آرا ماليكيان في مهرجانات جبيل الكمان في يديه سمكة اصطادها الآن

ثائر العبد الله29 يوليو 2017آخر تحديث :
8b0ed15d03634f62bcb78c175a904614
8b0ed15d03634f62bcb78c175a904614عندما يدفعك عازف منفرد الى التساؤل عن جدوى بقية افراد الاوركسترا المحيطين به، لا تتسرع الى قطف الجواب السهل قائلاً: لا شيء. ’طوّل بالك‘ وتخيّل عقارب الساعة كيف تعمل
في انسجام صامت، لكنك لو حدقت فيها فلن ترى سوى عقرب الثواني يتحرك وحده.
الواقع ان ما يشير الى الوقت ليس عقرب الثواني بل ذلك الاصغر الذي يتقدم كالخِلد تحت التراب. لكن شعورك التلقائي في محله وتفسيره البديهي ان رأس الهرم يبدو للعين المجردة كأنه خلاصة البناء الضخم والمعقد وما هو سوى القفلة الناطقة بعظمة البنيان من كهوفه ودهاليزه الخفية الى أدراجه المتساوية كدقات العقرب الطويل.
حضور آرا ماليكيان على مسرح مهرجانات جبيل مساء أول من امس، أثار اكثر من الخاطرة الواردة اعلاه، بل اثار عواطف وحماسة جمهور يعرفه حق المعرفة او ينتظر بفارغ الصبر ان يعرفه. بالطبع طغى المناخ الارمني على كل ما عداه انطلاقاً من خلفية آرا الذي ولد في بيروت سنة 1968 من عائلة ارمنية الاصل، ودرس آلة الكمان على والده منذ الصغر. وعلى رغم هجرتهم الاختيارية الى اسبانيا بقيت اواصر الاسرة متينة مع الاهل والاقارب في لبنان. في الثانية عشرة من عمره وقف آرا عازفاً منفرداً امام الجمهور للمرة الاولى ، وحين ادرك الرابعة عشرة دعاه معهد الموسيقى والمسرح في هانوفر الى العزف في برلين. في السنة التالية كان آرا اصغر طالب يدخل ذلك المعهد.
بعدئذ تابع دراسته العالية في غيلدهول، لندن، حيث تدرب على ايدي الطليعة من اساتذتها امثال فرانكو غوللي، وروجيرو ريتشي وغيرهما، ثم عزف مع الرباعي الشهير آلبان بيرغ، وهو لما يزل طالباً.
منذ اللحظة الاولى لظهوره الغجري المنبوش هدر الفضاء بالتصفيق… ولا يستطيع المشاهد الا ان يتبيّن حجم الثراء الثقافي الذي يحمله ذلك الرجل الآتي من خلطة حضارية تجمع الى الشرق الاوسط وحوض المتوسط مؤثرات اوروبا الوسطى، واميركا اللاتينية، واوروبا الغربية مهد التراث الكلاسيكي العريق. بيكار معرفي واسع ومراس في التجربة على مستويات قلما خاضها فنان واحد في مسيرة واحدة.
من تانغو ريو دي جينيرو الى فلامنكو غرناطة مروراً بكونشيرتات وسوناتات وموسيقى الغرفة وثنائيات الكمان والبيانو، ارجوحة تشبه قوس قزح موسيقي راحت تلف مهد الابجدية… خصوصاً ان صخور القلعة وأدراجها لم تكن هذه المرة مكسوة بديكور مسرحي، بل جاءت الاضاءات المختلفة عليها تساهم في ترسيخ معاني التواصل العميق بين الحضور وما ومن على الخشبة.
في المسابقات العالمية، أحرز آرا ماليكيان عدداً كبيراً من الجوائز، ابرزها جائزة بامبلونا الاسبانية سنة 1995 بعد ان حاز سنة 1993 على جائزة الولاء والنجاز الفنيين من وزارة الثقافة الالمانية والدرع العالمي للفنون من مدينة نيويورك.
عزف آرا في اكثر من اربعين حاضرة حول العالم: كارنيغي هول، نيويورك. بلييل، بارريس، فورد سنتر، تورنتو، لوس انجليس، كوالالومبور، هافانا، وغيرها. ودعته الفرق السمفونية الكبرى الى العزف معها، في طوكيو، ولندن، وجنيف، وموسكو وبلغراد…
يعيش آرا في مدريد حيث شغل منصب رأس الاوركسترا السمفونية لدار الاوبرا الملكية.
ومنذ سنة 1995 يعزف ثنائياً مع سيروج كرادجيان على البيانو. سجلا معاً كامل سوناتات روبرت شومان ومجموعة انطولوجية شاملة لتاريخ آلة الكمان، تلك الآلة التي بدت بين يديه شعلة تخبو ولا تنطفئ، تشتعل ولا تحترق، واحيانا تكاد تفلت منه مثل سمكة صيدت لتوها!
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة