مع أيّ فلسطين يتضامن المتضامنون؟

محمود زين الدين5 ديسمبر 2022آخر تحديث :
فلسطين

مع أيّ فلسطين نتضامن اليوم: سلطة محمود عباس في رام الله، أم سلطة إسماعيل هنية في غزّة؟
اليوم العالمي للتضامن مع قضية فلسطين مناسبة إعلام عالمية تصحّ الاستفادة منها وليس اعتبارها المنصّة الأبرز أو الأوحد.
الوقوف مع شعب فلسطين لا يتوجب أن يتعطّل بسبب من إشكاليات السلطة في رام الله أو غزّة أو الخيارات العقائدية المختلفة.
فتح أم حماس؟ واقع اتفاقيات أوسلو التي باتت أقرب إلى جثة هامدة، أم صواريخ القسام الأقرب إلى الرمز الصوتي منها إلى السلاح الفتاك؟
خلص سعيد إلى أنّ نحو ألف منظمة غير حكومية على اختلاف قيمة وجدوى هذه أو تلك هي التي تحتضن حيوية شعب فلسطين وتستقبل طاقاته المختلفة.
مفهوم الكرامة عند الفلسطينيين والعرب أبعد ما يكون عن تنميطات الاستشراق العنصرية القاصرة الاختزالية التي تبعده عن العدالة والتوق إلى الحرّية والديمقراطية.
ثمة خيار أكثر بساطة في تكوينه وأشدّ صلابة في أخلاقيته: التضامن المطلق مع الشعب الفلسطيني وحقوقه ونضالاته بوجه الاحتلال الأشرس والأبشع على امتداد العالم.
* * *

بقلم: صبحي حديدي
في أحد مقالاته الأخيرة حول قضية فلسطين، كُتب قبيل رحيله الفاجع خريف 2003 ونُشر لاحقاً بعنوان «سياسة العداء للسامية»؛ استفاض إدوارد سعيد في تشريح سياسات إسرائيل الوحشية تجاه شعب فلسطين، لكنه توقف بتعمّق لافت عند مفاصل كبرى في حيوية هذا الشعب، على مستويات إنسانية شتى، في ميادين السياسة والاجتماع والثقافة أيضاً.
ولم يغفل، وهو الفلسطيني المنتقد لأسس اتفاقيات أوسلو ومآلاتها، عن تخصيص بضع فقرات ناقشت حال السلطة الوطنية، وتطرقت على نحو خاصّ لمواقع حركات فتح وحماس وبقية الفصائل.
فخلص إدوارد سعيد إلى أنّ قرابة 1000 منظمة غير حكومية ـ بصرف النظر عن حكم القيمة، والجدوى، على هذه أو تلك ـ هي التي تحتضن حيوية هذا الشعب، وتستقبل طاقاته المختلفة.
وفي زمن كتابة تلك المادة كانت الإحصائيات التي امتلكها سعيد تشير إلى أنّ فتح وحماس تستقطبان، معاً، 45% من تأييد الفلسطينيين؛ والـ55% الباقية تذهب لمنظمات وتجمعات «أكثر تطلعاً إلى الأمل والإصلاح السياسي»، حسب تعبيره.
هنا، أيضاً، لم يغفل الراحل عن مفهوم الكرامة، الذي «يحظى بمكانة خاصة في كلّ ثقافة عرفها المؤرخون والأنثروبولوجيون وعلماء الاجتماع…»؛ وهو، عند الفلسطينيين تحديداً، ثمّ عند العرب عموماً، أبعد ما يكون عن التنميطات الاستشراقية أو العنصرية أو القاصرة أو الاختزالية، التي تبعده عن حسّ العدالة والتوق إلى الحرّية والديمقراطية.
وعلى نحو أو آخر، كان سعيد يوظّف (بطرائقه التحليلية والتركيبية الفذّة) معطى بارزاً في حوزة أبناء فلسطين في المقام الأوّل، انتقل تلقائياً ومنطقياً إلى جهاز التفكير والتحرّك الذي يحكم غالبية حركات التضامن مع قضية فلسطين، العالمية منها قبل تلك العربية في واقع الأمر.
ذلك المعطى كان يقود، ويظلّ اليوم أيضاً، إلى معالجة سؤال حاسم مركزي: مع أيّ فلسطين نتضامن اليوم، سلطة محمود عباس في رام الله، أم سلطة إسماعيل هنية في غزّة؟
وعن هذا السؤال تتفرّع سلسلة أخرى من الأسئلة، تضمّ هذه مثلاً: «فتح» أم «حماس»؟ واقع اتفاقيات أوسلو التي باتت أقرب إلى جثة هامدة، أم صواريخ «القسام» الأقرب إلى الرمز الصوتي منها إلى السلاح الفتاك؟ اندلاق سلطة رام الله على الاحتلال والتشبث بقداسة التنسيق الأمني، أم اندلاق «حماس» على نظام مجرم الحرب بشار الأسد و«حزب الله»؟
في قلب هذه الشبكة من الأسئلة، أو التساؤلات بالأحرى، تجثم واقعة محورية صنعتها انتخابات تشريعية أولى، ويتيمة حتى الساعة بالطبع، شدّت طبائع التضامن إلى إشكالية مزدوجة: هل أخطأ الشعب الفلسطيني حين منح «حماس» أغلبية صريحة في المجلس التشريعي؟
وهل توجّب أن يمارس الفلسطينيون تجربتهم الديمقراطية الأولى، من منطلق مكافأة «حماس» عن طريق معاقبة «فتح»؟ وبصرف النظر عن هذه أو تلك، كيف نواصل التضامن من دون أن نطعن في خيار ديمقراطي مثّلته صناديق الاقتراع، وكذلك دون أن نخدش حياء الالتفاف التاريخي حول منظمة أمّ نهضت على شعار «ثورة حتى النصر»؟
ثمة، غنيّ عن القول، خيار أكثر بساطة في تكوينه وأشدّ صلابة في أخلاقيته، هو التضامن المطلق مع الشعب الفلسطيني وحقوقه ونضالاته في وجه احتلال بات الأشرس والأبشع على امتداد العالم؛ ونقطة على السطر، مفادها أساساً أنّ الوقوف مع الشعب الفلسطيني لا يتوجب أن يتعطّل بسبب من إشكاليات السلطة في رام الله أو غزّة أو الخيارات العقائدية المختلفة، وأنّ اليوم العالمي للتضامن مع القضية الفلسطينية مناسبة إعلام عالمية، تصحّ الاستفادة منها وليس اعتبارها المنصّة الأبرز أو الأوحد.
صعوبات خاصة تكتنف هذا الطراز من تشخيص التضامن، بالطبع، كأن يُنظر إلى صيغة مقاومة على طراز «عرين الأسود» ضمن منظار أعرض يخصّ حصيلة عقود من الأشكال والخيارات والممارسات، وليس من زاوية واحدة ضيّقة تنحصر في ثنائية العمل المسلح/ العمل السلمي.

*صبحي حديدي كاتب سوري مقيم في باريس

المصدر: القدس العربي

موضوعات تهمك:

بن غفير: زعيم الإرهاب قائدا للأمن!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة