“الشرق الأوسط الجديد”.. الاستعارة والحقيقة

محمود زين الدين31 مارس 2022آخر تحديث :
الشرق الأوسط

في حمأة الصراع مع إيران برز غياب الولايات المتحدة وفي ضوء ذلك، تحوّلت إسرائيل إلى قائم بأعمالها بشكلٍ طبيعي لا يحتاج أي مقدّمات.
أكد شمعون بيريز أنّ العرب جرّبوا قيادة مصر منطقة الشرق الأوسط نصف قرن وجاء الوقت لأن يجرّبوا قيادة إسرائيل، مبرزاً تقدّمها التكنولوجي.
الشرق الأوسط الجديد يعني أن إسرائيل دولة طبيعية بالمشرق العربي ويتم تطبيعها عربياً لتغدو حقيقة ثابتة غير قابلة للجدل ودولة قائدة مُعترفًا بها إقليميًا.

* * *
أعادت القمة في مستوطنة إسرائيلية في منطقة النقب بين وزراء خارجية مصر والإمارات والبحرين والمغرب ووزيري خارجية إسرائيل والولايات المتحدة إلى صدارة الاهتمام مصطلح “الشرق الأوسط الجديد” الذي سكّه قبل أكثر من ربع قرن الزعيم الإسرائيلي المتوفى، شمعون بيريز، إبّان توقيع اتفاقيات أوسلو، وظلّ متداولاً على مستوى الاستعارة حتى وفاته عام 2016 فمات هذا المصطلح معه.
وقد عاد بقوّة على ألسنة إسرائيليين كثر وأقلامهم، لا كاستعارة ظلّ بينها وبينه تاريخ مشترك طوال الأعوام التي مرّت منذ إطلاقه أول مرّة، إنما كحقيقة واقعة، حيث أعيد إلى أذهان من تناسوا، من الإسرائيليين والعرب على حدّ سواء، أنّ بيريز ذاته قصد به على المستوى البعيد، أكثر من أي شيء آخر، أمرين:
– أن تصبح إسرائيل دولة طبيعية في المشرق العربي، بمعنى أن يتم تطبيعها عربياً، ما يتيح إمكان أن تغدو حقيقة ثابتة غير قابلة للجدل.
– وأن تكون دولة قائدة مُعترفًا بها على المستوى الإقليمي.
وفي هذا الشأن الأخير، أكد بنفسه مرّة أنّ العرب جرّبوا قيادة مصر منطقة الشرق الأوسط نصف قرن، وحان الوقت لأن يجرّبوا قيادة إسرائيل، مبرزاً تقدّمها التكنولوجي.
ستتواتر في الأيام المقبلة المقالات والتحليلات الإسرائيلية لقمة وزراء الخارجية المذكورة، والتي ستركّز بالتأكيد على المسوّغات التي من شأنها أن تجعل الشرق الأوسط جديداً فعلاً بروح رؤية بيريز، خلافاً لما آلت إليه الأوضاع لدى إطلاق تلك الرؤية في وقتها الحقيقيّ. ومع ذلك، منذ الآن تطالعنا التحليلات الراهنة باستنتاجين فكريين بارزين:
الأول، هناك أوضاع جيوسياسية درامية غيّرت المنطقة بشكل جذري، وأنضجت الظروف لنشوء شرق أوسط جديد حقيقي، وقد بدأت تلك الأوضاع مع “اتفاقيات أبراهام” التي يجري استثمارها في الحدود القصوى الآن، وأنّ حدث قمّة النقب ليس استعاريّاً كما يمكن توصيف أحداث جرت في الإطار نفسه في تسعينيات القرن الفائت، كما أنّ الصراع مع إيران لم يعد يهمّ إسرائيل فحسب، بل جيرانها أيضاً.
وذهبت تحليلاتٌ إلى أنّه في حمأة هذا الصراع برز غياب الولايات المتحدة. وفي ضوء ذلك، تحوّلت إسرائيل إلى قائم بأعمالها بشكلٍ طبيعي لا يحتاج أي مقدّمات.
يرتبط الاستنتاج الثاني بالقضية الفلسطينية، وأيّ فحص موثوق سيقود إلى أنّ سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية حيال هذه القضية هي استمرار للسياسة التي بدأ بها رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، وليس مبالغة القول إنّه أرساها بعد انتهاء عهده، وجوهرها تعميق التعاون الإقليمي من أجل تسوية الصراع مع الفلسطينيين بموجب الشروط الإسرائيلية، وليس العكس.
وعند هذا الحدّ، يجدر التذكير بأنّ نتنياهو طرح رؤيته هذه أول مرة في سياق خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29/9/2014، والذي أعلن فيه أنّ دولاً قيادية في العالم العربي أصبحت تقرّ، بعد عقود من النظر إلى إسرائيل بصفة عدو، بحقيقة المواجهة المشتركة للتهديدات نفسها المتمثلة تحديداً بحصول إيران على القدرات النووية وبالحركات الإسلامية المتشدّدة التي تضرب جذورها في العالم السُنّي.
وجزم أنّ التحدّي الآن هو الاستفادة من هذه المصالح المشتركة لإقامة شراكةٍ مثمرةٍ لأجل بناء شرق أوسط أكثر استقراراً وأمناً وازدهاراً، والدفع بمشاريع مشتركة في مجالات المياه والزراعة والمواصلات والصحة والطاقة وغيرها من المجالات الكثيرة.
ولفت إلى أنّ إسرائيليين كثيرين كانوا يرون، منذ فترة طويلة، أنّ السلام الإسرائيلي – الفلسطيني قد يساهم في دفع المصالحة الأوسع نطاقاً بين إسرائيل والعالم العربي، لكنّه يعتقد حالياً أنّ الأمر يسير في الاتجاه المعاكس؛ إذ قد تساهم المصالحة الأوسع نطاقاً بين إسرائيل والعالم العربي في دفع هذا السلام، ويقتضي ذلك التطلّع ليس إلى القدس ورام الله فحسب، بل أيضاً إلى القاهرة وعمّان وأبوظبي والرياض وعواصم أخرى.
* أنطوان شلحت كاتب وباحث في الشأن الإسرائيلي
المصدر: العربي الجديد

موضوعات تهمك:

بن سلمان في تحالف إسرائيلي ـ جمهوري ضد بايدن

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة