واشنطن تستغل حرب اوكرانيا لتحريض المعارضة الروسية وتجنيد العملاء

محمود زين الدين5 مارس 2022آخر تحديث :
اوكرانيا

ربما جاء الاختراق من اوكرانيين يتقنون حرب المعلومات ولديهم صلات مع الروس.

الساحة ناضجة لتجنيد عملاء من النخبة لكن الصعوبة في الوصول إليهم نظرا لقيود الكرملين على سفرهم.

اللحظة مهمة لاختراق أجهزة الحكم وتجنيد عملاء منها فـ”هناك بلا شك نخبة ليس لديها القدرة على هضم الإفلاس المالي والأخلاقي لتحركات الكرملين”.

كثير من الروس يقررون التعاون مع حكومة أمريكا بعد سنوات من عدم الرضى عن حكومتهم “ويكتشفون أن النظام متعفن” و”قذر من الرأس ولا خيار أمامهم”.

* * *
نشر موقع مجلة “بوليتيكو” تقريرا حول محاولات الولايات المتحدة التأثير على الروس ودفعهم لتحدي الرئيس فلاديمير بوتين “ولكن لا تصف هذا بتغيير النظام”.
وأشارت ناحال توسي، في تقرير بالمجلة، إلى أن المسؤولين الأمريكيين الذين يواجهون دعاية الكرملين يرون فرصا في المشاعر المعادية للحرب بين الروس، بما في ذلك تجنيد الجواسيس. وقالت المجلة إن الولايات المتحدة تحاول انتهاز الصدع داخل المجتمع الروسي، وسط تزايد أعداد المواطنين الروس المعادين لغزو “الديكتاتور” فلاديمير بوتين لأوكرانيا.
وتقول إن استراتيجية الولايات المتحدة صريحة وتعتمد على أساليب حرب المعلومات، مثل مناشدة الرئيس الأمريكي جو بايدن الشعب الروسي مباشرة أو حساب وزارة الخارجية باللغة الروسية على تطبيق تلغرام والذي كشف عنه قبل أيام.
ولكنها قد تحتوي على عناصر سرية، حسب مسؤولين أمنيين سابقين، مثل زيادة جهود الجواسيس الأمريكيين لتجنيد مخبرين داخل المجال السياسي الروسي.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الهدف ليس الإطاحة ببوتين من عرش السلطة، ولكن تعقيد المهمة عليه وإجباره على عدم تجاهل المشاعر العامة ومواصلة غزوه الوحشي.
والهدف الرئيسي للولايات المتحدة هو إعلام الروس بالحقائق التي لا يجدونها في وسائل الإعلام الرسمية وعلى الإنترنت أو وسائل الإعلام الأخرى. وأشارت المجلة لما قاله وزير الخارجية أنتوني بلينكين يوم الأربعاء: “نعرف أن الكثيرين منكم لا يريدون أن يكون لهم دور في هذه الحرب. أنتم مثل الأوكرانيين ومثل الأمريكيين ومثل بقية الناس في أي مكان تريدون أشياء أساسية: وظائف جيدة، هواء نظيفا، فرصة لتربية أولادكم في أحياء آمنة، إرسالهم لمدارس جيدة ومنحهم حياة جيدة. فكيف سيساعدكم عدوان الرئيس غير المبرر ضد أوكرانيا على الوصول إلى هذه الأشياء؟”.
في المقابل، يستخدم بوتين سيطرته على الإعلام الروسي لإثارة المشاعر القومية، حيث حفلت وسائل الإعلام بالمزاعم الكاذبة حول أن الناطقين بالروسية في أوكرانيا يتعرضون للإبادة. ومن المؤكد أنه سيحاول إقناع الروس أن المصاعب الاقتصادية هي بسبب العقوبات التي فرضها الغرب وليس نفسه أو الحرب التي شنها. ويعترف المسؤولون الأمريكيون أنهم يتحركون على أرضية حساسة.
وقالت ليز ألين، مساعدة وزير الخارجية للشؤون الدولية العامة: “الهدف هو توصيل المعلومات والحقيقة للشعب الروسي” وأضافت: “نتخذ قرارات يومية بشأن ما يجب قوله أو تجنبه”.
ودعا المعارض الروسي السجين أليكسي نافالني أنصاره لتنظيم تظاهرات يومية ضد الحرب، ووصف بوتين بأنه “قيصرنا المجنون بشكل واضح”، وألمح إلى ألاف المعتقلين الذين سجنهم بوتين بسبب مواقفهم من الحرب. وقال: “لو اقتضى الأمر منا ملء السجون وعربات الشرطة فسنملؤها”.
وأشارت المجلة إلى أن فريق بايدن ذهب إلى أبعد مدى في استخدام المعلومات ضد بوتين. وقامت الإدارة بنشر قصص عن حشود روسيا على الحدود ومحاولتها زرع قصص مزيفة لتبرير الغزو. ولكن محاولات واشنطن لم تمنع الحرب في أوكرانيا، ولكنها أقنعت الدول الأخرى بأن الزعيم الروسي جاد في الغزو.
ومنذ دخول القوات الروسية، ظهرت ملامح نقد للحرب الجديدة، وهذا رغم التنظيمات الإعلامية والسيطرة التكنولوجية التي تعقد عملية المعارضة أو انتقاد النظام. وشاركت أعداد من الروس في التظاهرات التي انطلقت في عدة مدن روسية، وتم اعتقال الآلاف منهم. ووقّع عشرات الألاف من المهنيين والعلماء وعمال تكنولوجيا المعلومات على عريضة ضد الحرب.
وقال أحدهم إن “مسؤولية شن حرب جديدة في أوروبا تتحملها روسيا”. وعبّر نجوم روس من عالم الفن والرياضة عن غضبهم من الغزو. وقال مغني الراب الروسي الشهير أوكسيميرون “إنها كارثة وجريمة”، وقرر إلغاء عدد من الحفلات التي بيعت تذاكرها احتجاجا على الغزو.
ولعل ما يثير قلق بوتين “المعزول جسديا ونفسيا” عن مشاعر 140 مليون روسي يحكمهم هو ما بدر عن طبقة أصحاب المصالح أو الأوليغاركية من انتقادات. وانتفع عدد من الأثرياء من حكم بوتين وأخفوا طوال 20 عاما أمواله، على ما يزعم.
وهم من بين الأفراد الذي تستهدفهم الولايات المتحدة وأوروبا بالعقوبات. وفي الأيام الأخيرة، دعا كل من الميلياردير أوليغ ديرباسكا و ميخائيل فريدمان إلى وقف الحرب، حسبما أوردت صحيفة “ايننشال تايمز” وصحف أخرى.
ومع أن الانتقادات حذرة وتجنبت توجيه النقد المباشر لبوتين، إلا أنها مدهشة في سرعتها. ويشعر الأثرياء أن عزلة روسيا تعتبر تهديدا لهم. وتقول المجلة إن إدارة بايدن تتحرك سريعا على عدة جبهات، وبشكل واضح من أجل استغلال الثغرات في المجتمع الروسي. ويدعم أساليب الإدارة الجهود الأوكرانية على جبهة المعلومات والتي شملت تسجيل فيديو للأسرى الروس يدعون أمهاتهم للقدوم إلى كييف لتسلمهم.
وفي تعليقات قدمها بايدن في 15 شباط/ فبراير، تحدث مباشرة إلى الروس: “لمواطني روسيا، لستم أعداءنا. ولا أعتقد أنكم تريدون حربا دموية ومدمرة في أوكرانيا- البلد والشعب الذي تشتركون معه بصلات عائلية عميقة وتاريخ وثقافة”.
ومع بداية الهجوم الروسي على المدن الأوكرانية والعاصمة كييف، زادت وزارة الخارجية الأمريكية والوزارات الأخرى من جهودها للتواصل مع الروس وأغرقت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر لتقديم الأصوات الأمريكية إلى الإعلام الصادر بالروسية.
وكتب بلينكن، تغريدة مستخدما الحروب السيريلية المستخدمة في اللغات السلافية “للشعب الروسي”، وعندما حذفت من المنصات المؤيدة لروسيا ظهرت في عدد من الوسائل المستقلة القليلة.
وبدأت الخارجية بنشر لقطات فيديو على حسابها الجديد في تيليغرام. ومن الصعب تحديد المدى الذي حققته الحملة في ظل الرقابة الشديدة على الإعلام، ولأن الروس لا يزالون في حالة صدمة ويستوعبون الحرب، كما تزعم المجلة. فحساب على تويتر تابع للخارجية كان لديه في أيار/ مايو 2021، 57 ألف متابع، وزاد الآن إلى 66 ألفاً. ولدى الوزارة صفحة على فيسبوك بـ19 ألف متابع.
ويقول المسؤولون في الخارجية إن أعداد المتابعين لصفحتها على الإنترنت من روسيا زاد بشكل واضح وكذا قناتها على يوتيوب. وحاولت رسائل الخارجية على منصات التواصل توجيه غضب الروس ضد بوتين، وهو نهج يجب استمراره مع تزايد الضغوط على حياة الروس بسبب العقوبات.
وفي رسالة للخارجية، قالت: “الاحتجاج المفتوح ضد الرئيس بوتين هو عمل شجاع. وكما قال الرئيس بايدن، الشعب الروسي ليس عدونا ونحمّل بوتين مسؤولية هذه الحرب وليس المواطنين الروس”.
وفي بعض المرات، قام المسؤولون الأمريكيون بتوجيه نداءات عاطفية. وبعد مشاركة دبلوماسي أوكراني رسالة بين أم روسية وابنها الجندي، علقت الوزارة أن الرسالة النصية “تقطع نياط قلب أي أم”.

وينفي المسؤولون الأمريكيون أن يكون دعمهم لمعارضي بوتين وتحريضهم على التظاهر جزءا من حملة تغيير النظام. وعندما سئل مسؤول كان جوابه: “لا ليس كذلك”.
وقال بايدن في تعليقاته يوم 15 شباط/ فبراير: “لا نرغب بزعزعة استقرار روسيا”. لكن بوتين نظر إلى التظاهرات سابقا في أوكرانيا والعالم العربي وروسيا نفسها ، على أنها جزء من خطط أمريكية لتغيير الحكام.
وشن الكرملين حملة معلومات ضد أمريكا بما فيها تلك التي شنت أثناء انتخابات 2016 في أمريكا. وبدأت أجهزة حكومة بوتين بملاحقة التغطية الإعلامية بما فيها التظاهرات في روسيا. ومن بين المؤسسات الإعلامية “راديو أوروبا الحر” و”راديو الحرة” وكلاهما تمولهما أمريكا.
ونفت المؤسستان الاتهامات، وتحاولان نشر أخبارهما في روسيا بعد حجب بعض البرامج. وبدأ الكرملين بإبطاء والحد من الوصول إلى فيسبوك وتويتر. وقال رئيس راديو أوروبا الحرة وراديو الحرية، جيمي فلاي: “الهدف واضح جدا، أعتقد أنها سيطرة مطلقة على المعلومات” من قبل الدولة الروسية.
وباتت الحركة الديمقراطية الروسية ضعيفة بعد سجن ونفي وإسكات الكثير من أتباعها. ولم تقل الولايات المتحدة الكثير عن حملاتها السرية لزعزعة حكم بوتين وخاصة مع الأوليغاركية.
لكن مسؤولا سابقا يرى أن لحظات كهذه مهمة لاختراق الأجهزة الحاكمة وتجنيد عملاء منها “هناك بلا شك نخبة ليس لديها القدرة على هضم الإفلاس المالي والأخلاقي لتحركات الكرملين” كما يقول غافين وايلد، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الذي تعامل مع ملف روسيا.
ويوافق أن الساحة ناضجة لتجنيد عملاء من بين النخبة، لكنه اعترف بصعوبة الوصول إليهم نظرا للقيود التي يضعها الكرملين على سفرهم. ويقول جون سيفر، العميل السابق في “سي آي إيه”، إن الكثير من الروس الذين يقررون التعاون مع حكومة الولايات المتحدة يفعلون هذا بعد سنوات من عدم الرضى على حكومتهم “ويكتشفون أن النظام متعفن” و”قذر من الرأس ولا خيار أمامهم”. وربما جاء الاختراق من الأوكرانيين الذين يتقنون حرب المعلومات ولديهم صلات مع الروس.

المصدر| بوليتيكو

موضوعات تهمك:

بوتين لن يكرّر خطأ ستالين

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة