناحية تقدم واشنطن كميات هائلة من الأسلحة للأوكرانيين، في الوقت ذاته تحاول عدم تصعيد الصراع إلى حرب شاملة بين حلف الناتو أو الولايات المتحدة وروسيا.
وتطالب الدول المجاورة لأوكرانيا، وخاصة تلك الأعضاء بحلف الناتو مثل ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، إضافة لبولندا، من واشنطن التخلي عن أوهامها بأنه يمكن ردع روسيا، ويرون أن الردع لم يعد كافيا، وأنهم بحاجة لدفاع دول حلف الناتو عنها قبل فوات الأوان.
وتؤمن دول البلطيق أن الدور قادم عليهم، ويكرر سفراء تلك الدول فى فعاليات كثيرة بواشنطن أنه من الواضح أنه كانت «بالأمس جورجيا 2008 وأوكرانيا 2014، واليوم أوكرانيا 2022، وبعد غد دول البلطيق، وفى وقت لاحق بولندا».
وتملك دول أوروبا الشرقية نظرة متشائمة تجاه أهداف روسيا التي يرونها إمبريالية جديدة، وليس لديهم أى شكوك فى سعى موسكو لإحياء إرث الاتحاد السوفياتي.
وعلى مدار السنوات الماضية واجه الأوروبيون الشرقيون شكوكا في نظرتهم إلى الرئيس فلاديمير بوتين، فى حين دعت واشنطن وعواصم أوروبا الغربية إلى التعامل بشكل عملى مع روسيا.
تتعهد واشنطن بالتصدي لأي توسع روسي خارج الحدود الأوكرانية، وتعهد الرئيس جو بايدن مؤخرا «بالدفاع عن كل شبر من أراضى الناتو بكامل قوتنا الجماعية».
لكن الخبراء الأمريكيين قلقون أيضا من وقوع حادث غير مقصود يؤدى لاندلاع حرب أوسع نطاقا، مثل الشرارة التي أشعلت الحرب العالمية الأولى، وهو صراع استمر لمدة أربع سنوات وقتل فيه عشرات الملايين.
ويمكن أن يتحول الغزو الروسي لأوكرانيا إلى صراع أكبر يمتد من بحر البلطيق إلى البحر الأسود وغربا إلى داخل أراضى أوروبا الغربية.
ومع استخدام واشنطن والغرب استراتيجية الضغط على روسيا عن طريق فرض العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية الواسعة، يُخشى من أن يستفز ذلك الرئيس بوتين ويدفعه لمزيد من الأعمال العسكرية خارج أوكرانيا.
في الوقت ذاته قد تفهم موسكو أي تردد من أمريكا والغرب في مواجهتها بالعقوبات على أنه ضعف بما يدفعها للتوسع خارج أوكرانيا.
* * *
من هنا تهدد تبعات حرب أوكرانيا المستمرة، والتي لا يعرف كيف أو متى ستتوقف، الأسس الجيوستراتيجية والسياسية والاقتصادية والمؤسسية للنظام الدولي الذي أنشئ بعد الحرب العالمية الثانية.
ومع ازدحام المناطق المجاورة لأوكرانيا بقوات حلف الناتو من جانب وقوات روسية في جانب آخر، يُخشى أن يؤدى سوء تقدير أو سوء قراءة نوايا وتحركات الطرف الآخر، لوقوع اشتباكات غير مقصودة في بولندا أو رومانيا أو دول البلطيق، هو ما يعنى اندلاع حرب بين حلف الناتو وروسيا.
* * *
ترى موسكو أن الغرب وأمريكا تجاهلاها ولم يحترما مجال نفوذها الخاص، وهو ما دفعها لاستبدال المعارك الأيديولوجية التقليدية في الحرب الباردة بمنافسة جيوستراتيجية جديدة.
وتحاول روسيا ببساطة اكتساب النفوذ باستخدام قواتها المسلحة المنتشرة في عدة مناطق حول العالم، لكن روسيا اليوم أكثر ضعفا عما كان عليه الاتحاد السوفياتي بالأمس، ولم تعد تمتلك إلا النفط والغاز والسلاح.
وسيبقى الجدل بين المؤرخين حيث سينظر بعض الخبراء إلى التوترات الحالية على أنها مجرد مرحلة جديدة في حرب باردة لم تنته أبدا، ويرى آخرون أن حرب أوكرانيا تمثل النهاية الفعلية لأحلام روسيا بالبقاء كقوة كبرى في عالم تسيطر على مساراته أمريكا والصين.
* محمد المنشاوي كاتب صحفي في الشأن الأمريكي من واشنطن
المصدر: الشروق – القاهرة

موضوعات تهمك:

قمة “حرب باردة” لن تقض مضجع زعماء روسيا والصين

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة