الردع السيبرانى (2) 

أحمد عزت سليم30 نوفمبر 2019آخر تحديث :
الردع السيبرانى

الردع السيبرانى (2)

هل تلتزم الدول الكبرى بتقييد الحرب السيبرانية بقانون النزاعات المسلحة ؟!

إن التوصل إلى أدلة إرجاع عالية الجودة في فترة وجيزة أمر صعب ومكلف غالبا، ولكنه ليس مستحيلا، ولا تقتصر جهود تحسين القدرات على الحكومات فحسب، بل إن العديد من شركات القطاع الخاص تدخل هذه اللعبة، وتعمل مشاركاتها على الحد من التكاليف التي تتحملها الحكومات نتيجة لاضطرارها إلى الكشف عن مصادرها الحساسة، وتتوقف حالات كثيرة على الدرجة، ومع مساهمة التكنولوجيا في تحسين قدرة علم الأدلة الجنائية على التوصل إلى أدلة الإرجاع، فقد تتزايد قوة الردع ، وعلاوة على ذلك لا ينبغي للمحللين أن يقيدوا أنفسهم بالأدوات الكلاسيكية للعقاب والحرمان في تقييمهم للردع السيبراني، فمن الأهمية بمكان أن يهتموا أيضاً بالردع من خلال التشابكات الاقتصادية وفرض المعايير والقواعد، ومن الممكن أن تعمل التشابكات الاقتصادية على تغيير حسابات التكاليف والفوائد لدى الدول الكبرى مثل الصين، حيث من الممكن أن تتسبب العواقب غير المقصودة لهجوم على شبكة الكهرباء في الولايات المتحدة على سبيل المثال في إلحاق الضرر بالاقتصاد الصيني، وربما تكون التشابكات الاقتصادية بلا أثر يُذكَر على دول مثل كوريا الشمالية، والتي تربطها علاقات ضعيفة بالاقتصاد العالمي، وليس من الواضح كم التشابكات الاقتصادية الذي قد يؤثر في العناصر الفاعلة التي لا تنتمي إلى دولة بعينها، ذلك أن بعضها قد يكون أشبه بالطفيليات التي تعاني إذا قتلت عائلها ، في حين قد لا تبالي عناصر أخرى بمثل هذه التأثيرات.

أما عن القواعد والمعايير فقد اتفقت الدول الكبرى على تقييد الحرب السيبرانية بقانون النزاعات المسلحة، الأمر الذي يستلزم التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية والتناسب من حيث النتائج، وقد أوصت مجموعة الأمم المتحدة من الخبراء الحكوميين في يوليو الماضي باستبعاد الأهداف المدنية من الهجمات السيبرانية، كما أقرت مجموعة العشرين هذا المعيار في قمتها التي عقدت الشهر الماضي، اقترح بعض المراقبين أن أحد أسباب عدم استخدام الأسلحة السيبرانية بكثافة أكبر في الحروب حتى الآن هو عدم اليقين بشأن التأثيرات التي قد تخلفها مثل هذه الهجمات على أهداف مدنية والعواقب التي لا يمكن التنبؤ بها، وربما كانت هذه القواعد هي التي ردعت استخدام الأسلحة السيبرانية في تصرفات الولايات المتحدة ضد الدفاعات الجوية العراقية والليبية، وكان استخدام الأدوات السيبرانية في حروب روسيا “الهجينة” في جورجيا وأوكرانيا محدوداً نسبيا.

الواقع أن العلاقة بين المتغيرات في الردع السيبراني ديناميكية، وهي تتأثر بالتكنولوجيا والتعلم، ووتيرة الإبداع في هذا المجال أسرع من حالها في مجال الأسلحة النووية، على سبيل المثال ربما يعمل تحسين أدلة الإرجاع الجنائية على تعزيز دور العقاب؛ وقد يعمل تحسين الدفاعات من خلال التشفير على زيادة قدرة الردع بالحرمان والمنع، ونتيجة لهذا فإن الميزة الحالية التي تجعل الهجوم أفضل من الدفاع ربما تتغير بمرور الوقت.

ويشكل التعلم السيبراني أهمية كبرى أيضا، فمع توصل الدول والمنظمات إلى فهم أفضل لأهمية الإنترنت في تعزيز رفاهيتها الاقتصادية، ربما تتغير حسابات التكاليف والفوائد التي تنطوي عليها الحرب السيبرانية ، تماماً كما أدى التعلم بمرور الوقت إلى تغيير فهمنا لتكاليف الحرب النووية. على النقيض من العصر النووي، فهل يكون المقاس الواحد الذي يناسب الجميع صالحاً للتعامل مع الردع في العصر السيبراني، أم أننا سجناء صورة مفرطة في التبسيط للماضي ؟ في كل الأحوال عندما بدا العقاب النووي شديد القسوة إلى الحد الذي يجعله منافياً للعقل، تبنت الولايات المتحدة استجابة مرنة تقليدية بإضافة عنصر الحرمان إلى جهودها الرامية إلى ردع الغزو السوفياتي لأوروبا الغربية، ورغم عدم موافقة الولايات المتحدة على تفعيل قاعدة رسمية تقضي” بالامتناع عن الاستخدام الأول للأسلحة النووية “، فقد نشأ هذا المحظور وتطور، على الأقل بين الدول الكبرى، ولعل الردع في العصر السيبراني ليس كما عهدنا من قبل، ولكنه أيضاً ربما لم يكن كذلك قط.

موضوعات تهمك:

الردع السيبراني (1)

هل يحقق العالم الاستقرار والسلام السيبراني

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة