هل تعيد حرب أوكرانيا تشكيل النظام العالمي الجديد؟

محمود زين الدين23 مارس 2022آخر تحديث :
أوكرانيا

يتوقع استقطاب أكثر بين الغرب ممثلا بأمريكا والاتحاد الأوروبي من جانب وبين الكتلة الشرقية ممثلة في روسيا والصين من جانب آخر.
الاقتصاد العالمي سيشهد ارتفاع معدلات التضخم وانكماش النمو الاقتصادي ما قد يؤدي إلى ركود تضخمي في حين يحاول العالم التعافي من تبعات كورونا.
نتيجة لحرب أوكرانيا سيشهد العالم زيادة الإنفاق كمساعدات إنسانية وعسكرية وتعزيز القدرات الدفاعية أو لتحمل تبعات ومساعدة اللاجئين من هذه الحرب.
منذ أزمة 2008 المالية العالمية شهدنا بدء تصدعات المنظومة العالمية، حيث بدأت عدة دول في اتخاذ إجراءات أحادية ودول أخرى شعرت بلا جدوى العولمة
أدت العولمة لتفاوت كبير بين طبقات المجتمع الواحد وهجرة الوظائف ومعاناة قطاعات اقتصادية لم تستطع المنافسة مع دول ذات تكاليف إنتاجية متدنية.
* * *

بقلم: جاسم المناعي
لا شك في أن حرب أوكرانيا تمثل منعطفاً كبيراً وهاماً على صعيد العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية. فمنذ أحداث الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة وسقوط جدار برلين وانتهاء حقبة الشيوعية، أصبح العالم تحكمه أنظمة وعلاقات مستقرة إلى حد كبير لا بل أصبح العالم أكثر ترابطاً وأكثر انسجاماً.
وقد شهدنا انضمام دول كثيرة بما يشمل دول المعسكر الشرقي سابقاً إلى عضوية منظمات دولية مثلما حصل على إثر انضمام الصين وروسيا إلى منظمة التجارة الدولية، كما انضمت دول أخرى من ذلك المعسكر إلى منظمات اقتصادية ومالية دولية.
وأصبحت بالتالي معظم دول العالم تخضع لنفس السياسات والمعايير التي تضعها المؤسسات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية في مجال التجارة ولجنة بازل في مجال الممارسات المصرفية وغيرها من هذه الأمثلة.
إلا أنه ومنذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008 ونحن نشهد بدء تصدعات لهذه المنظومة العالمية، حيث بدأت عدة دول في اتخاذ إجراءات أحادية الجانب هذا كما أن دولاً أخرى بدأت تشعر بأن العولمة لم تكن دائماً مفيدة، حيث أدت إلى تفاوت كبير بين طبقات المجتمع الواحد كما أدت في حالة دول أخرى إلى هجرة الوظائف ومعاناة لكثير من القطاعات الاقتصادية التي لم تستطع المنافسة مع دول ذات تكاليف إنتاجية متدنية.
والاقتصادات الغربية في أوروبا وأمريكا هي أولى المتذمرين من هذا الوضع بالرغم من أن النظريات الاقتصادية الغربية كانت أصلاً تؤيد توطين الإنتاج والأنشطة الاقتصادية وفقاً للمزايا النسبية.
وبناء على ذلك، علت صيحات التقوقع وتشجيع المنتج المحلي ومحاربة ووضع الحواجز أمام ليس فقط المنتجات المستوردة ولكن أيضاً أمام حركة الهجرة والأيدي العاملة.
وقد نتج عن هذه التطورات ما يعرف بالحركات والأحزاب الشعبوية خاصة في أمريكا بزعامة الرئيس السابق ترامب وكذلك في أوروبا بشكل عام.
وما زلنا نتذكر شعار ترامب السياسي وهو «أمريكا أولاًَ»، وقد تبعه بايدن خاصة في العلاقة التجارية مع الصين حيث قلص كثيراً من استيراد المنتجات الصينية كما حدد وضيق من صادرات التكنولوجيا الأمريكية إلى الصين.
وبالتالي لم تعد التجارة الدولية حرة تماماً كما نصت قوانين منظمة التجارة العالمية بل إن الحواجز أمام حركة التجارة أو حركة الأفراد ازدادت، الأمر الذي انعكس في شكل تراجع ملحوظ لنظام العولمة الذي حقق تقدماً ملموساً خلال الثلاثة عقود الماضية.
حرب أوكرانيا تأتي في هذا السياق لتؤسس لنمط جديد في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية. فعلى الصعيد السياسي يمكن أن نشهد مزيداً من الاستقطاب بين الكتلة الغربية ممثلة في أمريكا والاتحاد الأوروبي من جانب وبين الكتلة الشرقية ممثلة في روسيا وإلى حد ما الصين من جانب آخر.
وللأسف فإن مزيداً من الاستقطاب بين هاتين الكتلتين من شأنه زيادة التوترات السياسية العالمية، هذا إذا لم يجر ذلك إلى تصعيد أكبر في شكل صراعات مباشرة أو حتى حروب عالمية.
أما على الصعيد الاقتصادي فإن حرب أوكرانيا قد أدت بالفعل إلى تحول كبير في حركة التجارة والاستثمار والتحويلات المالية وأسعار الصرف، هذا إضافة إلى زيادة كبيرة في معدلات التضخم نتيجة لارتفاع أسعار النفط والغاز والمشتقات البترولية الأخرى وكذلك أسعار المحاصيل الغذائية مثل القمح والشعير والذرة والزيوت النباتية.
واستمرار حرب أوكرانيا وما يترتب عليها من مقاطعة أمريكا وأوروبا لروسيا اقتصادياً سوف يؤدي إلى استمرار هذا الوضع – هذا إذا لم يؤسس لعلاقات اقتصادية وتجارية جديدة.
لا ننسى كذلك الاستثمارات الكبيرة والهامة التي انسحبت من روسيا على إثر هذه الحرب سواء ممثلة في شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبيرة أو المصارف العالمية الهامة أو حتى سلاسل مطاعم الأكل السريع مثل ماكدونالدز وغيرها.
إن التداعيات الاقتصادية لحرب أوكرانيا لا تتوقف في الواقع عند هذا الحد حيث إن عزل روسيا عن منظمات دولية مثل منظمة التجارة العالمية أو بنك التسويات الدولية أو نظام المدفوعات العالمي من شأنه أن يزيد من الهوة التي بدأت تتسع أصلاً بين أهم الدول والكتل الاقتصادية الكبرى مما سيضعف بالتبعية من نظام العولمة الذي عرفه العالم خلال الفترة الماضية.
وسواء تحدثنا عن التداعيات السياسية أو الاقتصادية لحرب أوكرانيا فإننا بالتأكيد سوف نشهد تلاشي أو انعدام الثقة خاصة بين أوروبا وروسيا وسوف ينعكس هذا الأمر في سعي أوروبا إلى تعزيز دفاعاتها العسكرية وألمانيا قد بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه نحو تحديث وتعزيز نظامها العسكري وزيادة مخصصات الميزانية لهذا الغرض.
ويعتبر مثل هذا الإجراء تحولاً كبيراً في سياسة ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية. هناك تحولات أخرى هامة في موقف أوروبا نتيجة لهذه الحرب وبخاصة في مجال اعتمادها على النفط والغاز الروسي.
هذا وإن لم تستطع أوروبا مجاراة أمريكا في مقاطعة النفط والغاز الروسي في الوقت الحالي خشية تأثر الحياة اليومية لديها نظراً لاعتمادها الكبير حالياً على استيراد الطاقة من روسيا إلا أنها حسبما يبدو بدأت تشعر بالخطر ولذلك أصبحت تخطط الآن للاستغناء تدريجياً عن الاعتماد على النفط والغاز الروسي في أقرب وقت ممكن.
التحولات الهامة لحرب أوكرانيا سوف تظهر أيضاً على الاقتصاد الروسي الذي سوف يخرج من هذه الحرب منهكاً جداً نتيجة لتكاليف هذه الحرب لكن أيضاً نتيجة للحصار والعقوبات الاقتصادية التي اتخذتها الدول الغربية ودول أخرى لمعاقبة روسيا على هذه الحرب.
ويتوقع وفقاً لذلك أن ينكمش الاقتصاد الروسي هذا العام بمقدار 15% هذا إضافة إلى تدهور في قيمة الروبل العملة الروسية وأثره في القوة الشرائية للمواطنين الروس، كذلك فإن فصل البنوك الروسية الهامة عن نظام المدفوعات العالمي سوف يربك التحويلات المالية من وإلى روسيا.
بشكل عام الاقتصاد العالمي سوف يشهد تحولات كبيرة أيضاً ممثلة في ارتفاع معدلات التضخم مع احتمال تضاؤل أو انكماش معدلات النمو الاقتصادي الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى مرحلة من الركود التضخمي التي قد تأتي للأسف في وقت والعالم يتوقع التعافي من تبعات جائحة كورونا.
ومن التحولات الأخرى الهامة أيضاً على صعيد الاقتصاد العالمي نتيجة لحرب أوكرانيا، زيادة الإنفاقات سواء للمساعدات الإنسانية والعسكرية أو لتعزيز القدرات الدفاعية أو حتى لتحمل تبعات ومساعدة اللاجئين من هذه الحرب.
وحسبما يبدو فإن أوروبا سوف تضطر لتحمل الجزء الأكبر من هذه الإنفاقات التي تقدر وفقاً لبعض الخبراء بما يقرب من 200 مليار دولار. وغني عن الذكر بأن مثل هذه التكاليف من شأنها زيادة مديونية الدول المعنية في أوروبا والتي هي مرتفعة أصلاً.
على كل حال فإن هذه التحولات الهامة سواء السياسية منها أو الاقتصادية لا شك في أنها سوف تخلق واقعاً عالمياً جديداً أو إذا لم نكن نبالغ فإننا قد نكون بصدد نظام عالمي جديد.
* د. جاسم المناعي الرئيس السابق لصندوق النقد العربي
المصدر: الخليج – الدوحة

موضوعات تهمك:

العالم بعد الحرب في أوكرانيا

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة