الذين ينكرون خطر «كورونا»

محمود زين الدين14 ديسمبر 2021آخر تحديث :
كورونا

كيف يمكن للمجتمع أن يحمي حاله في زمن الجائحة؟ وعلى من تقع المسؤولية؟

مهمة الفرد بالغة الأهمية في نشر الوعي وتصحيح المعلومات، في الدوائر المحيطة به من الأهل والأصدقاء والمعارف.

مع تصاعد موجة كوفيد-19 الرابعة في أوروبا وظهور متحور جديد أخطر، بات إنكار وجود الفيروس ومقاومة الإجراءات الاحترازية يستحق التأمل.

لا تقع مسؤولية مواجهة المقاومة الاجتماعية على السلطات المعنية وحدها فلا يمكن لسلطة مهما بلغت قوتها أو قدرتها على الإقناع، أن تحقق إنجازاً في مثل تلك الحالة!

إنكار وجود الفيروس في أمريكا وصل لحد الاستقطاب المجتمعي ومقاومة الإجراءات الاحترازية تأخذ أشكالاً كرفض اللقاح وارتداء الكمامات وتظاهرات حاشدة في فرنسا.

* * *

بقلم: هناء الشوربجي

مع تصاعد الموجة الرابعة لفيروس «كوفيد-19» المستجد في أوروبا وظهور متحور جديد أكثر خطراً، تغدو مسألة إنكار وجود الفيروس أو مقاومة الإجراءات الاحترازية اللازمة لمواجهته ظاهرة تستحق التأمل. فالمنكرون والمقاومون ظاهرة لا تخص شعباً بعينه ولا منطقة جغرافية محددة وإنما ظاهرة عالمية.

وهي لا تتعلق بتخلف الأمم وتقدمها ولا بمستوى ثقافة الأفراد وتعليمهم. فإنكار وجود الفيروس في أمريكا، مثلاً، وصل لحد الاستقطاب المجتمعي. ومقاومة الإجراءات الاحترازية تأخذ أشكالاً عدة بدءاً برفض ارتداء الكمامات ووصولاً للتظاهرات الحاشدة، كما حدث في فرنسا.

والذين ينكرون بوجود الفيروس أصلاً أو يعترفون بوجوده ولكن يقاومون الإجراءات الاحترازية أعدادهم غفيرة مما يستدعي بحثاً مستفيضاً.

فرغم أن الظاهرة ليست جديدة، إذ صاحبت أغلب موجات الأوبئة العالمية إلا أنه لا يجوز اعتبارها مماثلة لسابقاتها لأن مستوى التقدم العلمي والتكنولوجي غير المسبوق في القرن الواحد والعشرين يجعل أسبابها بالضرورة مختلفة اليوم عما كان عليه الحال في بدايات القرن العشرين أو ما سبقها.

وخطورة الظاهرة هي أنها تعطل سبل حصار الوباء والقضاء عليه. فوجود نسب مرتفعة ممن يقللون من حجم الخطر يمثل خطورة على مجتمعاتهم، إذ سيكونون الأكثر ميلاً للامتناع عن الحصول على اللقاح، الأمر الذي ينذر بارتفاع نسب المصابين وتكدس المستشفيات بالمرضى وارتفاع معدل الوفيات.

ورغم أن البحوث لا تزال قليلة إلا أن المتوفر يشير إلى أسباب عدة لعل أهمها يحمل مفارقة مهمة، إذ ينطوي على الشيء وعكسه، وهو ما يمكن أن نطلق عليه تناقض المعلومات وغزارتها في آنٍ معاً. ففي الشهور الأولى لاكتشاف الفيروس، تناقضت المعلومات الصادرة عن الجهات العلمية الموثوقة وتغيرها على مدار الساعة.

ورغم أنه أمر طبيعي بالنسبة لمرض اكتشف لتوه، إلا أن تلك الحالة ساعدت على انخفاض معدلات الثقة في تلك الجهات العلمية وأبحاثها، وبالتالي فيما توصياتها بشأن طرق الوقاية. غير أن تكنولوجيا المعلومات فاقمت المشكلة.

فوجود سيل هائل من المعلومات، كثير منها زائف ومن مصادر غير موثوقة لجانب تلك العلمية والموثوقة رفع من حدة الحيرة حتى لدى من يسعون لوقاية أنفسهم وعائلاتهم.

وقد صار للمتشككين أفكارهم التي يتناقلونها فيما بينهم في دوائر مغلقة لا يتلقون غيرها، مما ساعد على ذيوع العشرات من نظريات المؤامرة والمعلومات الملفقة حول الفيروس، فانتشرت تلك الأفكار وكأنها مساوية في قيمتها لتلك المبنية على معلومات علمية دقيقة.

أما أولئك الذين يعترفون بوجود الفيروس ولكن يستهينون بإجراءات الوقاية منه فمنطقهم جد مختلف. فهم لديهم منظومات متعددة من الأفكار تبدو في ظاهرها منطقية ولكنها تحمل في طياتها مغالطات كثيرة.

فمثلا، يقول بعضهم إن الفيروس حقيقة واقعة ولكن هناك مبالغات في القلق منه. وهم يزعمون أن أعداد الذين يموتون جراء الإصابة بالفيروس لا يقارنها المسؤولون بأعداد من يموتون بالإنفلونزا أو في حوادث السير سنوياً.

ومثل هذا الطرح، الذي قد يبدو معقولاً، مغلوط في جوهره. فقد أثبتت الأبحاث أن الإصابة بالفيروس أخطر بكثير من الإصابة بالأنفلونزا.

أما السؤال عن عدد من يموتون في حوادث السير مقارنة بمن يقضون متأثرين بفيروس «كورونا»، فهو السؤال الغلط في لحظة طوارئ عالمية، إذ ما الذي يمنع من العمل على تقليل الوفيات الناتجة عنها وعن فيروس «كورونا» معا؟
ويحتج آخرون على فرض اللقاح فرضاً زاعمين تعارضه مع الحرية الفردية. فقد خرجت التظاهرات في فرنسا، مثلاً، للاحتجاج على جعل اللقاح إجبارياً. وعلى الرغم من أنه من حق الفرد أن يكون حراً في اتخاذ قراراته الشخصية إلا أن تلك الحرية الفردية محكومة بعدم الإضرار بالغير.

وهنا يكمن السؤال، كيف يمكن للمجتمع أن يحمي حاله في زمن الجائحة؟ وعلى من تقع المسؤولية؟
يبدو لي أن الإجابة باختصار، أن مثل تلك المقاومة الاجتماعية لا تقع مسؤولية مواجهتها على السلطات المعنية وحدها، إذ لا يمكن لسلطة مهما بلغت قوتها أو قدرتها على الإقناع، أن تحقق إنجازاً في مثل تلك الحالة.

فمهمة الفرد بالغة الأهمية في نشر الوعي وتصحيح المعلومات، في الدوائر المحيطة به من الأهل والأصدقاء والمعارف.

* د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد، باحثة في الشأن الأمريكي

المصدر| البيان

موضوعات تهمك:

البشرية وتجاوز متحورات كورونا الأشرس: رؤية مستقبلية وقائية

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة