موسوعة فلسطينية جديدة بالانكليزية

محرر الرأي31 يناير 2019آخر تحديث :
موسوعة فلسطينية جديدة بالانكليزية

موسوعة فلسطينية جديدة بالانكليزية

  • كيف تعمق الاستفادة من منتج كبير مثل الموسوعة الفلسطينية الصادرة مؤخرا بالانكليزية؟

بقلم: جواد العناني

الوضع الاقتصادي في فلسطين يعطيك مؤشرات متناقضة، فمعدلات النمو في الضفة الغربية (أو فلسطين) يعطي الانطباع بأن الأمور تتحسّن، وأن هنالك دلالات على أن الفلسطينيين يعيشون في حالة معقولةٍ ومقبولة، وارتفاع نسبة العمالة الفلسطينية داخل الخط الأخضر، أو إسرائيل، يوفر لها مداخيل تمكّنها من مواجهة أعباء الحياة.

كما أن الاقتصاد الفلسطيني يوفر آلاف فرص العمل في صناعات الجلود، والحجارة والرخام البلدي، والنقل وغيره، مما يُصدّر إلى إسرائيل، أو عبر الأردن إلى الدول العربية والأجنبية، ما يساهم كثيراً في تحقيق نمو معقول يفوق نسبة النمو في السكان.

 

اقرأ/ي أيضا: السلطة الدينيّة أعلى..

لكن الوضع في القدس ذاتها يختلف تماماً، فأهل القدس محاصرون، وتُفرض عليهم ضرائب باهظة، والترخيص بالأعمال أو تجديدها مُكلِف، ولا يكاد يُعطى من سلطات الاحتلال.

والسياحة التي تعتبر أهم مصدر، تحتكرها شركات السياحة الإسرائيلية. ومحلات التحف والأثريات تتعرّض للمنافسة من متاجر إسرائيلية.

وقس على ذلك كله إنكار الحقوق الأساسية للناس في التعلم، والأمن، والحركة، والسكن، والتنقل. ومع هذا، فإن أهل القدس صامدون، وقد جمعتني أكثر من مرة لقاءات بحراس الأقصى، ومعظمهم من أهل الخليل سابقاً، فيعيدون إلى نفسي الأمل بأن القدس ستبقى محافظةً على هويتها وأصالتها العربية والإسلامية والمسيحية، كما تنص روحاً العهدة العمرية، والتي وقعها الخليفة عمر بن الخطاب مع المطران صفرونيوس راعي كنيسة القيامة في القدس (إيلياء) ممثلاً لمسيحيي الشرق، وذلك العام الخامس عشر للهجرة (638 ميلادية).

 

اقرأ/ي أيضا: التسريبات الإسرائيلية إن صحّت؟!

وما تعهد به الخليفة عمر لأهل المدينة من الحفاظ على كنائسهم وصلبانهم ومعابدهم وأموالهم وحرياتهم وشعائرهم يسلط الضوء على النقيض الكامل لممارسات الإسرائيليين الذين لم يتوفر أي دليل على أن لهم أي آثار في القدس.

وقد قام أحد أبناء القدس، الدكتور محمد هاشم غوشة، بإنجاز عمل عظيم، خصص له من عمره أكثر من اثني عشر عاماً، باحثاً، وجامعاً للوثائق، ومحققاً، حتى أنجز أربعة وعشرين جزءاً بجهده وماله مما سمّاه “بالاستينيكا”، أو “الإنسايكلوبيديا” الفلسطينية. ويبلغ عدد صفحات هذا المؤلّف البديع أكثر من سبعة آلاف صفحة، ولا يزال مصمماً على الاستمرار في العمل حتى ينجز كل الجوانب المتعلقة بفلسطين.

وتغطي هذه الموسوعة الفترة العثمانية، منذ أصبحت فلسطين مثل باقي بلاد الشام تحت الحكم العثماني، بعد هزيمة قانصوه الغوري أمام جيش السلطان سليم الأول في معركة مرج دابق العام 1516 ميلادية. وقد قام الدكتور محمد هاشم غوشة بالتأريخ لهذه الفترة من جميع جوانبها في الأجزاء الأحد عشر الأولى، مستعرضاً تاريخ فلسطين، والأوقاف العائلية لسكانها، والرسومات واللوحات الفنية التي أنتجها الرسامون المستشرقون، مخصصاً الأجزاء الأربعة من هذا القسم لفترة حكم السلطان عبدالحميد الثاني.

 

اقرأ/ي أيضا: حركة «فتح» والأسئلة الصعبة

أما القسم الثاني (من الجزء 12 وحتى 16)، فقد خصصه للخرائط الفلسطينية عن المدن والقرى والمحافظات وكامل فلسطين، ووضع الأرشيفات العائلية التي تؤكد هوية هؤلاء وحياتهم ومدى تطورهم أمام القراء والباحثين.

أما القسم الثالث فيخصصه الدكتور محمد هاشم غوشه للصور والتذكارات العائلية، ويخصّص أجزاء للأسر الفلسطينية المسيحية وأجزاء للمسلمين وأماكن عبادتهم وعاداتهم واحتفالاتهم، متسلسلاً فيها حتى نهاية الحرب العالمية الثانية في العام 1945.
ولعل أظرف ما وجدت في هذه الأجزاء هو ذلك المتعلق بالأختام العائلية، والتي جمع منها ستماية ختم كانت تستخدم للتوثيق وتوقيع الاتفاقيات والعقود.

وهنالك أجزاء عن طيور فلسطين، ونباتاتها، ومنتجاتها. ويُري هذا المؤلف الرائع أن فلسطين كانت موجودة، وأن فيها دائماً سكاناً يمارسون حياتهم، وينتجون، ويبيعون، ويشترون. ومع أن مستشرقين كثيرين لم ينصفوا فلسطين وأهلها وسلّطوا فيها الضوء على الحياة البدائية، إلا أن كثيرين منهم أنصفوها، ولعل أكثر المدافعين بالحجة الدامغة حول هذا الموضوع هو الدكتور إدوارد سعيد.

 

اقرأ/ي أيضا: «أزمة المطارات»… المسألة في سياقها

كل ما جمعه وبوّبه ونشره الدكتور غوشة يمكن تلخيص قيمته فيما قاله المؤرخ حسام أبو النصر “الآن مجمل أعمال المستشرقين موزّعة في دول العالم، وتركت بصمة وصورة لفلسطين في متاحف العالم تؤكد على الوجود الفلسطيني وحضوره العالمي وأصبحت مرجعاً هاماً لجميع الباحثين…”. ووضع معظم هذه الأعمال في مؤلف واحد يعطي ما قاله أبو النصر عمقاً إضافياً وفرته هذه الإنسايكلوبيديا المتميزة.

والسؤال الذي يطرحه الأمير الحسن بن طلال، الذي شجع الدكتور غوشة وسانده، وكتب له المقدمة، هو كيف تعمق الاستفادة من هذا المنتج الكبير؟

المطلوب أن يقوم كل من يؤمن بفلسطين وقضيتها بشراء نسخة من هذه الموسوعة، ويتركها تحت نظر أبنائه وأصدقائه. والثانية أن ينشئ أهل الخير دارا للبحوث العلمية المحققة، وينشروها مستفيدين من هذه الإنسايكلوبيديا، تعزيزاً للقضية الفلسطينية، ودحضاً لما تنشره الدعايات الصهيونية من أنها أرض بلا شعب.

تم مؤخرا إطلاق هذه الموسوعة العظيمة، وهي الآن متاحة مباشرة من مؤلفها، علماً أنها مكتوبة باللغة الإنكليزية، ويؤمل نشرها بلغات عالمية أخرى.

* د. جواد العناني خبير اقتصادي، نائب رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي الأردني سابقا.

المصدر: العربي الجديد – لندن

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة