لغز نوايا بوتين تجاه أوكرانيا يحيّر واشنطن

محمود زين الدين16 يناير 2022آخر تحديث :
بوتين

تحذير من حرب في أوروبا مع وصول الحوار بشأن أوكرانيا إلى طريق مسدود.

تشير بعض الترجيحات إلى أن العودة إلى طاولة التفاوض، إن حصلت، لن تكون قريبة.

هل تعود روسيا إلى طاولة التفاوض، من زاوية أنها لا تقوى على تحمل تبعات الخيار العسكري من كافة النواحي؟!

هل تقوم القوات الروسية “باحتلال المنطقة الأوكرانية المجاورة لشبه جزيرة القرم وبما يكفل سد المنفذ البحري لأوكرانيا”؟

هل يحدث “اجتياح القوات الروسية كامل أوكرانيا على أن يصار بعد ذلك إلى إعلان قيام الاتحاد الثلاثي السلافي المؤلف من روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا”؟

حتى لو أتاحت الانشغالات الدولية والأميركية بكورونا فرصة لعمل عسكري كبير تبقى ذريعة روسيا غير قابلة للتسويق رغم حيثيتها ضد توسيع حلف “الناتو”.

في عصر االفوضى الدولية، قد يحصل ما لا يتفق مع المعقول، خاصة أن بوتين الذي هزّه الانهيار السوفياتي يتطلع لتصفية شيء من فاتورة حدث وصفه كـ”أكبر مأساة شهدها القرن العشرين”. وهنا الخشية من زلزال أوروبي.

* * *

تقاطعت ردود الفعل الأميركية حيال نهاية المحادثات بشأن أوكرانيا، عند سؤال معلّق: هل يعود بوتين إلى الطاولة أم يترجم تلويحه بالبديل العسكري؟. دبلوماسية الأيام الثلاثة في جنيف وبروكسل وفيينا بين واشنطن، ومعها حلف “الناتو” والأوروبيون، وموسكو، وصلت إلى طريق مسدود ومن دون تحديد موعد لاستئنافها.
وتشير ترجيحات إلى أن العودة إلى الطاولة، إن حصلت، لن تكون قريبة. إذ باتت، حسب الإدارة الأميركية، مرهونة بقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المفتوح على أكثر من احتمال. وزاد من البلبلة أن تعليقات المسؤولين الأميركيين والأوروبيين، كما الروس، جاءت مشوشة وأحيانا متضاربة، إما للتمويه أو لغياب التنسيق.
رئيسة الوفد الأميركي المفاوض ويندي شيرمان وضعت الموقف الروسي في دائرة سوء النية المتراوحة بين “التوليف أو الاستفزاز أو التخريب”. أما جون كيربي، الناطق الرسمي في البنتاغون، فقال “لا نعتقد أن الكرملين أخذ قراره (…) طريق الدبلوماسية ما زالت مفتوحة”.
وتجاهل مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان، في لقائه مع الصحافة، السؤال عما إذا كانت موسكو قد “فاوضت بحسن نية”، مبديا استعداد الإدارة لمواصلة المحادثات على أساس أن الدبلوماسية ما زالت قادرة على صياغة مخرج، إذا ما عملت موسكو على خفض التوتر الميداني وقبلت باعتماد الخطوات الأمنية المتبادلة في قضايا الحد من الأسلحة والمناورات العسكرية”، إلا أنه لفت إلى أن “درجة التهديد عالية”.
السفير الأميركي لدى منظمة الأمن والتعاون الأوروبي ذهب إلى أبعد من ذلك بقوله إن المشكلة تحولت إلى “أزمة للأمن الأوروبي”.
التضارب ساهم فيه أيضا الجانب الروسي، ربما للإرباك والتشويش. نفس المفاوض سيرغي ريابكوف، الذي وضع جولة جنيف الاثنين الماضي في خانة الجو الذي “يحمل على التفاؤل”، قال، بعد اختتام جولة فيينا، إن المحادثات وصلت “إلى حدّ ما إلى طريق مسدود، وإنه لا جدوى من الاستمرار فيها “.
تباين هذه الردود من الفريقين، مع عدم تحديد موعد جديد لمواصلة الحوار، انعكس على التوقعات التي توزعت بين وضع الأزمة في المجهول والعودة إلى الطاولة وانتهاء بالخيار العسكري الروسي. إذ يراهن فريق على التشدد لإغراق بوتين في ورطة كبيرة في أوكرانيا.
ويرى فريق آخر أن روسيا لا بد أن تعود إلى الطاولة، من زاوية أن روسيا لا تقوى على تحمل تبعات الخيار العسكري من كافة النواحي، ومن بين المتوقعين لهذا الاحتمال ليون بانيتا، وزير الدفاع ومدير “سي أي إيه” سابقا، الذي دعا إلى “وجوب الاستمرار في التمسك بالموقف الصلب الذي من شأنه حمل بوتين في النهاية على القبول بحل”.
يشار في هذا الصدد إلى أن المتحدث في الخارجية الأميركية نيد برايس ألمح الأربعاء، بصورة مبطّنة، إلى أن إلادارة قد تسهل عودة بوتين، وذلك عندما تهرب من الإجابة على سؤال حول ما إذا كانت الإدارة في وارد الاستجابة لطلبه وتزويده بضمانة خطية “بعدم قبول أوكرانيا في حلف “الناتو”.
إذ اكتفى بالقول “إننا لا نتحدث عن الشكليات التي قد تأخذها المحادثات. المعروف أن واشنطن كان قد سبق لها اعتبار هذا الطلب بمثابة إغلاق لباب الحوار قبل أن يبدأ.
يبقى احتمال الحرب الذي ليس خارج الحسابات. وثمة من وضع له سيناريوات ميدانية ولو أن الغلبة لاستبعاده. وفي الواقع، هناك إشارات حالية وسابقة تسمح بتصور مثل هذا الاحتمال.
حيث وضع “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” في واشنطن دراسة عسكرية حول هذا الخيار، الذي قد يكون “الحدث العسكري الروسي الأهم منذ الحرب الثانية في 1945”.
وتشير خلاصة الدراسة إلى أن القوات الروسية قد تقوم “باحتلال المنطقة الأوكرانية المجاورة لشبه جزيرة القرم وبما يكفل سد المنفذ البحري لأوكرانيا”. أما السيناريو الثاني، فيدور حول “اجتياح القوات الروسية كامل التراب الأوكراني بصورة حاسمة، على أن يصار بعد ذلك إلى إعلان قيام الاتحاد الثلاثي السلافي المؤلف من روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا”.
وتبرز الدراسة العوائق والصعوبات اللوجستية والتحديات الكثيرة، منها المقاومة الأوكرانية واتساع مساحة البلاد، ما قد يؤدي إلى استرجاع الورطة الروسية في أفغانستان. وتضيف أن “مثل هذه المجازفة، عدا عن كلفتها البشرية والمالية، خاصة الأوروبية والعزلة الدولية التي لا بد من أن تتسبب بها، فإن من شأنها أن تفاقم عملية توسيع (الناتو) التي تذرعت بها موسكو، حيث ستسارع دول مجاورة، مثل السويد وفنلندا وجورجيا، إلى طلب الانتساب إلى الحلف”.
وكان بوتين قد حذر بايدن من عواقب “غلطته الهائلة” لو امتنع عن تقديم ضمان بعدم انضمام أوكرانيا إلى “الناتو”. هل “الهائلة” تعني أن البديل هو الحسم العسكري؟. كما تجدر الإشارة إلى كلام الرئيس بوتين في إبريل/ نيسان 2014، بعد ضم القرم، عندما قال “لا نريد تقسيم أوكرانيا، فلا حاجة لذلك”. هل كان يضمر أن كل أوكرانيا وليس جزءاً منها هو ما يحتاجه، كما يرى المحلل المحافظ المعروف جورج ويلّ.
مع ذلك وحتى لو كانت الظروف الدولية والأميركية المشغولة بتداعيات كورونا توفر فرصة لعمل عسكري بهذا الحجم، تبقى الذريعة الروسية، لو وضعت في حيز التنفيذ، غير قابلة للتسويق رغم حيثيتها ضد توسيع حلف “الناتو”.
لكن في عصر االفوضى الدولية، قد يحصل ما لا يتفق مع المعقول، خاصة أن الرئيس بوتين، الذي هزّه الانهيار السوفييتي، يتطلع إلى تصفية ولو شيء من فاتورة ذلك الحدث، الذي وصفه بأنه كان “أكبر مأساة شهدها القرن العشرين”. ومن هنا الخشية من زلزال أوروبي.

المصدر| العربي الجديد

موضوعات تهمك:

تفاقم التوتر الأميركي الروسي يهدد مصالح إسرائيل

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة