من حق حكومة مصر أن تنزعج

محمود زين الدين10 أبريل 2022آخر تحديث :
مصر

مصر من كبار المستوردين للقمح والمواطن يعاني من ارتفاع سعر الخبز.
على القاهرة التحرك بسرعة لتنويع مصادر استيراد القمح والذرة، واكتشاف قنوات مالية آمنة لسداد مدفوعات الشحنات الروسية.
ما يزعج القاهرة أكثر انخفاض الاحتياطي الاستراتيجي من القمح والذي بات يغطي شهرين ونصف، وهو أقل بكثير من المستويات الأخيرة.
هناك مخاوف من امتداد الحرب إلى البحر الأسود الذي تعتمد مصر كثيرا على قمحه بسبب جودته وتكلفته وقربه ورخص الشحن وغزارة الإمدادات.
* * *

بقلم: مصطفى عبدالسلام
تعد مصر أكبر مستورد للقمح والزيوت في العالم، وهي رقم صعب في تجارة الحبوب الدولية، فحصتها تتجاوز 10% من تجارة القمح على مستوى العالم، ولذا من حقها أن تنزعج من طول أمد الحرب الأوكرانية والتي تسببت في حدوث قفزات في أسعار الحبوب وتعقيدات في الإمدادات الغذائية.
ومع احتمال بقاء الحرب شهورا وربما سنوات أخرى، فإن هذا يسبب إرهاقا للموازنة المصرية، خاصة وأن فاتورة واردات مصر من الأغذية تتجاوز قيمتها 15 مليار دولار سنويا، إضافة إلى أن 80% من واردات مصر من القمح تأتي من الدولتين المتحاربتين، والنسبة الباقية تتوزع بين 12 دولة أخرى.
مع التذكير هنا إلى أن قفزات الأسعار عقب اندلاع الحرب الأوكرانية دفع الهيئة العامة للسلع التموينية في مصر، المسؤولة عن صفقات استيراد القمح والأغذية من الخارج، إلى الغاء مناقصتين دوليتين لشراء القمح بسبب غلاء العروض المقدمة من قبل الموردين.
كما أن العقوبات التي فرضها الغرب على القطاع المصرفي الروسي خلقت تعقيدات شديدة في السداد، ووضعت العراقيل أمام الحكومة المصرية في سداد قيمة شحنات الاستيراد وصفقات شراء القمح وتحويل الأموال.
حتى البنوك العالمية الكبرى النشطة في تمويل صفقات الحبوب والمعادن باتت تحجم عن تمويل واردات القمح القادم من روسيا، وبالتالي قد تجد القاهرة صعوبة في تدبير التمويل الخارجي لصفقات الاستيراد تلك، إلا إذا لجأت إلى الموارد الدولارية الذاتية والسحب من الاحتياطي الأجنبي مباشرة
ليس هذا ما يزعج القاهرة فقط، فهناك مخاوف من أن تمتد الحرب إلى منطقة البحر الأسود الذي تعتمد مصر على قمحه بصورة كبيرة بسبب جودته وتكلفته وقرب المكان ورخص الشحن وغزارة الإمدادات، وبالتالي فإن هناك قلقا لدى جميع المستوردين من تعطل شحنات القمح القادمة من تلك المنطقة خاصة من أوكرانيا.
كما ظهرت مخاوف على إمدادات مصر من الغذاء من الدولتين المتحاربتين في ظل التراشق الروسي الأوكراني الأخير حول حقيقة منع روسيا سفينة شحن محملة بالقمح الأوكراني من التوجه إلى مصر، مع تأكيد من كييف وواشنطن لهذا الأمر، ونفي من موسكو التي لم تتوقف عند النفي بل شددت على أن الأسطول البحري الروسي يضمن حرية حركة السفن التجارية.
لكن يظل احتمال منع تصدير القمح واردا ومحتملا في المستقبل، في ظل استخدام كل طرف من الأطراف المتحاربة كل أسلحته لإضعاف اقتصاد وقدرات الآخر وشل قدرته المالية، وتأكيد موسكو أكثر من مرة أن السلطات الأوكرانية هي من تمنع خروج سفن القمح المتجهة إلى الخارج ومنها مصر من موانئ البحر الأسود.
ما يزعج القاهرة أكثر انخفاض المخزون الاستراتيجي من القمح والذي بات يغطي شهرين ونصف تقريبا حسب بيانات رسمية، وهو أقل بكثير من المستويات الأخيرة، كما يتناقض مع حالة الطمأنة الصادرة مؤخرا من كبار المسؤولين حول الأمن الغذائي وتوافر احتياطي يغطي احتياجات 6 شهور وربما أكثر، على أن يرتفع الرقم إلى 9 شهور عقب جمع أكثر من 4 ملايين طن قمح من المزارعين من بين 10 ملايين طن هو الحجم المتوقع من الإنتاج المحلي لهذا العام.
ويوم 8 مارس خرج علينا نادر سعد المتحدث باسم الحكومة المصرية ليعلن أن مصر لديها مخزون استراتيجي من القمح يقترب من خمسة ملايين طن في الصوامع أو المطاحن، وسينضم القمح المحلي إليها بداية من أبريل الجاري، ليكفي المخزون لمدة تسعة أشهر، أي لنهاية العام.
لكن قبل أيام خرج علينا ليعلن أن الاحتياطي يكفي 78 يوما فقط، وهو ما أثار قلق البعض خاصة وأن القمح يستخدم في صناعة رغيف الخبز المدعوم، وهو الغذاء الرئيسي للمصريين.
في ظل حالة الانزعاج تلك التي بدت عليها القاهرة فإن عليها التحرك بسرعة لتنويع مصادر استيراد القمح، واكتشاف قنوات مالية آمنة لسداد مدفوعات الشحنات الروسية،
صحيح أن مصر لديها 14 دولة معتمدة لتوريد القمح، منها رومانيا وأستراليا وفرنسا وليتوانيا وجزر المالديف والصين إضافة إلى روسيا وأوكرانيا، لكن أسعار تلك المناشئ قد تكون مرتفعة ومكلفة، ولذا عليها البحث عن مصادر أخرى مثل الهند وكندا وألمانيا والولايات المتحدة، والأهم هو أن تبدأ خطة للاكتفاء الذاتي من الحبوب وتحقيق الأمن الغذائي.
* مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي
المصدر: العربي الجديد

موضوعات تهمك:

الغلاء والغُلو والغليان

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة