نيويوركر: أزمة أوكرانيا تثبت أن الحرب الباردة لم تنته

محمود زين الدين22 فبراير 2022آخر تحديث :
أوكرانيا

“أكبر شيء حدث في العالم أثناء حياتي وحياتنا وبفضل الله، أمريكا ربحت الحرب الباردة”!

“بعد نهاية هذه المناورة الروسية البيلاروسية الكبيرة هناك إمكانية لأن تترك روسيا عددا من قواتها وتدمج بيلاروسيا بشكل فعلي”!

“لا يزال العالم مكانا خطيرا” و”الموتى فقط شاهدوا نهاية النزاع، ومع أن تحديات الماضي أمست وراءنا إلا أن تحديات غدا ولدت”.

تعهد الروس بعدم التخلي عن مطلبهم: عدم السماح لأوكرانيا بالانضمام للناتو وعودة الأخير إلى حدوده وسحب أسلحته إلى حدود ما قبل 1997.

عدوان بوتين على أوكرانيا أعاد النقاش فيما إن كان الرؤساء الأمريكيون وصناع السياسة أساءوا فهم عقود من التاريخ وظنوا خطأ أن الحرب الباردة انتهت.

في 2022 بدلا من محاولة بوتين تقويض اعتقاد الديمقراطيات الغربية بأنظمتها، فإنه في الواقع لا يحاول التظاهر بأن روسيا لديها نظام متفوق يمكن تطبيقه بدول أخرى.

أسئلة حول نهاية الحرب الباردة من جانب روسيا وهل أعمى النصر رؤساء أمريكيين متعاقبين بينما عادت روسيا بأقوى جيش بأوروبا تحاول إعادة بناء مجال تأثيرها التقليدي.

* * *

قالت المعلقة روبن رايت بمجلة “نيويوركر” إن عدوان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا أعاد النقاش فيما إن كان الرؤساء الأمريكيون وصناع السياسة أساءوا فهم عقود من التاريخ.
وتساءلت إن كانت الأزمة الأمريكية- الروسية بشأن أوكرانيا تؤكد أن الحرب الباردة لم تنته أبدا. وذكرت بآخر خطاب للرئيس جورج بوش الأب عن “حالة الاتحاد” في عام 1992 وبدا فيه تقريبا في حالة من النشوة: “أكبر شيء حدث في العالم أثناء حياتي وحياتنا وبفضل الله، أمريكا ربحت الحرب الباردة”.
وزاد بوش أن الصراع الأيديولوجي بين الغرب الذي قادته الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي ودار من خلال حروب الوكالة حول العالم وعلى مدى أربعة عقود لم ينته ببساطة بل وخرجت منه الولايات المتحدة منتصرة:
“فالعالم الذي كان منقسما على معسكرين مسلحين يعترف الآن بقوة خارقة واحدة هي الولايات المتحدة الأمريكية”. و”يتعامل معه بدون خوف لأن العالم يثق بنا كقوة والعالم على حق”. واعتقد بوش بما أسماه “النظام العالمي الجديد” والذي أنهى عصرا بكامله.
وقال في تشرين الثاني/نوفمبر 1989 مع انهيار جدار برلين وتداعي كتلة دول أوروبا الشرقية: “البحث عن الحرية لدينا هو أقوى من الفولاذ ودائم أكثر من الإسمنت”. وتبدو تأكيدات بوش محل شك بل وساذجة، فبعد ثلاثة عقود أعلن الرئيس جوي بايدن أن لديه معلومات أمنية قوية عن خطط الرئيس فلاديمير بوتين لغزو أوكرانيا.
ويحاول الرئيس الروسي “إقناع العالم أن لديه القدرة على تغيير دينامية أوروبا بطريقة ليست متوفرة لديه”. وفي توقف له في ليتوانيا يوم السبت قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إن القوات الروسية تتموضع وتحضر للضربة.
ووسط التوتر المتزايد، ثارت أسئلة بين المؤرخين حول نهاية الحرب الباردة، على الأقل من جانب روسيا وفيما إن كان النصر قد أعمى الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين. وعادت روسيا التي تملك أقوى جيش في أوروبا، وتحاول إعادة بناء مجال التأثير التقليدي لها.
ففي أوروبا، قامت روسيا على مدى 14 عاما بغزو وضم أجزاء من أوكرانيا وغزت جورجيا واعترفت باستقلال إقليمين انفصلا عنها. ولأول مرة لدى روسيا قوات راسخة في القاعدة البحرية والجوية على البحر المتوسط في سوريا.
وفي أفريقيا هناك آلاف من المرتزقة الروس الذين تم نشرهم في ليبيا على ساحل البحر المتوسط وفي السودان ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق ومدغشقر. وتبدو روسيا اليوم راغبة بابتلاع أوكرانيا المهمة استراتيجيا والتي تحد أعضاء في حلف الناتو، إما بالقوة العسكرية أو الإكراه السياسي.
وترد موسكو على اتهامات واشنطن بأنها “منافقة” في ضوء التدخلات العسكرية في العراق وأفغانستان اللتين تبعدان آلاف الأميال عن شواطئها. ومن النظرة التاريخية، يرى بعض الخبراء أن التوترات الحالية هي وجه جديد من الحرب الباردة التي لم تنته.
ويقول روبرت دالي، مدير معهد كيسنجر بمركز ويلسون “يمكننا تتبع التوترات الحالية إلى الحرب الباردة”. وقال إن الأزمة الحالية اليوم لم تكن محتومة أو مكتوبة لو قام القادة الأمريكيون والصينيون والروس باتخاذ “مجموعة كاملة” من الخيارات المختلفة على طول الطريق، فلربما منعوا التاريخ من السير في طريق مختلف وإشكالي.
ويبدو الآن أن الفترة ما بين الحرب الباردة واليوم كانت “لحظة عابرة” و”اعتقدنا أنه تم حل القضايا، ومن الواضح الآن أنها لم تحل”. وأضاف أن المنظور الجديد للماضي لن يقبله الأمريكيون لأن الأزمة تعكس “فشلا جمعيا” على مدى العقود.
وتتناقض فترة الأمل عندما اتفق رونالد ريغان مع ميخائيل غورباتشيف مع بداية الغلاسنوست نهاية الثمانينات من القرن الماضي على تسوية تتعلق بالأسلحة النووية واستقبال بوش بوريس يلتسين في منتجع كامب ديفيد عام 1992، مع عام 2022 عندما حشد بوتين قواته على حدود أوكرانيا. وتعكس اللغة الصدامية اليوم غضب الأمس.
ففي يوم الخميس أصدر الكرملين ردا حادا من 11 صفحة على مقترحات جوي بايدن لتعزيز أمن أوروبا وروسيا، وهي تعبير عن رفض بوتين وبعناد، وتعهد الروس بدلا من ذلك بعدم التخلي عن مطلبهم وهو عدم السماح لأوكرانيا الانضمام للناتو وعودة الأخير إلى حدوده وسحب أسلحته إلى حدود ما قبل 1997.
وضم الرد تهديدا جديدا لو رفض الناتو “في غياب الاستعداد من الجانب الأمريكي للموافقة على ضمانات صلبة وملزمة قانونيا للتأكيد على أمننا من الولايات المتحدة وحلفائها” فقد تعهدت بأن “روسيا ستجبر للرد بما في ذلك تنفيذ إجراءات عسكرية وفنية الطابع”.
ومن منظور اليوم، فجذور التوترات بين واشنطن وموسكو لم تتغير منذ الحرب الباردة، كما يقول سيرغي رادتشنكو، الخبير في العلاقات الدولية بمدرسة الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكنز.
وقال إن افتراض واشنطن أن الحرب الباردة انتهت عام 1989 هو عبارة عن مفهوم أمريكي متمحور حول الذات وغير مناسب وتجاهل رغبة روسيا التاريخية للتعامل معها باحترام من قبل الولايات المتحدة وأوروبا على أنها قوة عظمى.
وبعيدا عن الأيديولوجيا “لم يكن أبدا نزاعا بين الرأسمالية والشيوعية” بل “عن تحدي الهرمية السياسية العالمية والصعود إلى قمة الهرم على حساب الولايات المتحدة”.
وكان هدف روسيا هو الحصول على قبول كقوة على قدم المساواة وتمارس تأثيرها في مجالها وهو الهدف الذي سعت موسكو لتحقيقه، سواء في ظل الحكم الشيوعي أو ما بعده، وهذا يعود إلى مؤتمر يالطا عام 1945 واجتماع قادة دول الحلفاء.
ويحاول آخرون الفصل بين الفترات التاريخية، والقول إن هناك خلافات كثيرة أكثر من ملامح التشابه بين الحرب الباردة في القرن العشرين والتوترات في القرن الحادي والعشرين.
وقال السفير الأمريكي السابق في موسكو مايكل ماكفول “لا أعتقد أن من الدقة وصف الأمر باللحظة العابرة أو الفترة القصيرة ثم العودة دائما إلى التاريخ” و”انتهت الحرب الباردة” وتبعتها لحظة “فرصة” عندما قام الروس بتوطيد الحكم الديمقراطي في الداخل ودمج النظام الدولي الليبرالي. و”عمل بعضنا على ذلك المشروع ولكنه فشل عام 2011″، مشيرا إلى الفترة التي استعاد فيها بوتين الرئاسة ووطد حكمه.
واستبدلت “الحرب الباردة” بمرحلة من “السلام الساخن” كما يقول ماكفول وربما أصبحت أكثر سخونة الآن. والعامل الدائم كما يقول فرانسيس فوكاياما مؤلف كتاب “نهاية التاريخ” هو الطموح الروسي. وطالما تحسر بوتين على انهيار الاتحاد السوفييتي وأن خسارته كانت “مأساة كبيرة، وقامت سياسته الخارجية على تجميع كيانات قدر الإمكان”.
ويرى فوكاياما أن الرهانات ما بين 1947 و1989 كانت أعلى وأن النزاع كان “يغلف” العالم. وكانت الحرب الباردة هي بين أيديولوجيتين عالميتين متنافستين.
وفي عام 2022 فبدلا من محاولة بوتين “تقويض اعتقاد الديمقراطيات الغربية بأنظمتها، فإنه في الحقيقة لا يحاول التظاهر بأن روسيا لديها نظام متفوق يمكن تطبيقه في دول أخرى” على حد تعبير فوكاياما.
وتم استبدال المعارك الأيديولوجية للحرب الباردة بالنزاعات الجيوسياسية و”تحاول روسيا الحصول على تأثير مستخدمة نفوذها العسكري المحدود الذي تملكه في مناطق مختلفة من العالم. لكن هذه ليست حربا باردة”.
وروسيا اليوم أضعف من الاتحاد السوفييتي، كما أن معظم أوروبا الشرقية مصطف مع الغرب. واستمرت الحرب الباردة مدة نصف قرن، ومهما حدث في أوكرانيا فقد تستمر لفترة طويلة وتؤثر على دول كما فعلت الحرب الباردة.
ووسط التوتر في أوكرانيا، لم يتم التركيز على ما يجري في بيلاروسيا التي ساعد بوتين رئيسها ألكسندر لوكاشينكو على قمع انتفاضة شعبية العام الماضي، ووافق على نشر الأسلحة النووية الروسية في بلاده التي تحد ثلاث دول أعضاء في الناتو وهي بولندا ولاتفيا وليتوانيا.
ومن مركز قيادة في موسكو شاهد بوتين ولوكاشينكو مناورات في بيلاروسيا وضمت صواريخ كروز قادرة على حمل رؤوس نووية وصواريخ باليستية بمشاركة ثلاثين ألف جندي روسي. وقال فوكاياما “بعد نهاية هذه المناورة الكبيرة فهناك إمكانية لأن تترك روسيا عددا من قواتها وتدمج بيلاروسيا بشكل فعلي”.
بالمحصلة فقد كان بوش محقا في شيء واحد عندما أنهى خطابه بالقول “لا يزال العالم مكانا خطيرا” و”الموتى فقط شاهدوا نهاية النزاع، ومع أن تحديات الماضي أمست وراءنا إلا أن تحديات غدا ولدت”.

المصدر| نيويوركر

موضوعات تهمك:

وقفة لتوضيح المخاطر والمسؤولية مع اقتراب الحرب في أوروبا

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة