الطيبون يموتون كمدًا حين تعشش الكآبة في البياض

الشاعر ع21 أكتوبر 2018آخر تحديث :
الطيبون يموتون كمدًا حين تعشش الكآبة في البياض

 

 

الآلهة المجانين يقفون علي أعتاب الجاهلية الثانية، يجلسون فوق  مكاتب سرية داخل الخنادق الزجاجية ، لا رؤوس لهم حين يتحدثون في الفضاء الوسيع، يتبادلون الشتائم أمام المارة الجالسين، ويتبادلون طوال الوقت طاقية الإخفاء، كل واحد منهم يتباهي بزره  الذي تحت أصبعه، أزُرُ عيني كي أري ما يصنعون، كل واحد منهما لصاحبه (أَلْزَمُ من زِرٍ لعُرْوَةٍ )، ظلان بغى بعضهما علي بعض في النور، وفي الظلام يتبادلون ملابس السهرة والقبعات والأقنعة، العائشون في بِذلاتهم الأنيقة يقفون في وجه الريح حتى تمر الأزمنة بعيدًا عنهم، والمنتفعون بقانون الصمت يحملون المشاعل ويقفون علي أبواب السرادقات يقدمون واجب الولاء المهين، ويتبادلون الوهوهة في سرية تامة .

الآلهة المجانين ريح، دبور وقبول،وخماسين، تعلق في فروع الأشجار لتقرأ الأوراد قبل أن تذهب للذاكرة الميتة، المسيح والحلاج وأخشاب الصلب، والمصاحف التي فوق أسنة السيوف، في معية الله، ودفتر المراقبة يرفرف ورقه في يد القطب الأكبر، الحياة  مدججة بالأسلحة القذرة، وموائد الرحمن تحتاج لتصريح من بائعي الخشاف، والنقاد لا يتحدثون عن جماليات الطغيان الثابت في النص المتحرك إلا علي المقاهي الخالية من ( الواي فاي )، لأن يمام الصيف لا يقف علي المآذن بمفرده مخافة اليرابيع.

العائشون في الغيوم كثيرون، يتحركون كالدَّبَي، ينتظرون من يعلمهم  الطيران، لا يستطيعون فتح باب علي ناصية الحضور، لأن التاريخ شيطان نائم في لفافة تبغ، تشتعل بين أصابع الفتنة، كلما اشتد خجيج الريح، تبعثرت حروف الكتابة ليحكي أمل دنقل عن الرصاصة التي ندفع فيها ثمن الكسرة والدواء ولا تذهب إلي المدى البعيد عند البحر، هي الشيزوفرنيا العميقة إذن، من يطفئ النياشين التي تلمع في ضوء الغرور المر علي طريق الكباش الجديد، حتى لا نظل نختبئ داخل مواسير السراب، ونقطع لقمة من جلدنا نسد بها جوع العتمة الصديقة  .

الآلهة المجانين يعشقون صناعة الوشم فوق الجلد الأخضر،  ويصنعون نبيذهم من صمت البرابرة  المختبئ في أروقة الجبن، ومن دهك الرؤوس فوق مناشر الطغيان وحبال غسيل الجماجم الحية، هم مقتنعون تمامًا أن الأخلاق مضرة بالصحة، وأن الطيبين يموتون كمدًا حين تعشش الكآبة في البياض ويكتب المتطوعون عن لذة الفساد، كما يكتبون عن لذة النص المجفف حين يأتي هاربًا في كراتين الفسيخ المملوح.

الآلهة المجانين يختبئون في كاميرات المراقبة، والصحف الممولة، ورؤوس الباعة المتجولين في أروقة القبور المطموسة، ودعوات السهرة المذهبة، وخيوط العتمة المنسوجة من شرانق الحيات، والنشوق النائم في رماد الفضاء الخبيث، الآلهة المجانين وشم فوق كف الموت، فوق شفتين مملحتين، فوق وسادة خلت من ساكنيها في صباح الرغبة المحبوس .

الآلهة المجانين يركبون ظهور الفتنة النائمة في أجران التبن، دون أن نري أعواد القمح فوق المِشَنّة،ضميرها الأخضر يبصق في مجري الماء العكر، فيحزن الطين حين تدوسه الأحذية دون أن ينتفض من مكانه،  أو حتى يبرئ نفسه من التعلق بالنعال، أو حتى يحايد نفسه بعيدًا عن روث البهائم الذي يفرض نفسه علي الطرق الجديدة ليصير وحلة متعددة الجنسيات، كثر الشجر والتف،  وصار لذبابه غنة مدوية في البراري لكن الظل مات في الليل المقيم، فهاجرت القواطع دون عودة .

الآلهة المجانين يعرفون مغاص اللؤلؤ  جيدًا، كما يعرفون مقابر أجدادي الأحياء تحت التراب وفي أكنان الجبال، يتسللون في الضوء، ممسكون بالقوانين علي أسنة الرماح وفي الخلفية دخان كثيف يتصاعد من شرفات يقين منزوع منه فتيل الشك، الآلهة المجانين،  دمي متحركة في مجري الألوان السائلة فوق اللوحة، هذي المسروقة من برج النار، والنابتة بين حجرين في حائط روح متهدمة في ذاكرة الأرض المنسية، خرق مرمية تحت جدار الصمت، لتحكي أعراقًا سلالات ورموزًا لا تعرف تاريخًا للأرض الخربة ولا يعرفها التاريخ  .

شعيب خلف 

266

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة