مودي يعبّد طريقه السياسي بدماء المسلمين: ديمقراطية الهند نحو الفاشية

محمود زين الدين12 يونيو 2022آخر تحديث :
مودي

اضطهاد المسلمين في الهند طائفية تغذيها سياسات الحكم في عهد مودي الذي يسعى ليعيد عجلة التاريخ القديم على أحوال المسلمين.
تؤمن حركة “هندوتفا” (التفوق الهندوسي) بتفوق الهندوس على الأقليات الأخرى، وضرورة سيطرة الأغلبية الديمغرافية على الفضاء العام في الهند.
دعاة هندوتفا “يزعمون أن المسلمين والمسيحيين بالهند نتاج تحول قسري لأسلافهم، وأن هذه الممارسة مستمرة، ما يعرض العقيدة الهندوسية للخطر.
السردية الأسطورية للحركة القومية الهندوسية اتخذت سبيلها لضرب التنوع الثقافي والتاريخي الذي تتميز به الهند منذ ما قبل وصول الإسكندر المقدوني.
الأنساق الفكرية المؤسسة للهندوسية تتفق مع السردية الدينية الطائفية، مع بروز حركات يمينية اجتماعية، ويبدو أن مودي وحزبه من إفرازاتها السياسية، أبرزها حركة “هندوتفا”.
كانت حركة “هندوتفا” وراء حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم بالهند وأمدّته بقوة تعبوية طائفية كبيرة وامتدت أصولها الأيديولوجية للدولة وأصبحت مصدر التشريع الأساسي.
* * *
“هؤلاء خارجون عن القانون، ويمكن معرفتهم من لباسهم”، بهذه الكلمات يحاول رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي فرز المتظاهرين المسلمين ضدّ السياسة اليمينية الهندوسية التي يمثلها حزبه “بهاراتيا جاناتا” الحاكم في الهند.
ولا يبدو مثل هذا الخطاب بعيدًا عن إمعان مودي الأخير في تجريح مقدّسات المسلمين، بل أضحى خياره في ذلك على ما يبدو سياسيًا مستمدًا من رواسب الصراع الطائفي الطويل الذي انتهى بانقسام شبه الجزيرة الهندية على أساس ديني بين باكستان والهند سنة 1947، قبل انفصال باكستان الشرقية (بنغلادش) عن باكستان إسلام أباد سنة 1971، وما رافق هذين الحدثين من صراع دموي بين الهندوس والمسلمين.
الهندوتفا أو “التفوق الهندوسي”
والهند اليوم لم تعد بعيدة عن تلك الصراعات الدموية؛ فبحسب مقال، نشر في شبكة سي أن أن الأميركية، للصحافيين أكاكنشا سينغ وروشن عباس، يروي هذا الأخير مرارة العيش في الهند كمسلم، ويشير في هذا المقال إلى أن الصراع في بلاده أضحى يشكل خطرًا على الأقلية المسلمة في بعض الأقاليم والمقاطعات الهندية.
يلفت روشن إلى أن أحد القادة الهندوس المحليين في ولاية أوتاراخاند الشمالية دعا، العام الماضي، إلى حمل السلاح ضدّ المسلمين “لمنعهم من الوصول لمنصب رئيس وزراء الهند سنة 2029”. ويبدو أن كلام روشن عباس، وهو صحافي هندي مسلم، قد بني على الأساطير المؤسسة للحركات اليمينة الهندوسية التي أصّلت للصراعات الطائفية في الهند ما بعد الاحتلال البريطاني.
ومن بين تلك الأساطير منع عودة المسلمين لحكم الهند من جديد، بعد أن حكموها منذ عهد الإمبراطورية التي أسسها السلطان المغولي ظهير الدين بابر، واستمرت قائمة لما يقرب من 300 سنة، وبالتحديد من 1526 حتى 1858، قبل تحولها للحكم تحت التاج البريطاني.
ويبدو أن الأنساق الفكرية المؤسسة للهندوسية تتفق مع هذه السردية الدينية الطائفية، خاصة مع بروز حركات يمينية اجتماعية، ويبدو كذلك أن مودي وحزبه من إفرازاتها السياسية، أبرزها حركة “هندوتفا”، والتي يمكن تشبيهها بمنظمة كو كلوكس كلان KKK الأميركية العنصرية أو الحركة الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا.
بل إن زمن تأسيس الحركة قريب جدًا من زمن صعود هذه التيارات على سطح الأحداث منذ العقد الثاني من القرن العشرين، إذ إنها تأسست سنة 1923.
ففي الوقت التي تؤمن فيه المنظمة الأميركية بتفوق العرق الأبيض في الولايات المتحدة، وعلوية العرق الآري بالنسبة للنازيين، تؤمن حركة “هندوتفا” (التفوق الهندوسي) بتفوق الهندوس على الأقليات الأخرى، وضرورة سيطرة الأغلبية الديمغرافية على الفضاء العام في الهند.
المظلومية والفاشية
في هذا السياق، يشير الصحافي الهندي مانوج جوشي، وهو كبير باحثين في Observer research foundation، في مقال له على موقع عين أوروبية (موقع متخصص في متابعة اتجاهات التطرف في العالم)، إلى أن دعاة هندوتفا “يدفعون بالأسطورة القائلة بأن المسلمين والمسيحيين في الهند بالأساس هم نتاج التحول القسري لأسلافهم، وأن هذه الممارسة مستمرة، ما يعرض العقيدة الهندوسية للخطر.
ولعلّ هذه الحركة هي التي كانت وراء حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم في الهند، خصوصًا أنّها هي التي أمدّت الحزب بقوة تعبوية كبيرة على أساس طائفي، حتى امتدت أصولها الأيديولوجية إلى الدولة وأصبحت المصدر الأساسي في التشريع، وإصدار القوانين لمصادرة حقوق الأقليات والتي امتدت لحدود إصدار قانون سنة 2019 أطلق عليه “قانون المواطنة”، يحرم المسلمين من حق الجنسية.
وينصّ هذا القانون على أنه من واجب كل هندي أن يثبت مواطنته الهندية، وهو ما يعني أن على 1.3 مليار هندي أن يثبتوا جنسيتهم الهندية ليقع ترسيمهم في السجل القومي الهندي، مما قد يدفع لعدم المصادقة على الهوية الهندية للمسلمين، ويعرضهم للعزل الاجتماعي الطوعي، على غرار معسكرات الاعتقال النازية إبان الحرب العالمية الثانية.
ويبدو أن السردية الأسطورية للحركة القومية الهندوسية قد اتخذت سبيلها إلى ضرب التنوع الثقافي والتاريخي الذي تتميز به الهند منذ ما قبل وصول الإسكندر المقدوني لشبه القارة الهندية، وصولًا إلى السلطنة المغولية الإسلامية التي حكمت طوال 300 سنة قبل وصول طلائع سفن الشركة البريطانية الشرقية والتي أرست الاحتلال الإنكليزي على شبه القارة سنة 1858.
ولعل ذلك ما يبرر كلام مودي، خلال خطابه الأخير في الحصن الأحمر، ليشير إلى أن “المغول المسلمين غزاة” و”قاموا بترويع الهندوس في دينهم”، وذلك في تذكير لما قام به السلطان المغولي أورنكزيب (1618 ـ 1707) الذي فرض على الهندوس، وكل الأقليات التي سكنت الهند مقاربة متطرفة في الحكم مبنية على التطرف الديني منذ القرن السابع عشر وبدايات القرن الثامن عشر.
اليوم يسعى مودي ليعيد عجلة التاريخ القديم على أحوال المسلمين، في استحضار ذريعة تاريخية لما تقوم به حكومته ضدّ المسلمين من ترويع بلغ حدّ أن 20 في المائة من المساجين في كل الهند من المسلمين، والذين يعتبرون أقلية، إذ إنهم يشكلون 14 في المائة فقط من سكان الهند (200 مليون نسمة من أصل 1.3 مليار ساكن)، حسب موقع الفصل 14 المختص في رصد العدالة والدساتير والديمقراطية في العالم.
وهذا “الاسترداد” التاريخي الذي يمارسه مودي لما حدث في التاريخ الوسيط، لإبراز المظلومية التاريخية، يعتبر نفس أسلوب الحركات الفاشية التي أرست دعائمها في عشرينيات القرن الماضي؛ فالنازيون صعدوا إلى الحكم من رحم فكرة “الديكتات” الذي فرضته دول الوفاق (فرنسا بريطانيا وروسيا ما قبل الثورة البلشفية)، على ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، وليعيد مودي تشكيله في صيغة ما قام به “أرورنزاب” في فترة ما قبل بلورة فكرة الدولة القومية.
إن هذا التوجه الفكري لمودي واليمين الهندي المتطرف بدأ يشكّل عصب تحريك والتحكم في الرأي العام الهندي ذي الغالبية الهندوسية للإمعان في العمل على محق التراث الإسلامي للمغول من قبل ممثلي الحركة القومية الهندوسية “الهندوتفا”.
في هذا السياق، نقلت وكالة فرانس برس، عن المتحدث باسم منظمة “ماهاسابها” الهندوسية المتطرفة سانجاي جات، قوله إنه “تم بناء تاج محل على أنقاض معبد مخصص لشيفا دمره الغزاة المغول”، مضيفًا “سأواصل الكفاح من أجل ذلك حتى أموت. نحترم المحاكم، لكن إذا لزم الأمر سندمر تاج محل ونثبت وجود معبد هناك”.
وتاج محل هو الضريح الذي أقيم بين عامي 1631 و1648 تلبية لطلب الإمبراطور المغولي شاه جهان لتخليد ذكرى زوجته الراحلة ممتاز محل، ويعتبر رمزًا عالميًا للحب الأبدي وأحد المعالم السياحية الرئيسية في البلاد والتي يتدفق عليها الملايين سنوياً.
ولم يكن تاج محل المعلم الوحيد الذي يتعرّض لـ”الأسطرة” الهندوسية، بل سبقه قبل ذلك مسجد جيانفابي الذي أقيم في القرن السابع عشر في مدينة فاراناسي القديمة في ولاية أوتار براديش شمال البلاد.
ووفق تقارير صحافية، فقد جرت في شهر إبريل حفريات بأمر محكمة في موقع المسجد كشفت عن “شيفا لينغا”، وهو تمثال لكائن يعد “رمزًا” للإله شيفا، مما أجبر المسلمين على عدم الوضوء فيه.
ولم يكن مسجد جيانفابي وحيدًا، بل شهدت الهند أكبر صراع طائفي بين المسلمين والهندوس أدى لمقتل أكثر من 2000 هندي سنة 1992، بعد أن قامت الدولة بتدمير مسجد بابري في أيوديا، أوتار براديش الذي شيد في القرن السادس عشر.
لقد أصبح مودي اليوم بمثابة بطل لتراجيديا هندوسية حديثة، يستمد قوته السياسية من أيديولوجية محورها تفوق الهندوس على غيرهم من الأقليات الدينية والإثنية في الهند.
تلك الأيديولوجيا أخذت تحكم على أكبر ديمقرطية في العالم بالتقهقر إلى معسكر الفاشية التي تستمد جذورها الميثولوجية الأسطورية من رحم “مظلومية تاريخية قديمة”، ولتكون هي حصنه الأخير للاستمرار في حكم الهند إلى ما لا نهاية، خصوصًا وأن حزبه يسيطر على الأغلبية في البرلمان الهندي منذ سنة 2014، وهو ما لم يحدث طوال التاريخ السياسي للهند منذ استقلالها عن التاج البريطاني.

المصدر: العربي الجديد

موضوعات تهمك:

حدود المواجهة مع مودي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة