نفوذ الأثرياء والاحترام الاجتماعي

محمود زين الدين1 يونيو 2022آخر تحديث :
الثراء

توقيت التحول الشديد إلى اليمين من بعض أفراد أرستقراطية التكنولوجيا مثير للاهتمام، نظراً لما يحدث بالسياسة الأميركية.
يصعب تخيل نوع الفقاعة التي يعيش فيها ماسك حتى اتهم في أجوائها الديمقراطيين علناً بأنهم «حزب الانقسام والكراهية».
مازال أباطرة التكنولوجيا يمتلكون ثروات هائلة، لكن الجمهور لم يعد يقدم لهم المستوى السابق من التملق. وهذا يفقِد بعضَهم صوابه أحياناً!
لا أتوقع أن يتعلم أمثال ماسك وإليسون أيَّ شيء من هذه التجربة. فالأغنياء مختلفون عني وعنك، فهم محاطون عادة بأشخاص يخبرونهم بما يريدون سماعَه.
القلّةَ الأوليغاركية الثرية المهيمنة سياسياً يمكنها أن تتزايد ثراءً في ظل رؤساء من اليمين الشعبوي لكن الثروة الهائلة لا توفر إلا قدراً ضئيلاً من الأمان أمام غرابة أطوار ونزعة الانتقام لزعماء لا يقيدهم قانون.
* * *

بقلم: د. بول كروغمان
قادة وادي السيليكون في حالة هياج سياسي، فقد انقلب بعض أصحاب المليارات فجأة ضد «الديمقراطيين». والأمر لا يقتصر على إيلون ماسك، بل هناك شخصيات بارزة أخرى، من بينها جيف بيزوس، انتقدت إدارة بايدن.
ونعلم الآن أن لاري إليسون، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أوراكل، شارك في مكالمة مع شون هانيتي وليندسي غراهام حول عدم الاعتراف بنتيجة انتخابات عام 2020 الرئاسية.
وتوقيت هذا التحول الشديد إلى اليمين من بعض أفراد أرستقراطية التكنولوجيا مثير للاهتمام، نظراً لما يحدث في السياسة الأميركية. ومن الصعب، على سبيل المثال، تخيل نوع الفقاعة التي يعيش فيها ماسك حتى اتهم في أجوائها «الديمقراطيين» علناً بأنهم «حزب الانقسام والكراهية».
صحيح أن تاكر كارلسون، مقدم البرامج في «فوكس نيوز»، ليس سياسياً لكنه لا يزال أحد أكثر الشخصيات نفوذاً في الحزب الجمهوري الحديث.
وكارلسون يخصص حلقةً تلو الأخرى من برنامجه لـ«نظرية الاستبدال» التي تزعم أن النخب الليبرالية تجلب عمداً المهاجرين إلى أميركا ليحلوا محل الناخبين البيض. واستطلاعات الرأي تظهر أن نحو نصف الجمهوريين يقبلون هذه النظرية.
والأثرياء أصحاب النفوذ السياسي (البلوتوقراط) الذين يهاجمون الديمقراطيين ضيقو الأفق بشكل ملحوظ. ولا أزعم أن ما يحدث هنا يتعلق أساساً بالجشع، رغم صلته بالأمر أيضاً. بل يتعلق الأمر إلى حد كبير بهشاشة الذات. صحيح أن بعض المصالح الاقتصادية الحقيقية معرّضة للخطر.
فقد اقترح الديمقراطيون فرض ضرائب جديدة على الأثرياء، والرئيس جو بايدن عين مسؤولين معروفين بتأييدهم لتبني سياسة أقوى ضد الاحتكار. ومن الصحيح أيضاً أن أسهم التكنولوجيا قد تراجعت بشكل كبير خلال الأشهر القليلة الماضية، مما قلَّص من قيمة أسهم عمالقة مثل ماسك وبيزوس.
لكن حتى لو خرج الديمقراطيون عن المألوف واحتفظوا بالسيطرة على الكونجرس، في نوفمبر المقبل، فلا يوجد احتمال واقعي لشن حملة على غرار «الصفقة الجديدة» ضد عدم المساواة المفرطة.
وعلاوة على ذلك، أي سياسة متخيلة لإعادة توزيع الثروة ستترك، على الرغم من ذلك، أصحاب المليارات فاحشي الثراء وقادرين على شراء أي شيء يريدونه، ربما باستثناء تويتر. وما لا تستطيع الثروة دائماً شراءه هو الإعجاب.
ففي هذه الساحة، تكبد عمالقة التكنولوجيا خسائرَ فادحة. واسمحوا لي أن أتحول إلى متحذلق اجتماعي لمدة دقيقة. فمنذ كتابات ماكس فيبر قبل قرن على الأقل، أدرك علماء الاجتماع أن عدم المساواة الاجتماعية لها أبعاد كثيرة.
ونحتاج على الأقل إلى التمييز بين تراتبية المال التي يمتلك فيها بعض الناس نصيباً غير متناسب من ثروة المجتمع، وتراتبية المكانة المرموقة التي يحظى فيها بعض الأشخاص باحترام خاص وترنو إليهم الأنظار بإعجاب.
ويشغل الناسُ مواقعَ مختلفةً جداً في هذه التراتبيات. فنجوم الرياضة والبوب و«المؤثرون» على وسائل التواصل الاجتماعي، ونعم أيضاً، الحائزون على جائزة نوبل.. ميسورون مالياً بشكل عام، لكن ثروتهم بالتأكيد ليست إلا فكة في الجيب مقارنةً بالثروات الهائلة لقادة وادي السيلكون.
وفي المقابل، يحظى أصحاب المليارات بالاحترام من المعتمِدين على عطاياهم، لكن القليل منهم شخصيات عامة ذائعة الصيت على نطاق واسع، ونسبة أقل منهم تتمتع بقاعدة معجبين مخلصين.
إلا أن النخبة التكنولوجية حظيت بكل شيء. فقد ظلت شيريل ساندبيرج، المسؤولة البارزة السابقة في فيسبوك، أيقونةً نسويةً محبوبةً لفترة من الوقت على الأقل. ولدى ماسك ملايين المتابعين على تويتر، وكثيرون منهم بشر حقيقيون وليسوا حسابات وهمية، وكان هؤلاء المتابعون في كثير من الأحيان من المدافعين المتحمسين عن «تسلا».
الآن، انقشع البريق. فوسائل التواصل الاجتماعي التي حظيت بحفاوة ذات يوم باعتبارها قوة داعمة للحرية، تلقى إدانةً الآن باعتبارها ناقلات للمعلومات المضللة. والقصص عن الاحتراق العشوائي وحوادث الطيار الآلي أضرت بالدعم الذي كانت تلقاه تسلا.
ومازال أباطرة التكنولوجيا يمتلكون ثروات هائلة، لكن الجمهور لم يعد يقدم لهم المستوى السابق من التملق. وهذا يفقِد بعضَهم صوابه أحياناً. لقد رأينا هذا من قبل.
ففي عام 2010، انخرط كثيرون من نخب وول ستريت في نوبة «الغضب من أوباما»، بدلاً من الشعور بالامتنان لخطة الانتشال التي نفذها الرئيس الأميركي في حينه. غضب تجار وول ستريت لعدم تلقيهم ما يرون أنه الاحترام الذي يستحقونه، بعد تداعي الاقتصاد العالمي.
المال لا يستطيع شراء الإعجاب، لكن يستطيع شراء السلطة السياسية، ومن المؤسف استغلال بعض هذه القوة لصالح حزب جمهوري يجنح باستمرار نحو السلطوية. هل أخبرتكم عن الاجتماع الأخير للتجمع اليميني المعروف باسم «مؤتمر العمل السياسي للمحافظين» الذي تضمن كلمةً مصورةً لدونالد ترامب، والذي قد عقد في المجر تحت رعاية فيكتور أوربان الذي غيّر ديمقراطية بلاده؟
صحيح أن القلّةَ الثرية المهيمنة سياسياً (الأوليغاركية) يمكنها أن تتزايد ثراءً في ظل رؤساء من اليمين الشعبوي. لكن الثروة الهائلة لا توفر إلا قدراً ضئيلاً من الأمان أمام غرابة أطوار ونزعة الانتقام لدى زعماء لا يقيدهم قانون.
ولا أتوقع أن يتعلم أمثال إيلون ماسك ولاري إليسون أيَّ شيء من هذه التجربة. فالأغنياء مختلفون عني وعنك، فهم محاطون عادة بأشخاص يخبرونهم بما يريدون سماعَه.
* د. بول كروغمان أكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد.
المصدر: نيويورك تايمز

موضوعات تهمك:

جدلية الفائدة والتضخم بين لاغارد وباول

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة