الأردن.. «هندسة الأحزاب» انشقاقات مبكرة وتصدع وتزاحم «أصحاب الألقاب»

محمود زين الدين28 يونيو 2022آخر تحديث :
الأردن

حزب إرادة أريد له أن ينطلق من شمال الأردن ويشكل مع حزب الميثاق حالة تنافسية ضد حزب جبهة العمل الإسلامي.
الرؤية والهدف في مسألة التعددية الحزبية هما ما ينبغي أن يحكم جميع الاعتبارات مع صعوبة تحقيقهما في ظل التجربة الحالية.
تحذير من صعوبة إنجاز الإصلاح السياسي حقاً في ظل الواقع الذي يشير إلى أن هندسة الانتخابات قد حلت محل هندسة الأحزاب.
حذرت كثير من الآراء والاجتهادات في الساحة السياسية طوال الوقت من تأثيرات سلبية لعملية تسمين بعض الأحزاب الجديدة والتدخل في تشكيلها.
الانسحابات من حزب إرادة مؤشر مبكر على خلافات مع الأب الروحي للتجربة، ويبدو المؤشر الأكبر متعلقا بصعوبة إنضاج تجربة أحزاب جديدة يسميها البعض أحزاب الأنابيب.
إشارة إلى تدخلات رسمية أحياناً وبيروقراطية في تأسيس وتشكيل أحزاب المنظومة السياسية وبالتالي يقفز في الجدالات أدب الانشقاقات والانسحابات والتصدعات المبكرة.
* * *

بقلم: بسام البدارين
عندما تعلق الأمر بـ«حزب إرادة» الجديد تحت التأسيس في الأردن، تم تسجيل انسحاب أو انشقاق جديد من هذه التجربة التي راهن عليها طوال الأسابيع الماضية تيار الوسط الديمقراطي، كما يصف نفسه.
وفي رسالة خاصة وقبل وقت قصير من تسجيل حزب إرادة الجديد رسمياً، أعلن الناشط السياسي المعروف والبرلماني سابقاً عدنان السواعير، انسحابه من الحزب.
ونشر بياناً أو تصريحاً بحيثيات قراره الانسحاب من الحزب معتبراً أن الرؤية في مسألة التعددية الحزبية هي التي ينبغي أن تحكم جميع الاعتبارات.
وكان السواعير نفسه قد أبلغ في وقت سابق، أن رهانه كبير على تأسيس حالة حزبية تدمج التيارين الديمقراطي والمدني بصيغة تخدم مستقبل العمل الحزبي في البلاد، لكن بيانه المعلن للانسحاب لاحقاً يظهر أن ما أمل به لم يتحقق لا بل وحسب مراقبين، قد لا يتحقق على الأقل عبر حزب إرادة.
لكن بعيداً عن بيان السواعير، يمكن القول بأن حزب إرادة الجديد، وهو ثاني أضخم الأحزاب التي تشكلت بعد ما سمي بمشروع تحديث المنظومة السياسية، شهد انسحاباً لأحد أبرز قادته المؤسسين.
والسواعير هنا قد ينسحب معه أيضاً قريباً نشطاء آخرون راهنوا على هذه التجربة التي يقودها عملياً ومنذ أكثر من عام باتصالات اندماجية وزير العمل الأسبق نضال البطاينة، الذي بدوره لم يعلق على قرار رفيقه وزميله السواعير بالانسحاب المفاجئ.
علماً أن حزب الميثاق الوطني الجديد، وهو أضخم أحزاب الوسط حتى اللحظة على الأقل ضمن تيارات المنظومة السياسية، كان قد أعلن قبل أيام عن تقدمه ببيان التأسيس، وظهر في وثيقة الترخيص بأن حزب الميثاق يضم نخبة واسعة من قيادات مجلسي الأعيان والنواب والوزراء السابقين.
وأثار ذلك بطبيعة الحال، جدلاً في الأوساط الشعبية والسياسية بسبب تراكم عدد كبير من أصحاب الألقاب الرسمية السابقة ضمن تجربة حزب الميثاق، لكن عندما تعلق الأمر بانسحاب السواعير المفاجئ من تجربة حزب إرادة، استذكر الجميع حالة انشقاق نادرة وأولى في الحزب نفسه، كان رمزها الأبرز هو عضو البرلمان الأسبق قيس زيادين، الذي يمثل ما يسمى بالتيار المدني.
وكان زيادين قد انسحب مع مجموعة من نشطاء التيار المدني من حزب إرادة للأسباب نفسها التي ذكرها السواعير، متحدثاً أيضاً عن الرؤية والهدف وصعوبة تحقيقهما في ظل التجربة الحالية.
لكن لياقات الانسحاب هنا في الحالتين تؤشر على تجاهل الحقيقة الأبرز في ذلك الحزب الذي أريد له أن ينطلق من شمالي الأردن ويشكل مع حزب الميثاق حالة تنافسية ضد حزب جبهة العمل الإسلامي.
وتلك الانسحابات في حزب إرادة السياسي مؤشر مبكر على خلافات مع الأب الروحي للتجربة، ويبدو أن المؤشر الأكبر هو ذلك المتعلق بصعوبة إنضاج تجربة الأحزاب الجديدة في ظل ما يسميه القيادي في حزب الإنقاذ الشيخ سالم الفلاحات بـ”أحزاب الأنابيب”.
وكانت الكثير من الآراء والاجتهادات في الساحة السياسية قد حذرت طوال الوقت من تأثيرات سلبية لعملية تسمين بعض الأحزاب الجديدة والتدخل في تشكيلها.
والتحذيرات تجددت مؤخراً على لسان أبرز رموز التيار المدني في البلاد، وهو وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، في محاضرة له علناً، من صعوبة إنجاز الإصلاح السياسي حقاً في ظل الواقع الذي يشير إلى أن هندسة الانتخابات تم استبدالها بهندسة الأحزاب.
وهذه إشارة إلى تدخلات رسمية أحياناً وبيروقراطية في تأسيس وتشكيل أحزاب المنظومة السياسية، وبالتالي يقفز في الجدالات أدب الانشقاقات والانسحابات والتصدعات المبكرة.
كما يقفز إلى الواجهة مجدداً تلك التعبيرات التي تتحدث عن انهيارات وتقلصات مسبقة في تجارب الأحزاب الجديدة التي تحاول الاستثمار في مشروع تحديث المنظومة السياسية قبل حتى تكوين التجارب أو تشكيلها، في حين تقفز إلى السطح أيضاً تعبيرات لا توحي بالإيجابية، مثل أحزاب الأنابيب، وهندسة الأحزاب، الأمر الذي يشير ضمناً إلى صعوبات بالغة، مع أن برنامج تحديث المنظومة السياسية لم يكتمل بعد.
ثمة هنا ما هو أبعد في تفسير الحالة الهلامية، وهو التزاحم داخل التكوينات الحزبية الجديدة بين «أصحاب الألقاب»، الذين لا يعرفون شيئاً أصلاً عن العمل الحزبي والديمقراطي ويصرون على مواقع الصف الأول، ويديرون عبر قيادات ونخب التشكيلات المستجدة لأغراض المنظومة سلسلة لا تنتهي من المجاملات السياسية والمتعلقة بالمنصاب داخل هيئات الحزب الجديد وبطريقة ينتج عنها انســـحابات وتصدعات.

* بسام البدارين كاتب صحفي وإعلامي أردني

المصدر: القدس العربي

موضوعات تهمك:

الإدارة الأردنية بين «مرعوبة» أو «مسيرة»

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة