المساعدات المالية الخارجية ليست نعمة

الساعة 2531 أغسطس 2018آخر تحديث :
المساعدات المالية الخارجية ليست نعمة

(الصورة: أمن السلطة الفلسطينية الذي يتلقى كل ميزانيته مساعدات أمريكية وأوروبية يقمع مسيرة في رام الله)

  • “لا تعلمني كيف آكل السمك بل كيف أصطاده.” والفاقة أم النشاط كما أن الحاجة أم الاختراع.
  • من الصعب أن نجد دولة تطورت وازدهر إنتاجها بسبب اعتمادها على المعونات والصدقات.
  • لماذا حرضت أمريكا السلطة الفلسطينية على توظيف أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين في الأجهزة الأمنية؟

 

بقلم: عبد الستار قاسم

قررت الولايات المتحدة الأمريكية التوقف عن دفع مساعدات مالية للسلطة الفلسطينية بقيمة مائتي مليون دولار، وأثار قرارها العديد من الفلسطينيين بخاصة في أوساط السلطة، واعتبروه ضغطا على السلطة لكي تقبل الأفكار والمشاريع الأمريكية بخصوص حل القضية الفلسطينية.

دأبت الولايات المتحدة منذ إقامة السلطة الفلسطينية على تقديم مساعدات مالية للسلطة الفلسطينية بخاصة للأجهزة الأمنية مثل الأمن الوقائي والمخابرات، وقدمت أيضا مساعدات للسلطة لتغطية نفقات جارية، كما أن مؤسسة “يو أس إيد” أنفقت أموالا كثيرة في إقامة مشاريع في الضفة الغربية خصوصا في مجال الطرق بين التجمعات السكانية الفلسطينية.

ومن المعروف أن أمريكا كان لها النصيب الأكبر في تمويل إقامة مراكز أمنية للأجهزة الأمنية الفلسطينية التي لم يكن الأوروبيون متحمسين للمساهمة في إنشائها. أوروبا تقدم معونات للشرطة الفلسطينية، لكنها لا تقدم مساعدات لمن يمكن أن يعتدوا على حقوق المواطنين وحرياتهم.

أمريكا كانت معنية بتقديم مساعدات ليس فقط لتبقى السلطة الفلسطينية واقفة على أقدامها، وإنما كانت معنية بإنفاق أموالها بطريقة تساعد على إفساد الناس  لكي يهبط المستوى الأخلاقي الفلسطيني وتتهشم المنظومة القيمية الفلسطينية، ولكي تتحول أنظار الناس نحو الأموال ورفاهية الحياة على حساب الاهتمام بالقضية الوطنية والشأن العام.

لهذا عمدت أمريكا إلى غض الطرف عن الفساد المالي والإداري في السلطة الفلسطينية، وكان لسان حالها يقول: “دعهم يخربون بيوتهم بأيديهم”. ومهما أنفقت أمريكا من أموال فإن مردودها السياسي المترتب على الفساد أكبر بكثير مما تقدمه من مال. كلما فسد الفلسطينيون، تتقلص نفقات الولايات المتحدة على إدارة الصراعات في المنطقة.

وقد حرضت أمريكا السلطة الفلسطينية منذ البدء على توظيف عدد ممكن من الفلسطينيين في المؤسسات الرسمية بخاصة في الأجهزة الأمنية. وقد كانت ترمي إلى تحقيق هدفين وهما:

  • رفع مستوى اعتماد الشعب الفلسطيني على الدعم الخارجي الأمر الذي يُسهم في جدوى الضغط عليهم من خلال المال،

  • إفراغ الشارع الفلسطيني من الذين ناضلوا ضد الاحتلال وذلك بتوظيفهم في الأجهزة الأمنية.

وقد كان لهذا مردود سلبي كبير على ساحة النضال الفلسطيني من حيث أن العديد من الشباب كفروا بالعمل الوطني عندما رأوا مناضلين قضوا سنوات طويلة في السجون الصهيونية وباتوا يعتقلون من يناضلون ضد الاحتلال.

ونظرا لارتفاع أعداد الوظائف الحكومية، بدأ العديد من الناس يفضلون الوظائف الحكومية على العمل في الورش الإنتاجية، بخاصة أنه تكون لدى جمهور الناس انطباع بأن الموظف الحكومي لا يعمل، وهو فقط يتقاضى راتبا دون أن يقدم خدمة حقيقية للشعب الفلسطيني.

وبسبب فتح الاستيراد للبضائع المختلفة، قضت البضائع المستوردة على عدد لا بأس به من الإنتاج الفلسطيني الذي كان يوظف آلاف الأيدي العاملة.

تعطل النعال والنساج والنجار والخياط والحداد، وبدأ المزارع يخسر ولم يعد لديه قدرة على إعالة أسرته، ومن المزارعين من ترك الأرض وتوجه للعمل في المصانع والمزارع الصهيونية. وبدل أن تبقى قوة العمل للشعب الفلسطيني، أصبح جزء كبير منها للصهاينة.

ومن تجارب الأمم عبر العالم، من الصعب أن نجد دولة تطورت وازدهر إنتاجها بسبب اعتمادها على المعونات والصدقات.

الدول التي انتهجت الاعتماد على الذات هي التي تطور اقتصادها، ونهضت قدراتها العسكرية والأمنية، وحققت وحدة وطنية متينة وحافظت على منظومة قيمية تتمسك بها كل فئات المجتمع مثل ماليزيا وتركيا وإيران وسنغافورة، واليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.

أما الذين اعتمدوا على المعونات الخارجية مثل مصر والأردن وأفريقيا الوسطى وتشاد ما زالت تجر أذيال الخيبة وتعاني الفقر والجهل.

ومن الجدير ذكره أن الدول الاستعمارية التي تقدم المساعدات المالية تقف عادة بقوة ضد الشعوب التي تعتمد على نفسها، وتمتدح الشعوب الكسولة التي تبقى يدها مستجدية، وتمتدح القيادات السياسية التي تلهث وراء المساعدات.

والسبب واضح وهو أن الدول التي تعتمد على نفسها تصر على حرية إرادتها السياسية الأمر الذي لا يعجب أهل الاستعمار، أما الشعوب التي تعتمد على غيرها تتخلى عن إرادتها السياسية وتبقى مجرد ألعوبة بأيدي المانحين والمحسنين.

لا حرية سياسية لمن لا يستطيع توفير لقمة الخبز لشعبه، ولا حرية للذين لا يعملون على تطوير قدراتهم الاقتصادية ليوفوا لأنفسهم احتياجاتهم اليومية ولو بالحد الأدنى.

وكل من يقول إن اعتماده على المساعدات الخارجية لا يتناقض مع الإصرار على القرار الوطني المستقل كاذب ويستغبي على الناس.

يجب ألا نلطم الخدود على وقف المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية. فكلما قلت الأموال قل الفساد، والعكس صحيح. ثم إن شح الأموال قد يعيد الناس في الضفة الغربية خاصة إلى حياة العمل والنشاط. شعوب الأرض تكد وتتعب وتعرق، وأهل الضفة الغربية باتوا يستمتعون بالنوم حتى الظهر وما بعد الظهر.

سلوك الكسالى لا علاج له إلا قطع التموين عنهم لكي يدركوا أن البركة فيما تنتجه أيديهم وليس فيما يتصدق به الآخرون عليهم. من هذه الزاوية، شكرا لأمريكا على قطعها أموال المساعدات. وفي هذا القرار ما يتمشى مع المثل العالمي القائل: “لا تعلمني كيف آكل السمك بل كيف أصطاده.” والفاقة أم النشاط كما أن الحاجة أم الاختراع.

  • د. عبد الستار قاسم مفكر وأكاديمي فلسطيني

المصدر: عربي21

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة