لبنان وإسرائيل: المصالح واضحة في ترسيم الحدود

محمود زين الدين14 أكتوبر 2022آخر تحديث :
لبنان

استُكملت الاستعدادات التقنية لدى إسرائيل فأصبحت جاهزة لاستخراج الغاز وتصديره خلال فترة قريبة.
اتفاق الترسيم تأثّر خلال مسيرته بالصراعات الداخلية في كلا البلدين، وما يزال عرضةً لإشكالات إقليمية ودولية.
لبنان رسميا في حالة حرب مع إسرائيل واشترط منذ البداية عدمَ طرح موضوع «تطبيع» العلاقات بينه وبين إسرائيل.
حرصت الإدارة الأميركية الحالية على إعطاء أولوية لهذا الملف بغيةَ تسريع دخول إسرائيل الخريطةَ المتوسطية لإنتاج الغاز لتلبية حاجة أوروبا من الطاقة.
هناك مصلحة أكيدة للبنان، إذ يتفاوض مع صندوق النقد الدولي على خطة تعافي اقتصادي، ومن شأن اتفاق الترسيم وما يَعد به من ثروة نفط وغاز تعزيز وضعَه التفاوضي.
لدى الإصرار على المواعيد المحددة للإنتاج والتصدير دون اتفاق، فاحتمالات التصعيد الأمني واردة رغم عدم جدواه، ولا بديل عن إبرام اتفاق يضمن للأطراف جميعاً تفعيل مصالحها.
* * *

بقلم: عبد الوهاب بدرخان
ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل مشروع يتسم بأهمية لا تُظهرها الأخبارُ الشائعة عنه. مع اقتراب الاتفاق، حتى لو تأخّر قليلاً، تبرز عناصر ضرورته واحتمالات التغيير الذي يمكن أن يُحدثه في المنطقة.
هناك مسودة اتفاق تتضمن عصارة تفاوض غير مباشر بدأ عام 2010 واستمرّ بوساطة أميركية، لكن بشكل بطيء ومتقطّع، إلى أن راح يتسارع في العامين الماضيين ليبلغ ذروتَه راهناً معزّزاً أولاً بكون مصالح الطرفين واضحة، وثانياً بثلاثة دوافع:
– فمن جهة حرصت الإدارة الأميركية الحالية على إعطاء أولوية لهذا الملف بغيةَ تسريع دخول إسرائيل الخريطةَ المتوسطية لإنتاج الغاز ولتلبية حاجة أوروبا إلى الطاقة.
– ومن جهة أخرى استُكملت الاستعدادات التقنية لدى إسرائيل فأصبحت جاهزة لاستخراج الغاز وتصديره خلال فترة قريبة.
– ومن جهة ثالثة هناك مصلحة أكيدة للبنان، إذ إنه يتفاوض مع صندوق النقد الدولي على خطة للتعافي الاقتصادي، ومن شأن اتفاق الترسيم وما يَعد به من ثروة نفطية وغازية أن يعزّز وضعَه التفاوضي لنيل مساعدات دولية.
لكن اتفاق الترسيم تأثّر خلال مسيرته بالصراعات الداخلية في كلا البلدين المعنيين، وما يزال عرضةً لإشكالات إقليمية ودولية.
ذاك أن لبنان ما يزال رسمياً في حال حرب مع إسرائيل رغم أنه لم يخضْ -رسمياً كذلك- أي حرب ضدّها بل تعرض لاجتياحات إسرائيلية عدة تارة بسبب الوجود الفلسطيني المسلح وطوراً بسبب «حزب الله» الموالي لإيران، وفي الوقت الحالي بات لبنان إحدى بؤر الصراع الإيراني الإسرائيلي (الأميركي).
لا بد لهذا الواقع أن ينعكس على المجريات السياسية في مختلف جوانبها. وكان التفاوض قد اعتمدَ خط العرض 23 أساساً للترسيم لكن بيروت طرحت لفترة الخطّ 29 ثم تراجعت عنه لأنه كاد يطيح الوساطة الأميركية وينسف المفاوضات من أساسها.
وبعد تسوية معظم الصعوبات الرئيسية، إذا بتفاصيل أخرى تفرض نفسها، وهي ناجمة عن طبيعة الاتفاق المُتفَاوض عليه، إذ إنه اتفاق ضرورة يُراد إبرامه على أن يبقى طرفاه في حال عداء، فقد اشترط لبنان منذ البداية عدمَ طرح موضوع «تطبيع» العلاقات بينه وبين إسرائيل.
هذا إشكالٌ سياسي ولا حلَّ سياسيَّ له، فكان على الوسيط الأميركي أن يستعين بصديق، كما يُقال، لإيجاد «حلٍّ تقني» يتمثّل بدور أساسي لشركة «توتال»، بما يعنيه أيضاً من ضمان سياسي فرنسي.
وكانت الشركة تعمل في المياه اللبنانية ثم توقفت بسبب ظروف الأزمة الاقتصادية للبلد، ولاعتبارات أمنية، لذا طلب الجانب اللبناني أن تستأنف الشركة عملَها كمؤشر على جدّية اتفاق الترسيم.
عدا أعمال الحفر والتنقيب في حقل قانا اللبناني، ستكون لـ«توتال» مهمة حسّاسة ودقيقة، وهي إدارة الجزء الجنوبي من هذا الحقل حيث تتداخل مياه البلدين، وبالتالي عليها توزيع العائدات بينهما، لكن لبنان يحاجج بأن الحقل حصّةٌ كاملة له.
اشترطت الشركة لمباشرة عملها أن يكون الترسيم ناجزاً وأن لا تُترك في الاتفاق أي نقطة محل نزاع، فيما طالبت إسرائيل بنصٍّ يلحظ نصيبها من العائدات، ما شكّل خلافَ اللحظة الأخيرة وينبغي حلّه لئلا تؤدي المزايدات الانتخابية في إسرائيل إلى تأجيل الاتفاق بداعي أنه يقدّم تنازلات إلى «حزب الله».
إذا حصل تأجيل فإنه يعني أيضاً تغيير الجدول الزمني لإنتاج الغاز من حقل كاريش الإسرائيلي، باعتبار أن الموقع لا يزال قيد التفاوض.
وفي حال الإصرار على المواعيد المحددة للإنتاج والتصدير، من دون اتفاق، فإن احتمالات التصعيد الأمني واردة رغم عدم جدواه، ولا بديل عن إبرام اتفاق يضمن للأطراف جميعاً تفعيل مصالحها.

*عبد الوهاب بدرخان كاتب صحفي لبناني

المصدر: الاتحاد – أبو ظبي

موضوعات تهمك:

ترسيم الحدود البحرية: الإدارة الأميركية “متفائلة” رغم العراقيل

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة