ما الذي عطّل لقاء بايدن وبوتين؟

محمود زين الدين15 ديسمبر 2022آخر تحديث :
بايدن

التباعد في المواقف قام على وضع كل من الطرفين شروطاً تسبق اللقاء والجلوس لمائدة التفاوض.
البداية كانت تدعو للاطمئنان، بعد اعتراف بايدن وبوتين بأن دبلوماسية التفاوض هي الطريق لإنهاء الحرب.
الطريق مغلق أمام الحل السلمي الدبلوماسي، فكل منهما وضع شروطاً لبدء التفاوض، مما يتنافى مع التجارب الدولية في إنهاء حرب أو أزمة مستعصية.
تمر عملية الوصول إلى سلام بسلسلة خطوات تفاوضية لإنهاء الحرب وإقامة سلام يبقى طويلا وهذا مدخل لمباحثات دبلوماسية لاحت بوادرها لحظة ثم انطفأت.
* * *

بقلم: عاطف الغمري
يوم الخميس الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن مبادرة من جانبه، كان من الطبيعي أن تسعد العالم بقرب انتهاء حرب أوكرانيا. كان بايدن يتحدث في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي ماكرون أثناء زيارته للبيت الأبيض.
وقال إنه مستعد لمباحثات دبلوماسية مع الرئيس الروسي بوتين، إذا ما كان يتطلع إلى طريق لإنهاء الحرب. وأضاف إلى قوله أنه ليست لديه حالياً خطط للاتصال ببوتين. لكنه يترك الباب مفتوحاً أمام هذا الاحتمال.
ثم جاء رد الرئيس الروسي من خلال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، قائلاً إن الرئيس بوتين منفتح على الاتصالات والمفاوضات مع واشنطن، وإن الدبلوماسية هي الطريق المفضل لتحقيق أهداف روسيا.
هذه البداية كانت تدعو للاطمئنان، بعد اعترافهما بأن دبلوماسية التفاوض هي الطريق لإنهاء الحرب.
حرصتُ على قراءة تفصيلية لما قاله الجانبان، فشعرتُ بأن الطريق مغلق أمام هذا الحل السلمي الدبلوماسي، فكل منهما على السواء وضع شروطاً لبدء المفاوضات، وهو ما يتنافى مع التجارب الدولية في مثل هذه الحالات التي تسعى لإنهاء حرب أو أزمة مستعصية، والتي كان مدخلها إلى أي لقاء بين طرفيها يبدأ بحسن النية من الجانبين. ثم بعد ذلك يطرح كل منهما شروطه على مائدة التفاوض، ثم يدور النقاش حولها.
إن بايدن ربط لقاءه مع بوتين، باشتراطه أن يُظهر الأخير اهتماماً بإنهاء حرب أوكرانيا. ثم أضاف أنه ليست لديه الآن خطط للاتصال ببوتين، لكن مستعد للتحدث معه في حالة إظهار الاهتمام بإنهاء الحرب، وأنه لا توجد طريقة معقولة لإنهاء الحرب إلا بانسحاب بوتين من أوكرانيا. وهذا أمر في المقام الأول.
وجاء رد المتحدث باسم الكرملين بالقول إن بايدن قال بشكل واضح إن المفاوضات لن تكون ممكنة إلا بعد انسحاب روسيا من أوكرانيا. وهو ما ترفضه موسكو بوضوح، ثم إن العمليات العسكرية مستمرة.
هذا التباعد في المواقف قام على وضع كل من الطرفين شروطاً تسبق اللقاء والجلوس على مائدة التفاوض.
عند هذه النقطة، كان من المهم لمزيد من الإيضاح لما في خلفية المشهد، قراءة ما صدر من تفسيرات أمريكية للوضع الآن، على ألسنة مستويات أمريكية مختلفة.
نجد أن أنتوني بلينكن وزير الخارجية يقول إن بايدن لا يريد توسيع شقة الصراع في أوكرانيا، وإن أمريكا لا تريد حرباً مع روسيا، أو حرباً عالمية ثالثة، على وجه الخصوص.
ثم تقول صحيفة «نيويورك تايمز» إن الولايات المتحدة ترى أن الاحتمال ضئيل أمام مفاوضات حول أوكرانيا، بعدما عرضه كل من بايدن وبوتين من آراء. وإن احتمالات إنهاء الحرب لا تزال بعيدة.
ويمضي في نفس الاتجاه جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، بأن موقف بايدن لم يتغير، وأنه ليست لديه نية الآن للتحدث مع بوتين، كما أن بوتين لم يظهر أي إشارة إيجابية.
أيضاً يقول نيد برايس المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، من الواضح أن الروس ليسوا في حالة مزاجية لحوار بناء من أجل دبلوماسية فعالة.
على الناحية الأخرى، وفي اليوم التالي، الجمعة، لمبادرة بايدن، أعلن المتحدث باسم الكرملين أن بوتين لا يزال منفتحاً على الاتصالات والمفاوضات، وأن الدبلوماسية هي أفضل طريق.
لكن الشروط التي وضعتها واشنطن بشأن أوكرانيا، تضيف المزيد من التعقيدات أمام البحث عن أرضية مشتركة لمناقشات متبادلة.
ولفت انتباهي تعليق لوكالة «رويترز» على هذا المشهد بقولها إن بايدن أطلق بالون اختبار قوياً ناحية بوتين.
يبقى جانب آخر يتعلق بموقف كل من الرئيسين الفرنسي ماكرون والألماني شولتس، بعد أن قرأت في البداية ما أعلنه بايدن، من تعبير مجتزأ يقول إن الرئيسين الفرنسي والألماني تحدثا عن الحل الدبلوماسي، وإن كليهما دعيا لمفاوضات مباشرة بين أمريكا وروسيا للوصول إلى حل وسط.
ولما كانت البداية للقاء بايدن وبوتين، مبشرة، ثم لحقت بها العراقيل بشروط تعجيزية من الجانبين، لفت نظري رؤية علمية، لعدم الوقوع في مأزق التباعد في اللقاء بين الرئيسين الأمريكي والروسي، وهي رؤية للمعهد الأمريكي من أجل السلام، سبق أن أعلنها، شارحاً الأسلوب الطبيعي والأمثل للتفاوض في مثل هذه الحالة.
تلك الرؤية تضمنها تقرير لمدير المعهد جون دياز برينز، ويقول إن الوصول إلى سلام يعتبر عملية تمر بسلسلة من الخطوات التفاوضية لإنهاء الحرب لإقامة سلام يبقى لأمد طويل.
ولعل هذه الرؤية العلمية من علماء ومختصين أمريكيين تقدم مدخلاً إلى طريق للمباحثات الدبلوماسية، التي لاحت بوادرها للحظات، ثم انطفأ وهجها فجأة.

*عاطف الغمري كاتب صحفي مصري

المصدر: الخليج – أبو ظبي

موضوعات تهمك:

خطوات إدارة بايدن الأولى نحو التفاوض

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة