إيران ـ إسرائيل: على أبواب الكارثة

محمود زين الدين3 ديسمبر 2021آخر تحديث :
إيران

هوَس الدولة الصهيونية باحتمال تسلّح إيران بالسلاح النووي لن تسكّنه أي نتيجة محتملة لجولة مفاوضات فيينا الجديدة.

من القبيح بمكان أن القوى العظمى المشاركة في مفاوضات فيينا لا تعير اهتماماً سوى لمصير إسرائيل ولا تبدي قلقاً سوى عليه.

ستقدر إسرائيل غالبا أن كلفة حرب بالصواريخ التقليدية ضد إيران ومنظومتها الإقليمية أقل من مواجهة تهديد نووي من إيران.

أتى وفد إيران إلى فيينا بمطلب تعجيزي: إلغاء العقوبات الأمريكية كافة والتزام أمريكا رسميا بعدم طعن الاتفاق مرة أخرى كما فعلت في عهد ترامب.

يتعاظم احتمال ضربة عسكرية للقضاء على البرنامج النووي الإيراني بمرور الزمن وينتظر الكيان الصهيوني لحظة مناسبة عندما يُثبت أن إيران بلغت العتبة النووية.

مقارنة مساحة الدولة الصهيونية بمساحة إيران تظهر سبب ذعر إسرائيل التي تدرك أن قنبلة واحدة من عيار مناسب تكفي لإبادتهم ومعظم شعب فلسطين معهم وبعض جيران فلسطين العرب!

* * *

بقلم: جلبير الأشقر

باتت قضية القنبلة النووية الإيرانية أشبه بقنبلة موقوتة يقترب موعد انفجارها بلا هوادة مع مرور الزمن. ذلك أن هوَس الدولة الصهيونية باحتمال تسلّح إيران بالسلاح النووي لن تسكّنه أي نتيجة محتملة للجولة الجديدة من مفاوضات فيينا الجارية، حيث ثمة احتمالان يصعب تصوّر ثالث لهما عند كتابة هذه السطور.

فإما أن تفشل المحادثات، وهو احتمال قوي بحضور حكومة إيرانية تمثّل التيار «المتشدّد» في «الجمهورية الإسلامية» الذي أدان في حينه وبشدّة الاتفاق الذي عقدته الحكومة السابقة برئاسة «المعتدل» حسن روحاني وأشرف على صياغته وزير خارجيته محمّد جواد ظريف.

والحال أن رئيس الوفد الإيراني إلى مفاوضات فيينا الراهنة، علي باقري كني، سبق له أن وصف اتفاق عام 2015 بالهزيمة الكاملة، متهماً حكومة روحاني-ظريف بانتهاك خطوط إيران الحمراء ومتهماً ظريف بوجه خاص بالوقوع في فخ نسج العلاقات الشخصية الطيبة مع المفاوضين الغربيين.

كان ذلك في تقديم باقري كني لكتاب عن مفاوضات الاتفاق النووي، اقتبست منه مراسلة صحيفة «فايننشال تايمز» بطهران في مقال يوم الإثنين الماضي.

وقد أتى الوفد الإيراني إلى فيينا بمطلب يكاد يكون تعجيزياً، يقوم على إلغاء العقوبات الأمريكية كافة، بلا استثناء، والتزام واشنطن رسميا بأن الولايات المتحدة لن تطعن مرة أخرى بالاتفاق كما فعلت سنة 2018 في عهد دونالد ترامب.

أو أن يكتفي المفاوضون باتفاق انتقالي مؤقت يقضي بتجميد بعض العقوبات لقاء التزام إيراني بوقف عمليات تخصيب اليورانيوم، لكن بدون إعادة تفعيل أدوات الرقابة الصارمة التي رافقت اتفاق عام 2015.

وهو الاحتمال الأسوأ في نظر الإسرائيليين إذ يتيح لإيران مواصلة السير نحو عتبة التسلح النووي (تخصيب بمستوى 90 بالمئة، وقد بلغت إيران مستوى 60 بالمئة) وبشروط سياسية واقتصادية أفضل لها من الشروط الراهنة.

أما احتمال العودة إلى اتفاق عام 2015 بشكل ما، فهو أيضاً سيئ في نظر الحكم الصهيوني الحالي الذي لم يُخفِ امتعاضه الشديد من ذلك الاتفاق وقلقه من أنه لن يحول دون مضي إيران قدماً على الدرب النووي.

أما الهَوس الإسرائيلي بالسلاح النووي الإيراني فيسهل فهمه، إذ تكفي مقارنة مساحة الدولة الصهيونية بمساحة إيران لفهم سبب ذعر الإسرائيليين الذين يدركون أن قنبلة واحدة من عيار مناسب تكفي لإبادتهم… وإبادة معظم الفلسطينيين معهم، فضلاً عن بعض جيران فلسطين العرب!

لذا ورغم حيازة الصهاينة على ترسانة نووية تشمل ما لا يقلّ عن مئتي رأس نووي (وهو تقدير قديم، يُرجّح أن إسرائيل قد تخطّته منذ أن باتت تواجه الاحتمال الإيراني، ناهيكم من تقوية ترسانتها نوعياً) نراهم، أي الصهاينة، يتعاملون مع القضية وكأنهم مهدّدون بالإبادة.

لا سيما أن الساسة الإيرانيين لم يبخلوا بالتصريحات العنترية عن عزمهم محو إسرائيل من الخارطة على طريقة الأنظمة العربية التي استخدمت المزايدة في العداء للصهيونية غطاءً لمساعٍ ومرامٍ لا تمت لقضية فلسطين بصلة.

لذا فإن احتمال قيام إسرائيل بضربة عسكرية ترمي إلى القضاء على البرنامج النووي الإيراني بات يتعاظم مع مرور الزمن، وينتظر الكيان الصهيوني اللحظة المناسبة عندما يستطيع أن يُثبت أن إيران بلغت العتبة النووية بما يُشَرعِن لجوءه إلى الحسم العسكري.

وإزاء احتمال تسلّح إيران نووياً يَبطل المفعول الرادع لترسانة صواريخها، بما فيها تلك التي عهدت طهران إلى «حزب الله» اللبناني بحيازتها حيث إن الحزب جزءٌ لا يتجزأ من المنظومة العسكرية الإيرانية.

فسوف ترى إسرائيل على الأرجح أن كلفة حرب بالصواريخ التقليدية ضد إيران ومنظومتها الإقليمية هي أقل من مواجهة تهديد نووي من قِبَل طهران.

والحال أن كافة القوى العظمى المشاركة في مفاوضات فيينا تطمئن الكيان الصهيوني على ذلك، الغربية منها كما الشرقية، وكلّها تعمل بوحي من مبدأ الحؤول دون تسلّح إيران نووياً رغم أن إسرائيل تحوز على مثل هذا السلاح منذ وقت طويل ولم تنضم قط إلى معاهدة الحدّ من انتشار السلاح النووي.

ومن القبيح بمكان أن القوى العظمى المشاركة في مفاوضات فيينا لا تعير اهتماماً سوى لمصير إسرائيل ولا تبدي قلقاً سوى عليه.

وقد جسّد هذا السلوك أوقح تجسيد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الذي لم يبالِ لمصير الشعب السوري، ولم يرَ في موت مئات الآلاف من السوريين «خطا أحمر» بل اهتم فقط بالسلاح الكيماوي العابر للحدود قلقاً على إسرائيل.

وفرض حظراً على تزويد المعارضة السورية بالسلاح المضاد للطائرات من وحي الحرص ذاته على الدولة الصهيونية، كما بذل جهده الأكبر سعياً وراء عقد اتفاق يحدّ من تسلّح إيران نووياً.

وذلك بتشجيع من الصهاينة «المعتدلين» ورغم أنف نتنياهو الذي خاصمه سياسياً، غير مكترث على الإطلاق لمصير الشعبين العراقي والسوري اللذين يسّرت واشنطن تدخّل طهران في شؤونهما، بما في ذلك تدخّلها العسكري لنجدة نظام آل الأسد على حساب سوريا بلداً وشعباً.

* د. جلبير الأشقر كاتب وأكاديمي من لبنان

المصدر| القدس العربي

موضوعات تهمك:

جولة فيينا السابعة: استعصاء قائم يسدّ الآفاق

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة