«يوروبوندز» لبنان وسيادة الليرة

محمود زين الدين15 نوفمبر 2021آخر تحديث :
لبنان

الدولة اللبنانية لم تستفد من انخفاض قيمة سنداتها بالأسواق بل ترتب عليها بسبب استمرار تخلفها عن الدفع، نحو8.2 مليار دولار كأقساط وفوائد.

خطورة اللجوء إلى الدولار كوحدة تعامل في التبادل الاقتصادي والاستهلاكي مما جعل الطلب عليه أكثر من المبرر لحاجات التعامل الاقتصادي مع الخارج.

بلغت «الدولرة» نحو 80% مما عجل بإضعاف خزينة الدولة وضُربت «السيادة» على الليرة بتفضيل الدولار عليها خلافاً للقوانين الاقتصادية والواجب الوطني.

* * *

بقلم: عدنان كريمة

رغم مرور أكثر من 20 شهراً على إعلان لبنان التوقف عن دفع ديونه من سندات «اليوروبوندز»، في السابع من مارس 2020، لم تبدأ الدولة اللبنانية حتى الآن مسار التفاوض مع الدائنين، لإعادة هيكلة الدين وفق قيم وآجال وفوائد جديدة، وذلك خلافاً لمنطق تطور العلاقات الدولية الذي يقتضي بأن يكون هذا «التعثر» فرصةً للتفاهم على تسهيلات تمكن البلد المتعثر من سداد الدَّين لاحقاً.

والأخطر من ذلك أنه نتيجة خسارة لبنان ثقة العالم به، وارتفاع مخاطر تعثره، انخفضت القيمة المتداولة لهذه السندات في السوق المالي إلى 15% من قيمتها الأساسية، مما أدى إلى خفض قيمة كامل السندات من 35 مليار دولار إلى 5.2 مليار دولار. لكن الدولة اللبنانية لم تستفد من هذه الفرصة، بل ترتب عليها بسبب استمرار تخلفها عن الدفع، نحو8.2 مليار دولار كأقساط وفوائد.

أما إجمالي الدَّين العام، فقد ارتفع وفق تقرير جمعية المصارف إلى 147.359 مليار ليرة (نحو97.8 مليار دولار على أساس سعر الصرف الرسمي) في نهاية يونيو الماضي.

في ظل عدة مؤشرات سلبية، تواصل المصارف بيع ما تحمله من سندات «اليوروبوندز» بأسعار منخفضة جداً، بسبب حاجتها إلى السيولة، وتهرباً من إجراءات حكومية مرتقبة في تطبيق «الهيركات»، ما أدى إلى تراجع حصتها من 17 مليار دولار في نهاية عام 2018 إلى 8.2 مليار دولار في منتصف العام الجاري، مقابل 5.5 مليار دولار حصة مصرف لبنان.

لكن تبقى الحصة الكبرى البالغة 21.3 مليار دولار مملوكةً للصناديق الاستثمارية والمؤسسات المالية الأجنبية. وينتظر أن تستمر عمليات تسييل السندات، مع كل ما تحمله من انعكاسات ومخاطر على لبنان، نتيجة اختراق السيادة، وبانتظار إجراء الإصلاحات وإنجاز المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. لكن ماهو موقف الدائنين؟

الواقع أن هؤلاء بدأوا الإجراءات القانونية لحفظ حقوقهم، خصوصاً بعدما أعلن بنك «غولدمان ساكس» الأميركي بأن المستثمرين في «يوروبوندز» سيخسرون 75% من قيمة استثماراتهم، وقد لجأوا إلى تعيين إحدى الشركات الأميركية المتخصصة بحالات التعثر، لتولي قضية إعادة هيكلة الديون ضد الدولة اللبنانية.

كذلك يحاولون التكتل في مجموعات ضغط مشتركة، لتنسيق خطواتهم المقبلة، وفتح المسارات القانونية أمام المحاكم الأجنبية، خصوصاً أن عقود السندات تحدد محاكم نيويورك لصلاحية البت بأي خلاف يتعلق بها.

ومن هنا تبرز أهمية تحديد وضع موجودات البنك المركزي اللبناني الذي مازال يمتلك سيولةً تتجاوز 15 مليار دولار، إضافة إلى احتياطي الذهب الذي تقدر قيمته بنحو 17 مليار دولار. وفي حال وجدت المحاكم الأميركية أن هذه الموجودات تابعة للدولة، يمكن أن تصبح عرضةً للحجز من قبل الدائنين الباحثين عن حقوقهم.

وإذا كان مدخل التغيير الاقتصادي في لبنان عبر إعادة هيكلة الدين العام، فإن ذلك يتطلب أيضاً إعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي استثمر في سندات الخزينة بشكل مخالف لكل قواعد الإدارة المالية. مع العلم أن إعادة الهيكلة، متصلة باستعادة السيادة للعملة اللبنانية، كون النظام المصرفي شريكاً للدولة باستثماره الودائع، لاسيما منها قصيرة الأجل، والتي تعتبر جزءاً من الكتلة النقدية المتداولة.

وهكذا تبدو من خلال التطورات مخاطر اللجوء إلى الدولار كوحدة تعامل في التبادل الاقتصادي والاستهلاكي، الأمر الذي جعل الطلب عليه أكثر مما هو مبرر لحاجات التعامل الاقتصادي مع الخارج، وأصبحت «الدولرة» نحو80%، مما عجل بدوره في إضعاف خزينة الدولة، وبذلك ضربت «السيادة» على الليرة، عبر تفضيل العملة الأميركية عليها، خلافاً للقوانين الاقتصادية وللحس الوطني.

* عدنان كريمة كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية

المصدر| الاتحاد – أبوظبي

موضوعات تهمك:

التبعية النقدية.. والسيادة الوطنية

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة