موجة الربيع الجديدة: توقعات واحتمالات

محرر الرأي5 أبريل 2019آخر تحديث :
موجة الربيع الجديدة: توقعات واحتمالات

موجة الربيع الجديدة: توقعات واحتمالات

  • موجة التغيير القادمة موجة الكرامة في علاقة المواطن بالدولة وبالحقوق وبالديمقراطية والاقتصاد المحتكر والعدالة الإنسانية.
  • حكم الفرد يواجه تحديات وحكم الأقلية على حساب الأغلبية يواجه بشعوب غاضبة تريد تجديد واقعها وتغير مستقبلها.
  • ظاهرة الشعوب العربية المتكاملة الاركان في طريقها للصعود وهي قادمة كتعبير عن رغبة الشعوب لمكانة مختلفة وحقوق ثابتة.
  • تحالف بعض النظام العربي مع أقصى اليمين بالغرب منطلقا من أن الخطر القادم مصدره الإسلام لا الاستبداد والانتهاكات والاستيطان الصهيوني.

بقلم: شفيق ناظم الغبرا

جاءت ثورات 2010 ـ 2011 ضمن تطورات سياسية واجتماعية واقتصادية ارتبطت بسعي شعوب العالم العربي لعلاقة مختلفة مع أنظمتها السياسية.

فعوضا عن شعور التبيعة والتهميش ارادت الشعوب أن تكون العنصر الأساسي في المعادلة وذلك عبر انتخابات شفافة تؤدي لمساءلة حقة وحقوق واضحة. لقد ارادت شعوب 2011 إنهاء التوريث أولا في الانظمة الجمهورية.

وفي هذا نجحت مرحليا قبل أن تعود حالة الديكتاتورية والاحتكار السياسي والفساد بصورة اكثر تشددا وذلك رغم الاستثناء التونسي. بنفس الوقت أرادت الشعوب أن تخوض تجربة واضحة مع الإصلاح السياسي في جميع الأنظمة العربية بما يأخذها نحو ضمانات حقوقية وحريات وعدالة اجتماعية.

لكن الظروف الموضوعية والتجربة المكتنزة في صفوف قوى الإصلاح لم تكن مهيأة لهذا التحول مما أدى بالحالة العربية نحو المراوحة والتراجع.
المعضلة الأكبر التي نتجت عن ثورات 2011 أن الانظمة لم تكن مستعدة للإصلاح ولم تكن متقبلة لافكاره وقيمه، وكانت بنفس الوقت عاجزة بسبب ضيق مصالحها وضيق أفق بعض قواعدها، فسعت بأقصى قوة ممكنة لإنهاء الظاهرة كما بدأت.

استغلت الأنظمة العربية ذلك الضعف الذي ساد تجربة الحراكات العربية لتوجيه ضربات شاملة لها. بعد ثمان سنوات على حراكات 2011 مازال السعي العربي لعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية وحريات أساسيا لفهم المشهد الراهن والقادم.

إن احتجاجات السودان التي بدأت في كانون الأول/ديسمبر 2018 وحراك الجزائر العميق الذي انطلق في شباط/فبرير 2019 وأدى لاستقالة الرئيس بوتفليقة في الثاني من نيسان/إبريل 2019 يؤكدان أن المجتمعات العربية بدأت تنتج حالة وعي تسمح لها بضبط حراكاتها السلمية، هذه الظواهر ستفرز قوى سياسية جديدة كما ستفرز قادة مجربين.

ان فرضية تفكك الشعوب العربية هي الفرضية التي يسقطها حراك السودان والجزائر. فظاهرة الشعوب العربية المتكاملة الاركان في طريقها للصعود وهي قادمة كتعبير عن رغبة الشعوب لمكانة مختلفة وحقوق ثابتة.

إن الموجه الجديدة للحراك العربي، كما تؤكد لنا أحداث الجزائر والسودان، ترفع شعار الكرامة أولا. فكرامة المواطن مرتبطة باحترام قادته له، بل بمقدرته على التحكم بسياساتهم وتوجهاتهم.

وكرامة المواطن مرتبطة بتحقيق حقوق ثابتة حول التعبير وحق العمل السياسي، وكرامة المواطن مرتبطة بتأكيد حقه في انتقاد الفساد الذي تصنع معظمه الأنظمة، وكرامة المواطن مرتبطة بقدرته على تغير قادته وتأمين التداول على السلطة.

بل وكرامة المواطن رهن بعدم دفعه لعبور البحار هربا من قادة يدمرون أوطانهم ويعرضونها للنهب من الداخل والخارج.
الموجة القادمة للتغير هي موجة الكرامة في العلاقة مع الدولة، وفي العلاقة مع الحقوق، وفي العلاقة مع الديمقراطية والاقتصاد المحتكر والعدالة الإنسانية.

لقد انعقدت قمة عربية منذ أيام، لكن العالم العربي لم يشعر بثقلها كما كان الامر في السابق، وقد غاب عن تلك القمة الحراك الجزائري والسوداني وحقوق المواطن العربي وإشكالية الفقر والخوف والحروب والدمار.

ولو أرادت القمة ان تؤثر في مواطنيها لكان الأفضل لها ان تتحدث عن كل ما يسبب الخوف بل والحروب والتفكك والهجرة والظلم. فالتفكك العربي في معظمه أصبح مرتبطا بالظلم وانتشاره، الظلم كما تقول لنا مؤشرات البطالة والفساد هو نفسه الذي يفتح الباب للقوى الإقليمية والدولية للتمدد.

لقد دخلت القمة العربية في تونس طي النسيان قبل ان تبدأ، وقد غطى عليها حراك الجزائر ثم استقالة الرئيس بوتفليقة بسبب الحراك الشعبي. سيسجل التاريخ ان الرئيس بوتفليقة انضم للرؤساء العرب الذين اسقطتهم الارادة الشعبية.

ألا يقول هذا لنا شيئا عن تعطش منطقتنا لآلية أكثر انتظاما لانتخاب الرؤساء ولنهاية مددهم وللتأثير على سياساتهم وتقيم أعمالهم وتحقيق برامجهم ومساءلتهم؟

لم يطرح احد في القمة العربية ان جزءا من النظام العربي أنشأ تحالفا مع أقصى اليمين في الولايات المتحدة وفي أوروبا، فالعلاقات مع هذا اليمين والتي تنطلق من ان الخطر القادم مصدره الإسلام وليس الاستبداد وانتهاك حقوق الانسان أو التوسع الصهيوني والاستيطان.

إن اختزال أزمة العرب بالإسلام بصفته إرهابا والتحدث عن هذا الإسلام تماما كما تتحدث الأجهزة الإسرائيلية والرؤى الفاشية في الغرب يخدم كل من يعارض استقبال المسلمين بألمانيا وأوروبا وأمريكا.

بل يسهم هذا التوجه بشكل مباشر في حملة العداء العنصرية الموجهة ضد العالم الإسلامي المنتشرة في الغرب.

في جانب منه أصبح الإسلام ملاذ الفقراء و الضعفاء، وأصبح مكانا يعكس مشاعر المقهورين بفضل السجون والاستبداد، بل اصبح ملاذ من قهرتهم الصهيونية والسيطرة العالمية.

على الاقل يمثل هذا الجانب جزءا من ردة الفعل التي يعيشها جزء من سكان الاقليم العربي بسبب الحروب والفساد والديكتاتورية والتوتر والتدخل الخارجي والسيطرة الاسرائيلية.

ألا يتطلب هذا نظرة فاحصة تخرجنا من عقلية التهميش نحو فتح الافق السياسي والمصالحات السياسية في كل الاوطان؟

ألا يتطلب ذلك سياسة تدمج كل الناس والحراكات في قواعد ديمقراطية تستوعب كل الأفكار وتحترم الحريات وتعلي قيمة الدستور والتداول على السلطة؟

العالم العربي الرسمي عاد للحظة الصفر، خالي اليدين، مخترقا، ضعيفا أمام إسرائيل و أمام البيت الأبيض وأمام اليمين الديني الإنجيلي.
العالم العربي لم يعد يقوى حتى على إدارة حالة تنافسية لا مع تركيا ولا مع إيران لهذا ذهب بعضه نحو إسرائيل واليمين الديني وهذه سياسات ضعف وترد.

لم يشهد العرب حالة تمزق وضعف وتآكل كما يقع اليوم. إن الأحداث الاخيرة على المستوى الشعبي وما تعكسه بعض الحراكات العربية تؤكد لنا بأن الموجة العربية القادمة لازالت في طور التشكل.

فرضية ان الشعوب تغيرت والناس اختلفت تؤكد صحتها كل يوم. فحكم الفرد يواجه تحديات وحكم الأقلية على حساب الأغلبية يواجه بشعوب غاضبة تريد تجديد واقعها وتغير مستقبلها. إن الاقليم معرض لمزيد من الحراكات في مرحلة تتميز بالتغير.

* د. شفيق ناظم الغبرا أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت.
المصدر: القدس العربي – لندن

موضوعات تهمك: 

السلطويات العربية حين تفرض الانتقام فولكلورا شعبيا

خفايا الحملة الصليببية لترامب

ربع الساعة الأخير

 السياسة في حياتنا

 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة